توقع بيتر باربيك، رئيس شركة "نستله"، أكبر شركة للمأكولات في العالم، في تصريح إلى صحيفة "فاينانشال تايمز"اللندنية"ان ترتفع أسعار الغذاء لفترة طويلة ومهمة بسبب زيادة الطلب في الصين والهند واستعمال المحصولات الزراعية لإنتاج الوقود". وأضاف باربيك ان ارتفاع أسعار الغذاء ليس ظاهرة مؤقتة، بل طويلة المدى، تعكس تغييرات أساسية في العرض والطلب العالميين."وسيكون لها تأثيرات بعيدة المدى على أسعار الغذاء". إن ظاهرة ارتفاع أسعار المأكولات تشبه التجربة التي مرت بها عملية ازدياد أسعار النفط في الفترة الأخيرة، إلى حد ما. إذ ان النمو المستدام في الصين والهند غيّرا ميزان الطلب والعرض العالميين للنفط الخام، ودفع بأسعاره إلى الأعلى. أما بالنسبة إلى ارتفاع أسعار المأكولات، فالمشكلة أكبر وأوسع. فإضافة إلى تحسن المستوى الاقتصادي والاجتماعي في هاتين الدولتين الكبيرتين، ونموهما الاقتصادي المستمر وانفتاحهما على التجارة والاستثمارات الدولية، ثمة مشكلة استخدام المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود، بدلا من الغذاء. وعلى رغم ان إنتاج الوقود من المحاصيل الزراعية ليس بالشيء الجديد، فقد بادرت إليه البرازيل منذ ثلاث عقود تقريباً، باستعمال قصب السكر لهذا الغرض. إلا ان مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء بدأت تتفاقم أخيراً مع إصرار الولاياتالمتحدة على إنتاج الوقود من نبات الذرة، ولأهمية الذرة في كثير من المأكولات الأساسية للبشر وأعلاف الحيوانات. ومن ثم فإن قلة المعروض أو الإمدادات منها، والتي يتم تحويلها الآن لإنتاج الوقود، نتيجة للدعم المالي الذي تقدمه الحكومة الأميركية لهذا الغرض بالذات، بدأ يؤثر على أسعار العديد من المواد الغذائية. يذكر انه في الأشهر الپ12 الأخيرة، ارتفعت أسعار الذرة نحو 60 في المئة والقمح نحو 50 في المئة، وكذلك أسعار الحليب والكاكاو. وشهدت بعض الدول أعلى ارتفاع في أسعار الغذاء خلال ثلاثة عقود. وأدى الاستعمال الواسع والمتزايد للإيثانول أخيراً إلى الظاهرة العالمية الحالية المتمثلة بغلاء أسعار المأكولات، إذ ان إنتاج هذا الوقود العضوي يحصل نتيجة تكرير نبات الذرة في الولاياتالمتحدة وقصب السكر في البرازيل. وبالفعل، يشكل الإيثانول اليوم نحو 10 في المئة من البنزين المستخدم في الولاياتالمتحدة، إذ يستخدم أساساً كوقود يضاف إلى البنزين التقليدي. ويتوقع ان تزداد هذه النسبة بشكل مضطرد مع مرور الوقت، وتساعد القوانين التي تُشرّع على استعمال الإيثانول، والأرباح التي يدرها على المزارعين على زيادة إنتاجه. وتتم الآن إضافته إلى البنزين التقليدي. ومن المعروف ان الولاياتالمتحدة تستهلك حاليا اكثر من 9 ملايين برميل من البنزين يوميا. ويشير"تقرير أوبك حول أحوال النفط في عام 2007"، الذي صدر أخيراً، إلى احتمال زيادة إنتاج مجمل الوقود غير التقليدي إلى نحو 10 ملايين برميل يوميا في عام 2030، مقارنة بنحو مليوني برميل يوميا في عام 2005. وكمثال على زيادة الاعتماد على الوقود غير التقليدي، أعلنت شركة"تويوتا"للسيارات في الأسبوع الماضي عن تشييد مصنع لإنتاج السيارات في البرازيل لكي تعمل السيارات الجديدة بخليط من الوقودين، الإيثانول والبنزين. وأشارت تويوتا إلى ان الموديلات الجديدة تلبي الحاجة الإقليمية وتمثل السيارات الأولى التي تستطيع ان تعمل بوقود الإيثانول العضوي بنسبة 100 في المئة. وتمثل السيارات التي تعمل بالإيثانول 80 في المئة من نسبة المركبات التي يتم بيعها حاليا بالأسواق البرازيلية، إذ يفضل السائقون في البرازيل الإيثانول الذي يصل سعره إلى نحو نصف سعر البنزين التقليدي. ووافق مجلس الشيوخ الأميركي أخيراً على مجموعة من قوانين الطاقة، منها زيادة إنتاج الإيثانول إلى 36 بليون غالون سنويا بحلول عام 2022، كما تشمل تحسين أداء السيارات بحيث تستعمل كمية اقل من البنزين، لكي لا يزيد استهلاكها على 35 ميلا للغالون بحلول عام 2020، والأسباب التي قدمت لدعم البرنامجين، هي تقليص الاعتماد على استيراد النفط الأجنبي، وبالذات النفط العربي، رغم ان النفوط العربية لا تشكل اكثر من 20 في المئة من مجمل النفوط التي تستوردها الولاياتالمتحدة من الخارج والتي تبلغ نحو 10 ملايين برميل يوميا في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى تحسين البيئة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة