كان من المفترض أن يبدو المشهد غير ذلك. وكان من الطبيعي أن تشهد مصر في هذا الوقت احتفالات وتقيم عروضاً خاصة تليق بمرور مئة عام على بدايات السينما المصرية. ولكن يبدو أن الاحتفالية فاجأت الجميع. هذا هو حال المشهد، صمت تام من جانب وزارة الثقافة المصرية والهيئات والنقابات الرسمية، على رغم تصريحات بعض مسؤولي وزارة الثقافة بأن هناك ترتيبات خاصة، وأن بقية أشهر السنة ستشهد مظاهر احتفالية مختلفة من عروض سينمائية وتأليف وترجمة كتب عن السينما المصرية، إلى آخر هذه المظاهر - والتي يشك الكثير من المتابعين في تحقق ولو جزء يسير منها ? السينما المصرية أتمت 100 عام في 21 من حزيران يونيو الماضي بحسب اتفاق عدد كبير من النقاد والمؤرخين لأن هذا التاريخ يتواكب مع عرض أول مواد فيلمية مصورة ومنتجة بأيد مصرية. وكان الفيلم عن افتتاح الخديوي عباس حلمي الثاني للمعهد الديني في ضاحية المرسي أبو العباس في الاسكندرية. وعلى رغم اتفاق نسبة كبيرة من المؤرخين على هذا التاريخ استناداً إلى الخبر الذي نشرته جريدة"الأهرام"حينها، إلا أن البعض راق له التشكيك في اليوم مؤكداً أنه إما قبل ذلك بشهر أو بعده بأشهر عدة. ويبدو أن وزارة الثقافة المصرية استكانت إلى هذا الوضع، وكأن هناك من منحها شماعة لتعلق عليها تجاهلها للحدث، الذي لم يلق التقدير الكافي مع أن مهرجان تاورمينا في إيطاليا احتفى بمئوية السينما المصرية وكرم العديد من الوجوه السينمائية والنقدية من مصر، وكذلك سيفعل مهرجان الجزائر للفيلم العربي والذي سيعقد احتفالية خاصة تليق بالسينما المصرية في نهاية تموز يوليو الجاري. حبر على ورق ومع هذا فإن وزارة الثقافة المصرية - وبحسب ما ذكر رئيس المجلس الأعلى للثقافة علي أبو شادي - تستعد للاحتفال ولن تتراجع. فالاحتفال قائم طوال العام، ولكننا لا نعرف حقيقة معنى أن يكون الاحتفال طوال العام. من دون أن يشهد يوم الحدث نفسه أي إشارة من قريب أو بعيد. بالتأكيد هذا أمر يثير الدهشة التي لا نستطيع أن نعبر عنها إلا بالمثل المصري الشعبي الذي يؤكد مضمونه"بعد العيد لا يفتل الكعك". ولكن يبدو أن وزارة الثقافة المصرية ترى عكس ذلك، إذ أكد أبو شادي أن الاحتفال بمئوية السينما سيكون احتفالاً تاريخياً يشارك فيه العديد من الجهات المعنية. وپ"سيشمل عروضاً سينمائية وترميماً لأفلامنا القديمة التي تعد من تراث السينما المصرية وإصدار الكتب والنشرات حول تاريخ السينما في مصر"، إضافة إلى"الاحتفالات المبهرة"التي"سيشعر بها كل المصريين وليس أهل النخبة والصفوة فقط". تناسى أو نسي أبو شادي أن لجنة السينما التابعة للمجلس الأعلى للثقافة سبق أن اجتمعت قبل عام كامل برئاسة الناقد السينمائي سمير فريد، وأعدت خطة الاحتفال بمئوية السينما المصرية، ووقتها طالبت اللجنة الوزارة برصد موازنة لا تقل عن مليون دولار أي ما يوازي ستة ملايين جنيه مصري، حتى يخرج الاحتفال بما يليق بتاريخ السينما المصرية. وتضمنت الخطة المطروحة حينها ضرورة مشاركة العديد من الوزارات والهيئات والنقابات الفنية. وأوصت اللجنة بأن يشمل الاحتفال إصدار 60 كتاباً عن المراجع الأساسية التي تحتاج إليها المكتبة العربية من ضمنها عشرة كتب تتناول الرسائل الجامعية التي ناقشت أحوال السينما المصرية، إضافة إلى ثلاثة كتب تضم قوائم الافلام المصرية وخمسة كتب مترجمة عن السينما المصرية. اقترح أيضاً كتتويج لذلك كله عرض 50 فيلماً من روائع السينما المصرية إلى جانب إقامة معرض للوثائق والفوتوغرافيا الخاصة بالأفلام التي انتجت على مدار تاريخ السينما المصرية وإنتاج ستة أفلام تسجيلية عن تاريخها. وعلى رغم حماسة وزير الثقافة المصري لذلك التصور حينها وتأكيده ضرورة تنفيذه، إلا أنه حتى هذه اللحظة ما زال حبراً على ورق فيما عدا أنه قام أخيراً بالموافقة على منح مؤسسة"كادر للوسائل السمعية والبصرية"دعماً لتمويل إنتاج أربعة كتب عن السينما المصرية. ويبدو أن بعض المقربين من الوزير أقنعوه بأن إقامة تحية للسينما المصرية خلال الدورة الماضية من المهرجان القومي، ووضع بعض المعدات السينمائية القديمة في ساحة الأوبرا المصرية، أمر كافٍ. وما يزيد من المفارقات أن يخرج الناقد السينمائي المخضرم أحمد الحضري مقرر لجنة السينما بتصريح في الصحافة المصرية يؤكد أن الاحتفالات ستتم بعد انتهاء إجازات الموسم الصيفي وهو أمر يصعب فهمه، إذ أن منطق الاشياء يقول العكس تماماً، فالمفترض ان يتم استغلال الاجازات الصيفية في إلقاء الضوء على السينما المصرية وتعريف الأجيال الشابة بها، خصوصاً أن معظمهم يجهلون تاريخها وروادها. ونحن ما زلنا في انتظار تصريحات أخرى، أو أضعف الإيمان احتفال صغير في دار الأوبرا المصرية يحظى بتغطية إعلامية كبيرة. حال السينما مهما يكن فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن بدايات السينما المصرية كانت مبشرة، بعدما عرفت مصر تلك الصناعة، أو الفن، الذي دخلها على أيدي الأجانب والشوام، وسرعان ما ظهر الانتاج الوطني المصري. وسارت السينما المصرية بخطى وثيقة، وكانت تحذو حذو هوليوود في الكثير من شأنها. وشهدت فترة الستينات تألق السينما المصرية وحضورها الكثيف في المهرجانات، وعلى رغم المئة عام وذلك التألق، إلا أن هذه السينما تتسم حالياً بالعديد من المفارقات الدرامية التي تخصها بمفردها، فلا نعرف مثلاً كيف يأتي العام المئة ونحن لا نملك الكثير من تراثنا السينمائي؟! أو إحصاءً دقيقاً بعدد الأفلام التي انتجتها السينما المصرية؟ فالأرقام المذكورة والمتداولة تتراوح ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف فيلم. لا نملك موسوعة واحدة يستطيع الناقد أو الباحث الاعتماد عليها هناك موسوعة للباحث محمود قاسم ما زالت تحتاج لقدر كبير من التدقيق. إضافة إلى وجود الأفلام التي تحلل بعضها أو أجزاء منها نظراً لسوء التخزين، خصوصاً بعد أن تعثر مشروع الأرشيف القومي للحفاظ على التراث منذ عشرين عاماً. والأهم أن تراث السينما المصرية ليس هو فقط الذي لم يعد ملكنا بل كل الأفلام التي تصور حالياً أصبحت تنتج برؤوس أموال أجنبية وتمتلكها كبريات الشركات الانتاجية بعدما تخلى المنتج المصري عن دوره، فلا يوجد منتج مصري يعمل بأمواله - بحسب تصريح الكثير من المخرجين والمتابعين - لذلك فأقل ما يوصف به حال السينما المصرية بعد العام المئة، هو العشوائية، فما معنى أن تكون هناك سينما تنتج وتقدم الانتاجات المختلفة والمتميزة منذ مئة عام وليس لها تراث أو حاضر وبالتالي مستقبل؟! ما معنى أننا عندما نتحدث عن، أو نذكر، السينما المصرية المتميزة ما زلنا نستشهد بأفلام الستينات والسبعينات وبعض أفلام الواقعية الجديدة؟ حال السينما المصرية أصبح مأسوياً، وفي حاجة إلى اهتمام من الدولة التي باتت منذ أكثر من 20 عاماً تتعامل مع السينما على أنها صناعة ثانوية الأهمية، في حين أن السينما في البلدان التي تقدرها تُعامل على أنها من الصناعات الثقيلة، مثلما كان يحدث سابقاً حين كانت السينما المصرية تمثل المصدر الثاني في الدخل بعد القطن المصري. قرارات تأخرت وللأسف جاءت قرارات وزير الثقافة المصري فاروق حسني متأخرة كثيراً سواء في إنشاء الأرشيف القومي للسينما، أو محاولة دعم بعض الأفلام المتميزة وهي التجربة التي يأمل كثر بأن تثمر عن شيء حقيقي ولكن التعثر والعراقيل الروتينية يبدو أنها قد تطيح بآمال وأحلام السينمائيين الحقيقيين. ولا نعرف اليوم هل بعد مئة عام سيظل مكتوباً على السينما المصرية العشوائية والتجارية، إلا في ما ندر من تجارب مهمة نشاهدها من حين لآخر، أم أن هناك أملاً في شباب السينما المستقلة؟ شخصيات في تاريخ السينما المصرية عرفت السينما المصرية طوال تاريخها عدداً من الشخصيات المؤثرة، أهمها المخرجة والمنتجة المتمردة بهيجة حافظ التي ولدت عام 1908 وتوفيت 1983 وقدمت للسينما المصرية أولى تجاربها الروائية بعنوان"ليلى البدوية"وهو عنوان النسخة المختفية والتي عرضت عام 1944 بدلاً من النسخة الأصلية"ليلى بنت الصحراء"، التي انتجتها وأخرجتها بهيجة قبل ذلك بسبع سنوات. عزيزة أمير: هي الرائدة الأولى في الحركة السينمائية بعد فترة قضتها في العمل المسرحي قدمت خلالها العديد من المسرحيات الناجحة مع يوسف وهبي، أسست شركة سينمائية باسم"إيزيس"قدمت من خلالها فيلمها الأول"ليلى"من إخراج استيفان روستي والذي عرض يوم الأربعاء 16/11/1927 في سينما متروبول. الأخوان لاما: قدما أولى تجاربهما في الاسكندرية، وهما بدر وإبراهيم لاما، شقيقان من أصل فلسطيني جاءا إلى الاسكندرية من شيلي إذ عاشا هناك مرحلة الطفولة وفي مصر انتجا أول فيلم بعنوان"قبلة في الصحراء" الذي عرض في 25 كانون الثاني يناير 1928. وداد عرفي: فنان تركي صاحب تجارب سينمائية لم تكتمل أو تعرض، وارتبط اسمه ببداية الحركة السينمائية في مصر، إذ حضر في أوائل 1926 كمندوب إحدى الشركات الأجنبية التي كانت ستقوم بإنتاج أفلام سينمائية، يبد أن هذه الأفلام لم تر النور. ولكن أثناء ذلك نشأت علاقة فنية بينه وبين عزيزة أمير، ثم اتصل بعد ذلك بالفنانة فاطمة رشدي وأخرج لها فيلم"تحت سماء مصر"، الذي لم يعرض، وپ"مأساة الحياة"، ومن بعده فيلم"الضحية"الذي لم يكتمل. توجو مزراحي: يعتبر رائد الأفلام الشعبية الأول وكان الجميع يشبهونه بالسينمائي الأميركي ماك سنيت، الذي كان متخصصاً في انتاج الأفلام الهزلية في حداثة السينما في أميركا. ولد توجو في الاسكندرية من عائلة إيطالية غنية وكان شغوفاً بالفن السابع وأسس شركة للانتاج السينمائي باسم"شركة الأفلام المصرية". وكان أول أعمالها فيلم"الكوكاين"الذي عرض في تموز يوليو 1930 وقام توجو ببطولته وإخراجه أمام الممثلة فاطمة شوقي وقدم فيلمه الثاني في آذار مارس 1932 بعنوان 5001. كما انه يعتبر، سينمائياً أبرز مكتشفي ليلى مراد ومحققي أفلامها الأولى.