أمير تبوك يطلع على التقرير السنوي لمديرية الدفاع المدني بالمنطقة    صدور الموافقة السامية على تجديد عضوية اثنين من أعضاء هيئة المركز الوطني للوثائق والمحفوظات وتعيين عضو ثالث    سمو ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس إريتريا    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد فيضة أثقب بحائل    هيئة الصحفيين السعوديين بحاضرة الدمام تنظّم اللقاءً الرمضاني السنوي 1446    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ترسخ مبادئ التمكين الثقافي للمرأة السعودية    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    الاقتصاد السعودي ينمو بنسبة 1.3% في2024 ويحقق أعلى معدل نمو ربعي خلال عامين    مركز التأهيل الشامل بالبكيرية يقيم وجبة إفطار جماعي لذوي الإعاقة    الصحة تحذر من التلاعب بالإجازات المرضية وتؤكد العقوبات    المنطقة الشرقية تسجل أعلى معدل هطول للأمطار في المملكة ب 2.5 ملم    تجمع القصيم الصحي يطلق حملة "صم بصحة" لتعزيز الوعي الصحي خلال شهر رمضان المبارك    يوم العلم السعودي.. اعتزاز بالهوية وترسيخ للقيم    الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم في ترتيب الأكاديمية الوطنية للمخترعين الأمريكية    براحات الطائف التاريخية.. ساحات للرياضة والسياحة والترفيه    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل فلسطينيين اثنين في طولكرم    أجواء روحانية ومزيج من العادات الرمضانية يعيشها المقيمون في المملكة    أمين منطقة القصيم يفتتح مقر حملة جود القصيم    الاحتلال الإسرائيلي قتل 12316 في غزة.. نساء فلسطين يواجهن التهجير والتجويع    زيارات أوكرانية وروسية وأمريكية مرتقبة.. السعودية تحتضن حراكاً دبلوماسياً عالمياً لترسيخ السلام    الإدارة الجديدة تكبح الفلول وتبسط سيطرتها.. سوريا.. العمليات في الساحل تقترب من نهايتها    1340 حالة ضبط ممنوعات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    الدفاع المدني يوضح أرقام الطوارئ أثناء الأمطار    %95 يؤيدون أن تتضمن لوحة المفاتيح رمز الريال    الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    الاتفاق يعبر العروبة بثنائية    قطبا مدريد يخوضان ديربيين في سباقهما على اللقب    نادي الأخدود الرياضي يحتفي بيوم المرأة بشراكة مجتمعية    "حالة إشغال المصليات".. تقنية لخدمة قاصدي المسجد النبوي.. «نسك».. 8 ملايين خدمة للارتقاء بتجربة ضيوف الرحمن    في الجولة 25 من دوري" يلو".. الحزم يواجه الجبلين.. والبكيرية في اختبار الجندل    «سدايا» تعزز مشاركة السعوديات في مستقبل الذكاء الاصطناعي    أسعار الذهب تتراجع بشكل طفيف مع تحقق مكاسب أسبوعية    سباق أشباه الموصلات    «الزعيم» يختلف عن «السداسي»    كنو يمدد عقده مع الهلال    40 مبدعًا يمثلون المملكة في آيسف 2025    النجم الأزرق .. المصيف .. القارة والعلمين تصعد لدوري الدرجة الثالثة    تقنيات عالية لأنظمة الصوت بالحرم المكي    المملكة ترأس "وضع المرأة بالأمم المتحدة"    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تحصل على شهادة الريادة الذهبية في تصميم الطاقة والبيئة النظيفة LEED    الصيام الإلكتروني    الوداد من الحلم إلى الواقع استقرار اليتيم داخل أسرة    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    المرأة ومأزق المربع الأول    الدولة بين واجبات السياسة وفنون الإدارة 2/2    "حارة الأحمدي" تقيم أطول مائدة رمضانية في جازان من صنيع الأمهات    فلسفة الطير: حكمة العلوّ ورؤية ما لا يُرى    حين تربي طفلك فأنت تصنع مجتمعا    العلم شامخ والدعوة مفتوحة    الذكاء الاصطناعي يقتحم المطبخ    تقنية متطورة لاستئصال أورام الدماغ    كفاءة الإنفاق بالتعليم تلغي اللجان المركزية    في يومها العالمي.. المرأة السعودية تتقدم وتشارك بفعالية في بناء الوطن    Pressreader: السعودية الخيار الجذاب للدبلوماسية العالمية    أمير القصيم يشارك أبنائه الأيتام وذوي الإعاقة مأدبة الإفطار    الجامعة العربية تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع الأمنية في سوريا    صناعة المدير الجنرال    أمير منطقة جازان يشارك رجال الأمن في الميدان إفطارهم الرمضاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المريض ليس حقل تجارب وعلى الطبيب التواصل معه
نشر في الحياة يوم 31 - 05 - 2007

يطمح أحمد سويد 19 سنة الى ان يصبح طبيباًمتخصصاً بمعالجة داء الصرع لأنه يعرف تماماً شعور المصاب بهذا الداء، حين تباغته النوبة، ولا يحتاج إلى خياله لتصور وضع المصاب النفسي ويسهل عليه مساعدته، يقول:"أعاني من الصرع ولهذا اشعر بأنني قادر على مساعدة المصابين اكثر من سواي". ولا يختلف احمد عن سائر شباب جيله، لا شكلاً ولا في أسلوب العيش والنشاط. وهو طالب جامعي ويرتاد نادياً رياضياً ويمارس كرة القدم والسباحة.
إلاّ انه يرتاب من لحظة واحدة في حياته ويترقبها بحذر يتجلّى في نظرته، وهي لحظة إعلام المقربين منه بأنه مصاب بداء اسمه الصرع، او"الكهرباء في الرأس"، الاسم الأكثر شيوعاً."أخاف أن يعلم أصدقائي لئلاّ يبتعدوا مني"، يقر احمد. ويعلل خوفه بجهل المجتمع هذا الداء وتصديق الناس مفاهيم خاطئة حوله.
في الواقع، داء الصرع يتلخص بحدوث نوبتين او اكثر، تتكون من حركات لا إرادية يرافقها فقدان الوعي، أو لا يرافقها. وتنتج النوبات من شحنات كهربائية زائدة في الدماغ اما بفعل استعداد خلقي وراثي، وإما بسبب أذى سابق في الدماغ، كنقص الأوكسيجين او كدمة في الرأس او ورم دماغي.
ويروي احمد:"اتجنب استعمال مصطلح كهرباء في الدماغ، لكن حين الفظ كلمة صرع امام احدهم، يظنني مصروعاً اي"مجنوناً"، فاضطر الى شرح الأمر. فذات مرة، اردت إطلاع احد اصدقائي على الأمر، فوجدت نفسي مضطراً إلى ذكر كل التفاصيل وكل الأحاسيس التي تنتابني، وما يتوجب على الآخرين فعله لتدارك النوبة، فهم يحتاجون معرفة كل شيء ليتمكّنوا من المساعدة".
ومثل معظم المصابين بالصرع، لا تبدو على احمد أي إشارة الى إصابته بالداء، وبالتالي لا أحد في الجامعة يعلم بالأمر... هو يترقب تعرضه لنوبة خلال دوامه الجامعي، بخوف واضح من نبرة حديثه، ويتوقع رد الفعل:"لا يعرفون كيف يتعاملون مع الأمر، فيتحلّقون حولي يكبّلهم شعورهم بالتوتر والخوف… وبعضهم قد يظن أنني مجنون، وحين استفيق من النوبة سينهالون علي بوابل من الاسئلة التي حفظت أجوبتها عن ظهر قلب". صمت حزين كان يخترق حديثه، وهو يؤكّد:"سأتضايق كثيراً"، بينما كان يتذكّر يوم أصابته النوبة في المدرسة، فتوتر الأساتذة واستدعوا الإسعاف، ولم يكن الأمر يستدعي ذلك.
إرباك في التشخيص والعلاج
إذا كان احمد يشعر بارتباك المجتمع في التعاطي مع مرضى الصرع، فذوو بشار حسنية 13 سنة، وهو شاب آخر يعاني الداء ذاته، يشعرون بالإرباك، لكن من ناحية الأطباء، في التعاطي مع المصابين. وقد تولّد لدى والدة بشار شعور بأن الذين يعالجون ولدها يتعاطون معه وكأنه"حقل تجارب"لأدوية مختلفة، تزيد حالته سوءاً. ففي المرحلة الأولى من إصابة بشار، توالى على علاجه طبيبان، فشل الأول في تشخيص حالته، وعجز الثاني عن تحديد العلاج المناسب.
"في البداية، عشنا حالة رعب لظننا أن بشار يعاني من مرض مميت، اللوكيميا سرطان الدم او التالاسيميا"، تتذكر الوالدة بأسى. وبعد اكتشاف العائلة تعرضها ل"المتاجرة"على يد الطبيب الأول، لجأت الى الثاني الذي وصف لبشار دواءً اثر سلبياً في ذاكرته."تراجع اداؤه في المدرسة وساءت حالته النفسية. صار ينسى اغراضه، ويأخذ كل الأمور بسلبية خالصة"، وتؤكّد الوالدة أن اساتذته والمسؤولين عنه افتقدوا، خلال هذه الفترة،"بشار التلميذ الذكي والمبدع والسريع البديهة". واستمر على هذه الحال حتى راجعوا الطبيب بالعوارض الجانبية وتأثيرها المؤذي، فوصف لهم دواء آخر، معلقاً:"اذا لم يعجبكم هذا الدواء، سنحاول معالجته بآخر قد يناسب حالته"، تحكي الوالدة.
أما اليوم، فوجدت عائلة بشار المكان المناسب والأسلوب المثالي لمعالجة حالته في دائرة طب الأطفال في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، على يد رئيس الدائرة ومدير برنامج داء الصرع للبالغين والأطفال الدكتور محمد ميقاتي. ويعاون ميقاتي في العلاج، طبيبة نفسية ترافق المصاب أثناء مراحل علاجه."بعد لجوئنا الى مستشفى الجامعة الأميركية، وبعد تلقي بشار العلاج المناسب طبياً ونفسياً، اكتشفنا ان حالته أهون بكثير مما أوهمونا به، وبات هو اكثر اندفاعاً وايجابية"، تؤكد الوالدة.
العلة في انعدام التواصل
يعزو ميقاتي ما حصل لبشار الى انعدام التواصل بين المصاب بالداء وطبيبه. وهو يرى أن على الطبيب أن يشرح تفاصيل المرض للمصاب واسباب وصفه دواء معيناً، وما يتوقعه من نتائج، لأن مشكلة الصرع مزمنة والتجاوب مع العلاج يختلف بحسب حالة كل مصاب. فمنهم من يتجاوب مع أول دواء ومنهم مع الثاني ومنهم من يتجاوب، ولكن مع عوارض جانبية. وقد يحدث ألاّ يستجيب بعضهم ابدا. وبما ان الداء معقد وعلاجه معقد، وتحيط به هالة من الغموض والأفكار الخاطئة، قد يشعر المصاب بأنه عرضة للتجارب، او انه لا يعالج بالشكل الصحيح، اذا لم يشرح له الطبيب التفاصيل والأسباب والتوقعات.
ويشرح ميقاتي ان هذا الانطباع قد يولد لدى المصاب، حتى ولو كان الدواء الموصوف مناسباً، لأن عنصر التوعية الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من علاج الصرع، غائب.
ويلاحظ الشاب احمد ان غياب التوعية حول هذا الداء هو سبب الجهل بالتعاطي مع المصابين به، يقول:"قلة هم الذين يحسنون التعامل مع الصرع، ما يشعرني بأن هذا الداء غير مألوف في مجتمعنا". الا ان معلومات ميقاتي في هذا الأطار تشير الى ان عدد المصابين به في لبنان يلامس الثلاثين ألفاً. لكن المشكلة، كما يحددها، تكمن في نقص المعلومات لدى الأهل والمدارس وارباب العمل، لا سيما انه ارتبط تاريخياً بسلسلة من الأفكار الخاطئة، كأن يكون المصاب به مجنوناً او مسكوناً، ولذا تعمد العائلات الى التكتّم عن الأمر، وتعتبره سراً.
ويشير ميقاتي الى ان عمل الطبيب المعالج صعب جداً لأنه يتطلب وقتاً، ولأنه حين يكلم المصاب عن الداء،"يحارب أفكاراً خاطئة منتشرة بين الناس"، الا ان"المجتمع يصعِّب الأمور ويسيء الظن فيملأ رأس المصاب بالمفاهيم الخاطئة التي يحاول الطبيب استئصالها"، كما يقول. ولهذا السبب لا يوظف بعض الأطباء الوقت لتفسير كل ذلك للمصاب.
حملة توعية : المطلوب قليل من التفهم
لتغطية النقص في المعرفة حول داء الصرع، قامت"الهيئة اللبنانية لمكافحة داء الصرع"برئاسة البروفسور محمد ميقاتي، حملة توعية لمكافحة الداء، ابرز اهدافها مكافحة التمييز والمبالغة في حماية المصابين بالداء. وتوضيح ماهية الصرع وكيفية التعامل معه."كلما ازدادت المعرفة ازداد التعاطي بطبيعية مع المصابين"، يؤكد ميقاتي.
وتستمر الحملة سنة، وافتُتحت بمؤتمر صحافي، ومن نشاطاتها ندوات توعية في المدارس اشبه بورش عمل للتربويين لتزويدهم المعلومات التي تخولهم فهم وضع المصاب ومعاملته بالطريقة الأنسب. كذلك، تعرض الهيئة افلام فيديو وتوزع المنشورات والكتيبات التي تحوي تلك المعلومات، على وسائل الإعلام والمدارس الرسمية والخاصة.
وفي الاطار ذاته تسعى"الجمعية اللبنانية للعناية بمرض داء الصرع"الى دمج المصابين بالداء في المدارس وليس عزلهم في مدارس او صفوف خاصة. والتعاون جارٍ مع وزارة التربية في لبنان، التي اصدرت تعميماً الى المدارس لتشجيع هذا الدمج. وتوفر الجمعية المعلومات وتوزعها على المدارس الرسمية، باعتبارها ارشادات عامة للتعامل مع الطلاب المصابين بالداء.
وتنشئ الجمعية برامج تعليمية خاصة للمصابين بحالات صرع صعبة، الا ان"معظم المصابين بالصرع ليسوا في حاجة إلى تلك البرامج… فالمطلوب هو القليل من التفهم"، يقول ميقاتي.
ليس داء الصرع الوحيد الذي يواجه بالغموض والتعتيم والذي تنبت حوله المفاهيم الخاطئة التي يكرسها المجتمع، والأقاويل التي تنم بالدرجة الأولى عن الجهل… ولعل"الثلاثي"الذي تكلم عنه ميقاتي والمرتكز الى المعرفة أساساً، وتفهم المشكلة والمعاملة الايجابية الطبيعية بعد التعرض للنوبة، يلخص كيفية التعاطي مع المصاب من دون ان يحول اتخاذه الاحتياطات المناسبة لوضعه، دون تنعمه بالشروط التعليمية الملائمة او حصوله على الوظيفة المتناسبة وكفاءاته او الحياة الاجتماعية التي هي حق للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.