هناك في بنغلادش ما يشبه سيناريو لإرباك الحياة السياسية، وذلك بتوجيه اتهامات باختلاس أموال والتهرب من دفع الضرائب والقتل الى رئيستي اكبر حزبين في البلاد، وهما: الشيخة حسينة واجد رئيسة"رابطة عوامي"ورئيسة مجلس الوزراء في الفترة ما بين 1996 و2001، وهي ابنة زعيم استقلال البلاد الشيخ مجيب الرحمن، الذي قُتل في انقلاب عسكري عام 1975. والبيغوم خالدة ضياء الرحمن زعيمة الحزب الوطني الذي أنشأه الجنرال ضياء الرحمن الذي حكم البلاد بعد الانقلاب العسكري في عام 1975، وكان عام 2006 هو العام الأخير من رئاسة السيدة خالدة مجلس الوزراء، بعد ان استقالت بحسب الدستور بعد اتمام ولايتها الرئاسية، ولاجراء انتخابات تشريعية تشرف عليها حكومة حيادية وليست حزبية - بحسب ما ينص الدستور أيضاً. كان"السيناريو"الذي ظهرت ملامحه الأولى في شهر نيسان ابريل الماضي يقضي، إضافة الى إرباك الحياة السياسية في البلاد، تمديد عمر الحكومة الموقتة التي يدعمها الجيش - وربما يوجهها - مقاليدها ? بذريعة ان من طالب بإيقاف او تعطيل الانتخابات التشريعية هو"رابطة عوامي"حين طلبت تغيير اللجنة التي كانت ستشرف على الانتخابات، لأنها اعتبرتها منحازة الى الحزب الوطني، وحين لم يستجب طلبها ملأت"رابطة عوامي"شوارع المدن الرئيسة في بنغلادش بالمتظاهرين الغاضبين الذين اصطدموا بمتظاهرين من الأطراف الأخرى، ثم بالشرطة وبرجال الجيش، الذين قمعوا التظاهرات ومنعوها، وتسبب ذلك كله بعشرات الضحايا من قتلى وجرحى، ومئات المعتقلين. وأعلنت بعد ذلك الاحكام العرفية وتم تكليف حكومة موقتة باشراف رئيس البلاد تاج الدين أحمد وبدعم وتوجيه قيادة الجيش. وتم تهديد الشيخة حسينة بالاعتقال في حال عودتها من زيارة الى واشنطن ولندن في نيسان الماضي، وأبلغت البيغوم خالدة تهديداً باعتقال نجليها طارق وعرفات ان لم تغادر البلاد في أقرب وقت ممكن. أما وقد عادت الشيخة حسينة الى البلاد، ولم تغادرها السيدة خالدة، وطال بقاء الحكومة الموقتة، وزادت المطالبة بعودة الحياة الديموقراطية، فإن تحريك الدعاوى ضد الزعيمتين يهدف الى توفير"أوكسجين"اضافي للحكومة الموقتة، ولتمديد سيطرة الجيش على توجيه الامور في البلاد من وراء الستار! ولإشغال الحياة السياسية"بفضائح"قد تكون حقيقية او"مفبركة". اندلعت التظاهرات من جديد بعد اعتقال الشيخة حسينة، واستدعاء البيغوم خالدة للمثول امام القضاء، لتبدأ اجراءات المقاضاة وتحضير المحامين ملفات الدفاع. سيناريو شبيه انه"السيناريو"نفسه الذي تم ترتيبه في باكستان بعد الانقلاب العسكري الذي رأسه الجنرال برويز مشرف، حيث وُجهت تهم الفساد الى رئيس الحكومة نواز شريف ووضع في الاقامة الجبرية ثم نفي الى المملكة العربية السعودية. ورفعت دعاوى بالفساد والرشوة على زوج السيدة بينظير بوتو التي ترأس حزب الشعب وسبق أن رأست الحكومة في باكستانمرات عدة. هُددت السيدة بوتو بالاعتقال المباشر ان هي عادت الى البلاد، كما حصل مع نواز شريف ان هو فكر في العودة ثانية الى البلاد. هكذا تم تأمين جبهة مطواعة في باكستان، اكثر انضباطاً واستجابة بعد غزو الولاياتالمتحدة الاميركية لأفغانستان في عام 2001 التي اعقبت احداث 11 ايلول سبتمبر من ذلك العام في الولاياتالمتحدة. وهكذا يتكرر شبيه"للسيناريو"الباكستاني في بنغلادش، تحت غطاء منع عودة مناكفات الاحزاب وصراعاتها التي قد تُعطل دورة الحياة والاقتصاد، أو لمنع زيادة حدة التطرف والمتطرفين في البلاد. هذا الوضع قد يُحتم على الجيش البنغالي ومن يدعمه إما إجراء انتخابات تشريعية في وقت لاحق، تفادياً لتظاهرات تطلب الديموقراطية، من دون وجود رأسي الصراع في البلاد بعد ادخالهما السجن، وإما استمرار تقاسم السلطة بين الجيش والحكومة الموقتة لزمن قد يطول. * كاتب فلسطيني