جميعنا سمع بطريقة أو بأخرى عن العلاج بالأوزون أو بالموسيقى، ولكن العلاج بالفضائيات هو جديد عالم التداوي. الصرعة السائدة في غالبية برامج الحوارات هي تضمين البرنامج فقرات ثابتة تستضيف طبيباً أو متخصصاً في العلاج الطبيعي أو التغذية ليدلو بدلوه في قضايا ومسائل تتعلق بمجال تخصصه. إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً، وإن كان بعضهم يعمد إلى الترويج إما لاسمه، وإما لمجاله بديلاً من مجالات أخرى، وأحياناً تكون نافذة إعلانية للترويج لمنتج بعينه في مجال التنحيف مثلاً أو البدائل الغذائية أو ما شابه... لكن اللافت هو انتشار ظاهرة تكليف طبيب أو متخصص ذي صلة بمجالات الصحة العامة والتغذية بمهمة تقديم برنامج أو فقرة في هذا الصدد. وتعتمد مثل هذه الفقرات على استقبال اتصالات هاتفية ورسائل بريدية وإلكترونية من مرضى يطرحون الأسئلة على الطبيب المذيع. فتسأل سيدة مثلاً عن أوجاع تنتابها في المنطقة المتاخمة للحجاب الحاجز، ويسألها الطبيب إن كانت هذه الآلام تصاحبها"وخزات"في الظهر أو ارتجاع في المريء، فتسهب في الإجابة شارحة كيف أن أوجاع الظهر هذه في المنطقة السفلية من العمود الفقري وليس في المكان الذي يسأل عنه الطبيب، وانها تلاحظ مسألة الارتجاع هذه في حال تناولها الملوخية أو البامية في وقت متأخر من اليوم. هنا يبدأ الطبيب في طرح التشخيص المحتمل، فهي إما تعاني انتفاخاً في القولون أو يشتبه في قرحة في المعدة. وعلى رغم أن بعض أولئك الأطباء، ضيوفاً أو مذيعين، يحبذون أن يبادر المتصل بزيارة الطبيب وجهاً لوجه، الا ان المشكلة الحقيقية تكمن في رد فعل المريض المتصل. فمعروف في مجتمعاتنا لجوء كثيرين إلى الصيدلي كبديل من الطبيب وسرد الأعراض المرضية له، ليقوم بدوره في صرف الدواء الذي يراه مناسباً لتلك الأعراض، هكذا من دون كشف أو مناظرة. والأدهى من ذلك أن نسبة كبيرة ممن يعملون في الصيدليات حالياً هم من خريجي كليات مثل الطب البيطري والزراعة والتجارة والعلوم... وعلى رغم أن تعاطي الأدوية من دون استشارة الطبيب المعالج مشكلة أكبر وأعمق من مجرد تبرع طبيب أو متخصص بتشخيص مرض ما من خلال شاشة التلفزيون، فإن الفقرات الطبية التي تعتمد على تلقي اتصالات اصحاب الأمراض والأوجاع يجب أن تراعي ظاهرة كتلك، ما يستدعي عدم الخوض في تشخيص المرض ونوعية الأدوية المطلوبة، وتكثيف التحذير من تناول أدوية من دون استشارة طبيب وجهاً لوجه وليس من خلال شاشة التلفزيون. إن خطر العلاج الطبي المتخصص من خلال شاشة التلفزيون لا يقل عن خطر الترويج للعلاج بالأعشاب غير المعروفة الآثار وغيرها من الوسائل التي بات كثير من الفضائيات يروج لها سواء بهدف الربح أو لأنها صرعة تلقى رواجاً واستجابة. فمهما كان الطبيب القابع في الاستوديو حاصلاً على شهادات تعليمية، ويحمل أطناناً من الخبرات الطبية وسنوات من الممارسة الحقيقية، تبقى علاجاته الفضائية في نهاية الأمر نابعة من خلال الاستماع لشكوى مرضية قد لا تكون دقيقة أو مغايرة للواقع الذي لا تكشفه سوى الأشعة والتحاليل ويد الطبيب المحنك بعيداً من"كاريزمته"التلفزيونية أو لباقته اللفظية أو حتى حلم طفولة لم يتحقق في أن يصبح مذيعاً وليس طبيباً.