أسراري الخاصة بين أربعة جدران تقضي نجد المقاطي (16 عاما)، جل وقتها، لأنها تأمن أسرارها خلف تلك الجدران الأسمنتية، “أرى فيها راحتي، وأمارس فيها هواياتي، دون ضجر أو ملل من الضيق أو محدودية المكان، فهي تعني لي خصوصيتي المفقودة في الخارج”. وإذا ما اضطرت للمغادرة من الغرفة، تعترف بأنها تتململ، وتحاول الإسراع لعودتها إلى الغرفة، لا لسبب خفي، “لكنني أشعر براحتي في هذا المكان والبنات دائما تعشق الخصوصية، بعيدا عن التطفل على عالمها الخاص، حتى وإن كان الأمر لا يتعدى مجرد فرشاة تصفيف للشعر، أو حتى دفتر مذكرات تسجل فيه خواطرها، المهم أن تشعر الفتاة بأنها تمتلك حيزا مكانيا يحفظ لها أسرارها”. أما وسائل الترفيه، ففي الغالب توفرها نجد داخل غرفتها: “أضفت التلفاز والرسيفر، بداعي عدم إزعاج من في المنزل، أو التشاجر على القناة المحببة، واليوم أصبحت هذه التقنيات سهلة، وليست معقدة، فأضع الجهاز في جزء من الغرفة ومعه البلايستيشن والاستريو، وفي الجانب الآخر طاولة المذاكرة، وعليها اللابتوب، ولا أظن أنني أبحث عن وسائل ترفيه أفضل من هذه؛ لأن غرفتي تعد شقة متنقلة”. لكن نجد لا ترى حرجا في الدفاع عن استقلالية الفتاة وسط محيطها الأسري: “احترام المجتمع لاستقلالية الفتاة وتكريس هذا الاحترام بإعطائنا الأولوية في اختيار الغرف، يعد تطورا اجتماعيا ملحوظا، إذ لا يمكن للفتاة العيش في غرفة واحدة مع أختها على سبيل المثال، لاختلاف الطباع والميول والتوجهات، بحكم أن لكل منا خصوصياته التي لا يود أن يطلع عليها أحد، ومنها المحادثات مع صديقاتي، وتصفح الإنترنت”. ننافس غرف الأطفال وفي شقة أخرى، هيأت أنوار العمر (16 عاما) غرفتها لاحتضان كل مستلزماتها كفتاة، ففي جانب وضعت الكتب والروايات المحلية والعالمية المترجمة، في تعشق القراءة والاطلاع، “وليس من المعقول أن أجادل كل من في المنزل، لاحترام رغبتي في القراءة، وليس مقبولا أن أمنع الآخرين من الكلام والحديث في وقت قراءتي؛ لذا فالخصوصية أفضل بالنسبة للبنت، خاصة أنها تختلف كثيرا عن الشاب”. ولا تخفي أنوار سرا في التأكيد أن المراهِقة تميل للخصوصية بشكل أكبر: “لكن هذا لا يمنعها من انتزاع حقها، خاصة مع متطلبات هذا العصر، التي لم تكن متوافرة في السابق؛ فالمجتمع يقبل الآن هذه الخصوصية، مثلما الحال في غرف الأطفال، بل هناك بعض الأسر تحترم الخصوصيات، وتتجنب الاقتراب من هذا العالم، تأكيدا لاستقلالية الفتاة، الأمر الذي يعزز إيجابا من سلوكياتها”. وتحذر أنوار من تغييب بعض الأسر لغرف البنات؛ لأن “عدم وجود مثل هذه الغرف يعد تعديا على مسألة الخصوصية، وضربها عرض الحائط؛ ما ينعكس سلبا على تصرفات الفتاة بعد تخطي مرحلة المراهقة، وعندها تتهم الأسر بأن ابنتها عديمة الشخصية، ومن جانب أولى أن تبادر الأسر بتعزيز هذه الشخصية”. حوار الدببة ويبدو أن غرفة سمية الهولي (19سنة) وضعت في غرفتها الخاصة كل أحلامها: “هي كل عالمي, أقضي بها معظم الوقت, وألجأ إليها في جميع الأوقات، فهي ملاذي عندما أحزن، وغرفة لأسراري عندما أخفي في قلبي شيئا، وبين جنباتها أبوح بكل ما في داخلي على أوراق تحفظها تلك الجدران”. لكن مجموعة الدببة، ومساحيق التجميل التي تنوء عن حملها طاولة تصفيف الشعر، فهي عالم آخر ترى فيه نفسها على حقيقتها - حسب وصفها -، “أحاور تلك الدببة وهذه المصففات، وقد لا أبالغ إن قلت أجد منها أحيانا الرد على تصرفاتي، وأتقبل النقد بصدر رحب، وإن كنت لا أتقبله من بقية أسرتي، لأنني أعتقد أن هذه المجسمات تعرف من هي سمية، وتصارحنى دون قسوة أو تفريط، عندها أشعر بحريتي، عكس الاختلاط في الغرفة فهو يعني عدم الاستقلال مما يحدث فوضى عارمة بسبب عدم الانسجام مع الطرف الآخر لا فكريا ولا في التصرفات”. حفظ للذكريات فيما تنظر رانيا (19 عاما) للغرفة أنها خزانة الذكريات، بحلوها ومرها، “أحفظ داخلها الهدايا التي تعيدني أحيانا إلى سنوات للوراء، فأعيش مرحلة الصحوة لأفند تصرفاتي، وما دمنا أمهات الغد فمن حقنا أن نعيد ترتيب أنفسنا حسب رؤيتنا”. خواطر مفضوحة وعلى نقيض حفظ الأسرار، تبدو غرفة ريم الخالد (15 عاما) مفضوحة الخواطر، فالجدران تفضح ميولها وأسرارها، فهي مليئة بصور الفنانات والفنانين،، حتى لاعبو الكرة، ملتصقون على جدران الغرفة؛ ما يوحي بأنها رياضية بالدرجة الأولى، ومتابعة للشأن الفني، “غرفتي مملكتي الخاصة أفعل بها ما أشاء دون تدخلات مزعجة من الآخرين, تعودت منذ صغري على غرفة خاصة بي، وهو ما يشكر عليه والداي اللذان احترما خصوصياتي”. ولا تتخيل ريم أن تستيقظ من نومها، لتجد نفسها بلا عالم خاص أو غرفة، فقد يحدث هذا الأمر شرخا في شخصيتها، وكذلك الحال بالنسبة للأخريات، اللاتي يقاسمنها نفس الهم والخواطر، “غرفتي لا تختلف عن غرفهن كثيرا، من واقع الزيارات المتبادلة التي تكشف لنا كل شيء”. فصل مطلق وفرض واقع التجربة على أم فارس (أرملة) الفصل بين بناتها السبع، بطريقة أو أخرى، حفاظا على الخصوصية المنشودة، “يعتقد بعض أولياء الأمور أن الفصل حكرا على الذكور والإناث، وهذا غير صحيح، ومن واقع تجربتي مع بناتي أيقنت بحاجة كل واحدة منهن إلى خصوصية مطلقة، فاضطررت لتوفير الغرف حفاظا على استقلاليتهن، وحصدت ثمار ما زرعت، إذ انعكس ذلك على شخصياتهن، وتعاملهن معي”. حفظ للعورات ويقف علي القحطاني (رب أسرة) في صف الآباء المتحضرين، لأن “حرمان الفتاة أو حتى الابن المراهق من خصوصيته في منزله، تولد إشكاليات لا طاقة لنا بها، خاصة في مرحلة المراهقة، التي تتكون عبرها شخصياتهم، فلو ضيقنا الخناق عليهم لخرجنا بمحصلة صفر؛ لذا علينا الانتباه لهذا الأمر، “فالهدي النبوي يحثنا على تخصيص غرف منفصلة للأبناء، خاصة في حالة المراهقة، لما في ذلك من حفظ عورات الأبناء (بنين وبنات)، وحماية لحريتهم الشخصية، كما أنها بداية لتكوين ما هو أعمق من حيث إبراز الشخصية وإبداعات كل مرحلة من مراحل النمو ابتداء بالطفولة إلى سن الشباب”. ويعتقد أن الغرف المنفصلة تقود البنت المراهقة للخلو بنفسها، والتفكير بعمق في العالم من حولها، ومن هنا تتشكل شخصيتها المستقبلية، ولا قيد أو شرط على ألوان الغرف المحببة للأبناء المراهقين، “أتذكر بأن أبنائي كانوا يطالبون بصبغ غرفهم بألوانهم الخاصة، فالأولاد يفضلون الأخضر والسماوي، فيما ابنتي مثل العديد من الفتيات حبذت اللون الزهري، وهنا وجدت نفسي مجبرا على تلبية رغباتهم، لكي يتمتعوا بخصوصياتهم ويعيشوا في غرفهم براحة تامة”. عالم المراهقين لكن القحطاني يعترف أن عالم المراهقين اليوم اختلف عن عالم الأمس، “أتذكر قبل عشر سنوات لم يفكر أحد في حاجة المراهقين لديكور وأثاث خاص بهم، وكان مظهر غرفهم لا يختلف عن ديكور غرف الأطفال إلا ببعض الملصقات على الحائط وملابس ومجلات ملقاة على الأرض، وفي السنوات القريبة عندما اتسعت أسواق الأثاث الخاصة بغير البالغين تطور العديد من الأفكار الخاصة باحتياجات الأطفال في غرفهم في مختلف أعمارهم، وانتقل ذلك إلى غرف الأبناء المراهقين البالغين فأصبحوا يتفننون في ديكورات غرفهم الخاصة وكل ذلك ينعكس على شخصياتهم”. فصل واجب ولا يتعجب أبو عمر من طلبات المراهقين المتكررة نحو الصرعات الحديثة والأشكال الغريبة، “قد يتمسك المراهق برأيه ويطلب صبغ غرفته بلون غريب قد لا يميل له الأهل أو يرونه غير مناسب, وقد يطلب سريرا كبيرا كسرير والديه, أو مصباحا غير تقليدي، وغير ذلك من الأمور التي يذهل أمامها الأهل، خصوصا مع تمسكهم بآرائهم وجديتهم في الموضوع؛ لذلك كان لا بد من مسايرة المراهقين في بعض مطالبهم التي لا ضرر منها، وكل عيبها أنها تساير أذواقهم ولا تروق للأهل”. واضطر أبو عمر بنفسه إلى التفريق بين الأبناء، “مررت بلحظات حرجة عندما أحسست بأن عمر وسلمى وصلا لمرحة تستوجب الفصل بينهما، وتمتع كل شخص بخصوصيته؛ ما دعاني للانتقال من المنزل القديم الضيق، واستئجار منزل أوسع غرفا، لا تقل عن خمسة، لتخصيص غرفتين للأبناء، وفور حجزهما صمماها وفق ما يتناسب مع شخصيتيهما”. المداهمات مرفوضة ويفضل أبوعمر أن يتنبه الآباء لخصوصيات الأبناء، بشكل أكبر، مراعاة للظروف التي يمر بها المراهقون والمراهقات، “الأمر لا يقتصر على استقلالية الأبناء في غرفهم، ولكن هنالك تبعات يجب التنبه لها، وهي طرق باب غرفة الابن أو الابنة قبل اقتحامها، فلا فائدة في خصوصية، يتبعها اقتحام بلا استئذان؛ لأن مداهمات الغرف تنعكس سلبيا على شخصية الأبناء، لأنهم في نظر الآباء متهمون دون إشعار آخر”.