رأس رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس آخر اجتماع لمجلس الوزراء، بعد فوز حزبه الكاسح في الانتخابات الاشتراعية التي أجريت الاحد الماضي، وأفضت الى التجديد له على رأس الحكومة لولاية من خمس سنوات. وسلّم اردوغان أول من امس استقالة حكومته الى رئيس الجمهورية احمد نجدت سيزر، في اجراء شكلي، إذ ينتظر ان يعهد اليه رئيس الدولة في الايام المقبلة، مهمة تشكيل حكومة جديدة. وفي هذه الاثناء، طلب سيزر من اردوغان تصريف الاعمال. ونال حزب العدالة والتنمية المنبثق من التيار الإسلامي 46.4 في المئة من الأصوات، بحسب النتائج غير النهائية، ليؤمن بذلك غالبية مطلقة مريحة في البرلمان، تمكنه من ان يحكم بمفرده. ويتوقع إعلان النتائج الرسمية غداً، كما أعلن رئيس اللجنة الانتخابية معمر ايدين. ومن المفترض ان ينعقد البرلمان بعد خمسة ايام, اي الثلثاء المقبل، لاداء النواب الجدد القسم، يتبع ذلك بعد ايام انتخاب رئيسه. وعلى رأس مهماته، سيكون انتخاب رئيس جديد للدولة على الأرجح في آب اغسطس او ايلول سبتمبر. وبفوزه في الانتخابات، يوجه حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية ضربة للمؤسسة العلمانية، بما في ذلك جنرالات الجيش، وتعزّز الآمال بارساء ديموقراطية أقوى في البلاد التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن يتحتم على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان التحرك بحذر بالغ في ما يتعلق بالقضايا المهمة للمعسكر العلماني، كهوية الرئيس التركي المقبل، والحظر المفروض على ارتداء الحجاب في الجامعات، والمصالح الحكومية. وتواجه أردوغان تحديات، بسبب الانتخابات الرئاسية المؤجلة، وأعمال العنف التي ينفذها انفصاليون أكراد، والمساعي المتعثرة لانقرة للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي. وعزز حزبه العدالة والتنمية نصيبه من الاصوات في الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم الاحد بحصوله على 47 في المئة على رغم جهود المعارضة لتصوير حزبه ذي الجذور الإسلامية والمؤيد لقطاع الأعمال على أنه حصان طروادة سيحول تركيا الى دولة دينية على النمط الإيراني. وكانت هذه النتيجة انتصاراً شخصياً لأردوغان الذي دعا الى انتخابات مبكرة بعد أن عرقلت النخبة العلمانية المدعومة من الجيش اختيار حليفه ذي الجذور الاسلامية وزير الخارجية عبدالله غل لتولي منصب رئيس الجمهورية. وستكون هذه أول قضية مثيرة للخلاف يناقشها البرلمان بعد أن ينعقد الاسبوع المقبل. وقال أردوغان في مؤتمر صحافي"سنحل هذه المسألة"الانتخابات الرئاسية"من دون أن نسبب توتراً." وسيبدو البرلمان مختلفاً للغاية الآن، بعدما حصل القوميون المتطرفون، وأكثر من 20 نائباً مستقلاً مؤيداً للأكراد، على مقاعد للمرة الأولى منذ سنوات. وقال ديفيد ميليباند وزير خارجية بريطانيا، أقوى حلفاء تركيا في الاتحاد الاوروبي:"من المهم للغاية أن نمد يدنا من أنحاء أوروبا للحكومة الجديدة في تركيا عندما تتشكل. فتركيا مستقرة وآمنة أمر في مصلحتنا". وهنأ ناطق باسم الخارجية الاميركية الشعب التركي على"الانتخابات الحرة والنزيهة". ويترقب الاتراك الآن ليروا ان كان ذلك سيتمخض عن تسوية في شأن اختيار رئيس ليحل محل الرئيس العلماني الذي انقضت فترة ولايته أحمد نجدت سيزر وهو من أشد المنتقدين لحزب العدالة والتنمية. ومن المتوقع أن يتبنى الحزب نهج الوسط مع دخول مزيد الليبراليين للبرلمان. ودخل البرلمان ايضاً حزبان علمانيان، هما حزب الشعب الجمهوري القومي، الذي حصل على 112 مقعداً، وحزب الحركة القومية اليميني الذي حصل على 71 مقعداً. وقال زعيم حزب الشعب دنيز بايكال امس ان حزبه لن يدعم مرشحاً غير علماني للرئاسة. وسيقاوم القوميون الاتراك منح مزيد من الحقوق للاقليات العرقية والدينية، وايضاً الإصلاحات الأخرى التي يريدها الاتحاد الاوروبي، وسيضغطون على اردوغان من اجل ارسال القوات الى شمال العراق، للقضاء على المتمردين الانفصاليين الاكراد الاتراك الذين يختبئون هناك. وشكلت مسألة انتخاب رئيس الدولة في البرلمان الصاعق الذي فجر الازمة السياسية في تركيا، عندما سعى اردوغان الى فرض مرشحه الى الرئاسة وزير الخارجية عبدالله غل. وللخروج من المأزق، دعا الى اجراء انتخابات مبكرة فيما كانت الانتخابات مرتقبة مبدئياً في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. ويعتقد العلمانيون أن أردوغان وغل يريدان اضعاف فصل الدولة عن الدين، وهي مزاعم ينفيها الرجلان. ولمح أردوغان الى أن حزبه قد يقترح من جديد غل على رغم أنه سيكون في حاجة الى مساندة الأحزاب الأخرى، على الأرجح المستقلين الموالين للاكراد، لتحقيق النصاب البالغ 367 عضواً. والاعتماد على دعم المستقلين الذين يسعون الى منح مزيد من الحقوق للاقلية الكردية الكبيرة في تركيا، قد يغضب الجيش الذي يقاتل المتمردين الانفصاليين الاكراد في جنوب شرقي تركيا. وقال متين هيبر عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة بيلكنت في أنقرة:"سيفقد الجيش مكانته عند الشعب اذا تحرك ضد حزب العدالة والتنمية، وهذه المكانة مهمة للغاية بالنسبة اليه". ولم تبد اسرائيل استياء من بقاء الاسلاميين في السلطة في تركيا، واعتبر الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز في مقابلة مع صحيفة"لو فيغارو"الفرنسية، أن اردوغان"وعد بمواصلة السياسة التي ينتهجها والتي ترجمت بعلاقات ممتازة بين اسرائيل وتركيا، وهي بلد منفتح ومتقدم".