شارف المخرج السوري نجدة أنزور على الانتهاء من تصوير مسلسله الجديد "سقف العالم" الذي يتوقع، لدى عرضه في رمضان المقبل، أن يثير جدلاً نظراً لحساسية الموضوع المطروح. يتناول المسلسل في ثلاثين حلقة مغامرة محفوفة بالمخاطر والمفاجآت قام بها الكاتب والشاعر أحمد بن فضلان جسد شخصيته قيس الشيخ نجيب الذي أوفده الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى بلاد الصقالبة البلغار الواقعة على ضفاف نهر الفولغا. وفي الطريق تصادف قافلته مستعمرة لرجال الشمال الذين يرغمونه على مرافقتهم، بناء على أوامر عرافتهم، في رحلة إلى بلاد الدانز الدانمارك حيث يعيش مع الشماليين، ويخوض معهم المعارك ضد قبائل الفاندالز أكلة لحوم الموتى ليخرج من هذه المغامرة بمخطوط ثمين ضاع الكثير من صفحاته ولم يبق منه إلا القليل الذي يتكئ عليه هذا العمل. المسلسل الذي كتبه حسن م. يوسف يعد بمثابة رد حضاري وفني على الإساءة التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نشر الصحافة الغربية، خصوصاً الدنماركية، رسومات كاريكاتورية له. هذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها أنزور قضايا ساخنة عبر الدراما، فقد تصدى لموضوع الإرهاب في مسلسليه السابقين"الحور العين"وپ"المارقون"... وهو في مسلسله الجديد الذي كلفت شركة"المها"التي يملكها المخرج موازنة عالية، يسعى إلى تغيير النظرة النمطية إلى الدراما بوصفها وسيلة للتسلية فحسب، فهو إلى جانب الاهتمام بهذا الجانب الفني المشوق يضمّن العمل مقولات فكرية وفلسفية بعيدة من المغالاة والتطرف بغرض تصحيح تلك الأفكار الخاطئة السائدة في الغرب تجاه العرب والمسلمين. المعادلة الصعبة يسعى المسلسل إلى تحقيق المعادلة الصعبة في رمضان. ويقول انزور:"طالما أن واقع الحال يشير إلى أن هذا الشهر اصبح محطة للتنافس الدرامي، فلماذا لا نستغل ذلك بحيث نقدم للمشاهد الفائدة والتسلية معاً؟ من هنا حاولت في هذا العمل الجمع بين هذين الهدفين". ويشير الى أن المسلسل"يوجه رسالة واضحة لمن أساء إلى الرسول الكريم، وذلك من خلال العودة عشرة قرون إلى الوراء، واستحضار حكاية ابن فضلان الذي ذهب إلى تلك الدول أي إلى سقف العالم، واستطاع أن ينقل معه الإرث الحضاري من العلم والفكر والفلسفة والأدب والدين. فقد كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية - آنذاك - أشبه ب"تفاحة يانعة أنضجتها شمس المعرفة فأصبحت عاصمة للعالم وخلاصة له". ومن زاوية أخرى فإن العمل، الذي صور معظم مشاهده في منطقة مشقيتا على الساحل السوري"هو رد فني على تخلف الصورة في الدراما العربية وتخلف الإنتاج والألاعيب والتسيب وتحويل الدراما إلى نوع من ال"فيديو كليب". ويتابع أنزور:"حاولت مع الكاتب حسن م. يوسف أن أبين للغرب حقيقة الشخص الذي تعرض للإساءة، واخترت ثلاثين مقولة قيلت في عظمة الرسول، تبدأ بالمهاتما غاندي وتنتهي بكارل ماركس، وأدرجتها في مستهل كل حلقة". ويؤكد ان"هذا الرد هو الأنسب"، معترضاً على"مسألة حرق السفارات أو مقاطعة البضائع الدنماركية،"فهذه الردود الانفعالية العاطفية لا تجدي نفعاً، كما أن الرد العربي الرسمي كان مخجلاً، بالتالي فإن عملاً ضخماً من هذا النوع قد يفيد في هذا السجال الحضاري، ونحن في أمس الحاجة إلى إعادة تصدير صورتنا الحقيقية للغرب". ومن دون الخوض في التفاصيل يقول:"الاشتغال على هذا العمل كشف لنا الكثير من الحقائق الخفية بشأن الرسومات. ففريق العمل الذي حصل على الفيزا بصعوبة، كان مراقباً لدى تصوير بعض المشاهد في الدنمارك"، معرباً عن اعتقاده بأن العمل"سيمنع عرضه في بعض الدول العربية. ويقول:"إذا كان الغرب يتمتع بقدر من الديموقراطية فإن العالم العربي يعاني غيابها المطلق، والمفارقة هي أنني لاحظت معرفة الغرب العميقة بمخطوط ابن فضلان القيم بينما يجهله العرب، على رغم أن هذا المخطوط يشكل الرد الأفضل على ما جرى لأنه يتحدث عن احتكاك إسلامي مباشر مع الدنماركيين تحديداً، وأضفنا إلى ذلك خطاً درامياً معاصراً وذلك عبر توليفة فنية مبتكرة". ويرى ان"الدراما قادرة على لعب دور في هذا السجال الحضاري على رغم تقصيرنا في هذا المجال على عكس الغرب الذي يصرف أموالاً طائلة على الفنون". وحول كيفية التغلب على الجانب التوثيقي يشيد انزور بمخطوط ابن فضلان الذي"يحوي وصفاً دقيقاً للشخصيات والأماكن وشكل البيوت والأزياء، كما أن ملامح الحياة في الدولة العباسية باتت معروفة، فضلا عن أنني استعنت بأحد أهم خبراء الإكسسوار ممن عمل في فيلم"قلب شجاع"لميل غيبسون، فهو خبير في المعارك ونوع الأسلحة وزي المحاربين وغيرها". دعم مادي المسلسل الذي سيعرض حصرياً على قنوات"إل بي سي"، والسورية، والليبية سيكون مترجماً إلى اللغة الإنكليزية، حرصاً على أن تتابعه الجاليات الأجنبية. وينفي أنزور مشاركة ليبيا في التمويل، واصفاً التقارير الصحافية التي أشارت إلى ذلك ب"المغرضة وغير الدقيقة"، فالقناة الليبية، مثلها مثل بعض القنوات الأخرى،"اشترت حقوق عرض المسلسل حصرياً بسعر متميز، وما صرف على العمل لم ينفق على النجوم وتذاكر السفر والإقامة بل صرف على النحو الذي يظهر فيه العمل على الشاشة تقنيات، إكسسوار، ديكور، أزياء، عدد الممثلين.... وحول الانتقال من الفانتازيا التاريخية إلى التعاطي مع قضايا مثيرة للجدل في أعماله يقول:"هذا الانتقال فرضته جملة من العوامل، فنحن نعيش في واقع معين، والفن مرآة لهذا الواقع، ولا بد للفنان من أن يملك مشروعاً". ويبدو انزور راضياً عن واقع الدراما السورية،"فعلى رغم كل محاولات التشويه تبقى الدراما السورية مميزة، ولكن قدرات الإنتاج تُسحب، شيئاً فشيئاً من أيدي السوريين. إذ ثمة شركات إنتاج غير سورية تضخ رؤوس أموال ضخمة لإنتاج أعمال لها أهداف شتى، ليس بينها رفع مستوى الدراما، والجهات الرسمية السورية لا تقدم أي دعم للفنان السوري، فهي غائبة تماماً، حتى النصوص التي نقدمها إلى الجهات المعنية بغرض الحصول على إذن للسماح بالتصوير، فإن هذه الجهات تتقاضى أموالاً عن هذه العملية، ومن يقرأون النصوص هم جهلة. نحن لا نطلب من الدولة أي دعم مادي لكن نطلب منها التسهيلات، لكن الدولة ما زالت تدير الفن كما تدير أي جمعية خيرية أو أي نقابة! وليست هناك أي خطة أو منهجية رسمية لتطويرها، حتى التكريم الذي ظهر في السنوات الأخيرة لا يخضع لأي معايير فنية دقيقة، على رغم أن هذه الدراما التي نجحت بجهود ومبادرات فردية أظهرت الوجه الحضاري والسياحي لسورية". ويوضح أنه لا يستطيع العمل مع من يفرض عليه شروطه، وپ"لا اعمل في السينما نتيجة بؤس الواقع السينمائي السوري على عكس التلفزيون، ومع ذلك أنا بصدد إنجاز فيلم سينمائي السنة المقبلة، ولكن ليس في إطار مؤسسة السينما السورية". وحول ظاهرة مشاركة الفنان السوري في الدراما المصرية علق انزور قائلاً:"من حق أي فنان أن يحقق طموحاته الفنية سواء في بلده أو في أي بلد آخر، ولكن ما نلاحظه إلى الآن هو أن الفنان السوري لم يقدم شيئاً مميزاً. حتى ظهور جمال سليمان في"حدائق الشيطان"لم يكن بالمستوى الذي ظهر فيه في أعمال سورية، إذ اعتقد بأنه كان يتسلى"، لافتاً إلى أن"لهذه الظاهرة غايات غير بريئة تتمثل في محاولة شركات الإنتاج المصرية إفراغ الساحة الدرامية السورية من الفنانين الموهوبين، ولكن ذلك لن يتحقق"!