"عندما أصبح كبيراً، اريد ان أكسب المال"، عبارة يقولها اليوم ولد دون الثانية عشرة بكل ثقة، بعد أن كان"يطمح"، قبل عشر سنوات، أن يصبح طبيباً او مدرساً او رائد فضاء... ولعلّ المسؤول عن هذه"النقلة النوعية أو الكمّية"المميزة في تفكير الصغار، هو الاعلان المتلفز الذي يدرّ بلايين الدولارات، فتحتّم تعديل تقنياته لكسب مزيد من الارباح، والتأثير مباشرة في الاولاد خلال مراحل نموهم، وفق ما اكد عالم النفس الاميركي آلين كانّير. فالأولاد دون الثامنة من عمرهم، يعتبرون ان مضمون الاعلانات المتلفزة صادق وحقيقي وخال من اي انحياز، ما يجعل منهم تربة خصبة لاستهلاك مستقبلي مفرط، انطلاقاً من شعور سائد بأنهم ادنى مستوى من سواهم من الاولاد، اذا لم يحصلوا على مجموعة واسعة من المنتجات الجديدة المعلن عنها. مستهلكون يافعون يتحول الطفل مستهلكاً محتملاً ما ان يبلغ الاشهر الستة، ويستطيع التفريق بين الاصناف المختلفة التي يقع عليها. ويمسي مخلصاً لصنف معين منذ عمر السنتين، من بين أكثر من 300 صنف إعلاني يميّز بينها، وفق مركز"الحلم الاميركي الجديد". فالاعلانات تطاول الاولاد اينما وُجدوا، على الطرق، في المنزل وحتى في المدرسة أو عبر الانترنت. وهي باتت قطاعاً تبلغ أرقامه 500 بليون دولار، وقلب كل التقنيات التقليدية للتسويق بهدف استدراج الاولاد مباشرة وتوريطهم. فالإعلان كان يتوجه قديماً الى الأم والأب ليشتريا المنتوج لولدهما بينما يتوجه اليوم مباشرة الى الولد الذي تحول مستهلكاً ناشطاً على كل الصعد. وتؤكّد رابطة الخدمات التربوية للمستهلكين في الولاياتالمتحدة، ان سنة 2001 وحدها، سجلت انفاق المراهقين، بين الثانية عشرة والتاسعة عشرة، مبلغ 172 بليون دولار سنوياً للشراء الاستهلاكي، اي ما يعادل 104 دولارات للمراهق في الأسبوع الواحد، وبارتفاع تجاوز 11 في المئة عن سنة 2000. وافادت دراسة"ماك نيل"الاميركية، في السنة نفسها، ان الاولاد دون الثانية عشرة ساهموا في الانفاق المنزلي بمبلغ 600 بليون دولار. ولفتت إلى ان القطاع الاعلاني المخصص للأولاد شهد ارتفاعاً غير مسبوق في نسبة انفاقه، بحيث انتقل من 100 مليون في 1990، الى بليونين في2000. وتكفي معرفة ان 30 ثانية اعلانية كان ثمنها 2.4 مليون دولار خلال ال"سوبر بول"،super bowl ، في الولاياتالمتحدة في 2002، لاكتشاف نسبة الارباح المرجوة من هذا القطاع. فدراسة ستراسبورغر في 2001، افادت ان الولد الاميركي يشاهد سنوياً ما لا يقل عن 40 الف اعلان تلفزيوني، ما يجعله حقلاً مؤاتياً للإنفاق المستقبلي بعد تأهيله نفسياً وذهنياً لهذه الغاية. وهذا قد يفسّر مثلاً ارتفاع نسبة السمنة المفرطة في صفوف الراشدين، بعدما كوّن الاعلان مفاهيم غذائية خاطئة، ترسخت في أذهانهم منذ الصغر، من اقتناعهم بأن اصناف ال"فاست فود"صحية، وبأن الرقاقات المشبعة بالدهون او الملونة بطعم الفاكهة هي افضل فطور على الاطلاق. توعية مبكرة الولد، اي ولد، يجد نفسه هدفاً سهلاً للإعلان الاستهلاكي، اينما كان. يرى شخصيات رسومه المتحركة المفضلة تأكل"الهمبرغر"، ينضم الى نوادي هذا النوع او ذاك من الرقائق،"يتبنى"دمية او حيواناً بلاستيكياً، فيحتفل بعيد مولدها أي الدمية ويشتري لها الثياب والالعاب والأصدقاء... وهو قبل سن السادسة او السابعة لا يميز بين الحقيقة والاعلان، بمعنى انه لا يفهم ان الهدف من الاعلان هو بيع المنتج. ويبرز هذا الميل في تفضيله دائماً الاعلان، والقصة القصيرة التي يقدمها، على اي برنامج تلفزيوني يبدو طويلاً، قياساً عليه. من هنا وجوب التوعية المبكرة على المضمون الاعلاني الاستهلاكي، كي لا يتحول الولد مستهلكاً غير مدرك لأهدافه. ويدخل في هذا الاطار وجوب لفت النظر الى"افخاخ"العبارات الاعلانية، من مثل: يؤكد الخبراء اي خبراء؟، او مذاق الفاكهة الطبيعية اي أن لا فاكهة طبيعية... وتجب التوعية على اسرار التسويق الهادف إلى جذب الاولاد الصغار، كاللجوء الى شخصيات الرسوم المتحركة، او ربط"الفاست فود"بهدايا من هذه الشخصيات، او برسوم على القمصان او"البوسترز"، فضلاً عن اقناع المراهقين بأن المنتج يجعلهم"كوول". تبقى اخيراً توعية الاولاد على قيمة المال وكيفية استعماله، اذ ان الاعلانات ترتكز على مبدأ توفير المال عبر الشراء، اذ غالباً ما تتم قراءة عبارة: توفير 15 في المئة في العبوة الواحدة، او حسم 20 في المئة على العلبتين معاً... من هنا، اهمية القوانين الاعلانية المفروضة في كندا مثلاً، إذ تتضمن 10 قواعد، ابرزها منع استعمال صفة"جديد"او"مبتكر"لمنتج عمره اكثر من سنة، ومنع تضخيم صفات المنتج، ومنع المعلن من الإيحاء بأن على المستهلك شراء منتجه، او ان شراءه يجعل الولد افضل من سواه. وتلزم القوانين بحصر الاعلان في كل شريحة عمر موجه اليها، وتمنع استعمال شخصيات الرسوم المتحركة المعروفة في اي اعلان، وتحول دون تكرار عرض الاعلان اكثر من مرة واحدة خلال نصف ساعة تلفزيونية.