لم تعد الطفرة الاقتصادية القياسية التي تسجّلها منطقة الخليج في السنوات الجارية، والتي أخذت منعطفاً تصاعدياً متسارعاً خلال السنتين الأخيرتين، تثير فقط فضول الدول الراغبة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إليها، بل باتت حافزاً لاستقطاب المواطنين الخليجيين، في ظل اتجاه عالمي لزيادة مساهمة قطاعات الخدمات والسياحة في الاقتصاد المحلي، فضلاً عن فرص نمو هائلة لقطاعات السياحة والسفر والطيران تتوقعها دراسات عالمية خلال السنوات المقبلة. وقررت تركيا، التي أعلنت شركة"إعمار"العقارية الإماراتية عن تطوير استثمارات فيها تتجاوز قيمتها 14 بليون دولار، توجيه بوصلتها السياحية نحو دول الخليج، رافعة شعار"الروابط التاريخية والعودة إلى الأصول العربية والإسلامية"، في حملة لا يخفى على أحد أن أهدافها اقتصادية بحت. وربما كان إعراض الاتحاد الأوروبي عن الرغبة التركية في الالتحاق به، أحد أبرز عوامل تغيير استراتيجية تركيا السياحية. ولا تقتصر الحملة التركية لاستقطاب السياح الخليجيين على دول الخليج أو المنطقة العربية عموماً، بل تأتي ضمن حملة عالمية للترويج لتركيا كوجهة سياحية ضمن خطة حكومية لزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، من نحو 10 في المئة حالياً إلى نحو 25 في المئة في عام 2020، وفقاً ل"هيئة السياحة التركية"، وفي ظل تقديرات شديدة التواضع لأعداد السياح الخليجيين التي تتراوح بين 450 و500 ألف زائر سنوياً، غالبيتهم من السعودية التي تحتل أهمية خاصة في تلك الحملة التسويقية، تليها الإمارات. وأوضح رئيس شركة"بيتا"للسياحة في حديث الى"الحياة"ان نصف مليون سائح خليجي وعربي"رقم متواضع جداً"إذا عرفنا أن تركيا تستقطب أكثر من 21 مليون سائح سنوياً، فضلاً عن كونها دولة سياحية من الدرجة الأولى، معروفة بثرائها بالمنتجات السياحية المتنوعة من جهة، ووجود الكثير من الروابط المشتركة مع العالمين العربي والإسلامي، من جهة ثانية. ووفقاً لتقديرات وزارة السياحة والثقافة تستهدف تركيا، من خلال حملتها التسويقية في المنطقة، زيادة نسبة السياح الخليجيين من نحو 3 في المئة من عدد القادمين إليها إلى أكثر من 7 في المئة على الأقل، خلال السنوات المقبلة، مع توقّع ارتفاع العدد الإجمالي للسياح القادمين إليها إلى حوالى 50 مليون سائح، وزيادة إيراداتها من القطاع من نحو 16 بليون دولار حالياً إلى أكثر من 40 بليوناً، وفقاً لخطتها الاستراتيجية لعام 2020. الفنادق التركية وبدأ العاملون في الفنادق التركية يتحدثون اللغة العربية استعداداً للحملة التسويقية، متحدين في ذلك التقاليد"الأتاتوركية"التي ألغت العربية واستبدلت أبجديتها بالأحرف اللاتينية، في وقت بدأت فيه المجموعات الفندقية العالمية الاستعداد للطفرة السياحية المرتقبة بتوسعات كبيرة، لا تقتصر على السوق التركية إنما تشمل أسواق المنطقة كلها. وأوضح مدير عام فندق"حياة ريجنسي اسطنبول"، جاك موراند، ان القنوات التلفزيونية العربية باتت متوافرة في فنادق المجموعة في تركيا، خصوصاً في المدن السياحية مثل اسطنبول وأنقره، كما بدأت المجموعة تشغيل موظفين يتحدثون اللغة العربية نظراً لكون الشعب التركي في عمومه لا يتحدث سوى اللغة التركية، ما يصعّب على السائح التواصل معه، فضلاً عن الاتفاق مع وكالات للسفر والسياحة لتوفير مرشدين سياحيين يتحدثون العربية. وبدأت المجموعة خطّة توسعات ضخمة تهدف إلى مواكبة النمو في أسواق المنطقة، تشمل افتتاح 27 فندقاً جديداً خلال عامي 2008 و2009، بينها 3 فنادق"بارك حياة"في اسطنبول ستفتتح رسمياً في السنة المقبلة، ورابع في جدّة في السعودية وخامس في القاهرة. واعتبر موراند التبادل السياحي بين تركيا ودول الخليج"أمراً ضرورياً"في ظل القواسم المشتركة الكثيرة بين الجانبين، مشيراً أيضاً إلى عوامل القرب الجغرافي وشبكة المواصلات القوية التي تربطها بدول المنطقة. في حين أكد مدير التسويق في الفندق، عمير يكير، ان وزارة السياحة والثقافة التركية تشترك في تلك الحملة مع"مجلس السياحة التركي"و"الخطوط الجوية التركية"ووكالات السفر والسياحة والفنادق لجعل تركيا"الوجهة السياحية الأولى للسائح العربي"، خصوصاً اسطنبول التي تضم مزارات سياحية كبيرة منها"آيا صوفيا"و"المسجد الأزرق"الذي يعتبر واحداً من أشهر 12 ألف مسجد تضمها المدينة، التي حملت أسماء عدة منها الأناضول والآستانة والقسطنطينية، فضلاً عن عشرات القصور التاريخية لسلاطين الدولة العثمانية. وأعلن المدير الإقليمي ل"الخطوط الجوية التركية"، تاركان أنيس، عن زيادة عدد الرحلات الجوية وتطوير كبير في طائرات الخطوط التركية ضمن خطّة موازية يُعمل عليها الآن. تجاوب خليجي وتشير التقديرات المبدئية إلى استجابة خليجية سريعة لتلك الحملة التسويقية، إذ زاد عدد السياح الخليجيين إلى تركيا إلى نحو 150 ألف سائح خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، بمتوسط نمو يقدّر بنحو 30 في المئة عن الفترة نفسها من السنة الماضية. وارتفع عدد السياح القطريين بنسبة 85 في المئة والإماراتيين 45 في المئة. وأكدت وزارة السياحة التركية أن افتتاح مكتب للترويج السياحي والثقافي في السعودية"لعب دوراً مهما في تحقيق تلك الطفرة السريعة في عدد السياح".