لم تصمد الهدنة التي طالبت بها منظمة الصليب الأحمر الدولي لإجلاء ضحايا الاشتباكات بين تنظيم "فتح الاسلام" والجيش اللبناني في مخيم نهر البارد أمس أكثر من نصف ساعة اذ خرقها مسلحو التنظيم بهجوم على موقع الجيش اللبناني في العبدة على الطريق الدولية التي تربط محافظة الشمال بسورية. وكانت البعثة الدولية للصليب الأحمر توصلت الى تحقيق هدنة لمدة ساعتين، من الرابعة بعد ظهر أمس الى السادسة مساء لإجلاء القتلى والجرحى من المخيم الذين قالت مصادر متعددة ان عددهم بلغ 30 قتيلاً و90 جريحاً بينهم 11 قتيلاً مدنياً على الأقل. ورد الجيش على الاعتداء بقصف صاروخي متواصل ومركز على حي الصفوري عند المدخل الشمالي للمخيم واستهدف بناية"الكويسي"التي تحصن المسلحون فيها. واعتمد عناصر"فتح الإسلام"طريقة حرق الدواليب على طول مجرى نهر البارد لإثارة الدخان الأسود، في ما رجح الحاضرون أن يكون تكتيكاً لتنفيذ التفاف أو انسحاب من موقع والانتقال إلى موقع آخر. وكانت المعارك الدائرة منذ فجر أول من امس الأحد توقفت قليلاً خلال الليل، فشهد المخيم هدوءاً نسبياً مشط الجيش خلاله البساتين المحيطة بالمخيم. وفي السادسة صباحاً تجددت الاشتباكات مع هجوم شنه مسلحو"فتح الإسلام"على الموقع العسكري في العبدة فتصدى له الجيش ودارت اشتباكات صارت تتوقف وتستأنف مجدداً إلى أن اشتدت وتيرتها قرابة التاسعة والنصف على خط السكة الحديد وناحية شاطئ العبدة المواجه للموقع. ولم تخل الاشتباكات من عمليات كر وفر، أطبقت خلالها الوحدات التابعة للجيش الخناق على المخيم، ودارت المعارك في نقطتين رئيستين هما مدخلا المخيم الشمالي والجنوبي. ووضع الجيش المخيم بين"فكي كماشة"إذ طوقه لجهة الشرق وتمركز على التلال المحيطة في بلدة المحمرة وأوتوستراد المنية. وقصف الجيش أيضاً مواقع القناصين في مبنى السيد الذي بدا محترقاً بالكامل من التلة المشرفة على المخيم التي احتلها الصحافيون. ويقع المبنى على تخوم المخيم في ما يسمى منطقة المستوصف. وعلمت"الحياة"من مصادر داخل المخيم أن"المربع الأمني"أو قاعدة"صامد"التي يسيطر عليها المقاتلون شهد حركة نزوح في اتجاه الأحياء السكنية داخل أزقة المخيم. وتبين أن المسلحين يملكون سلاحاً ثقيلاً وقذائف صاروخية وراجمات وبي-7، فيما رأى مراقبون أن بنيتهم العسكرية الأساسية لم تتأثر كثيراً. وقالت مصادر في المخيم رفضت الكشف عن هويتها أن المقاتلين لم يقتصروا على النواة الأساسية لتنظيم"فتح الإسلام"الذين لا يتعد عددهم ال 150 عنصراً، وإنما شاركهم عناصر من تنظيمات إسلامية رديفة لپ"جند الشام"وپ"عصبة الأنصار"وپ"الصاعقة"، فيما قدمت مجموعات إسلامية اخرى كحزب التحرير وبعض أئمة المساجد بيئة حاضنة ودعماً لوجستياً لهم لأنهم"في نهاية المطاف أخوة في الجهاد". وتردد أيضاً ان 100 عنصر من"الجبهة الشعبية ? القيادة العامة"بزعامة أحمد جبريل شاركوا في القتال، وأنه منذ قرابة اسبوعين انضمت إليهم مجموعة من العراق بقيادة شخص يدعى محمد عبدالوهاب شاكر، ومجموعة اخرى من"حزب الله"التركي. وعلى ما يبدو فإن الفلسطينيين قلة قليلة بين عناصر التنظيم، ولا يتبوأون مناصب قيادية، فقائد الموقع العسكري حالياً هو شهاب قدورة المعروف ب"أبو هريرة"وهو من بلدة مشمش في قضاء عكار، وكان في تنظيم"عصبة الأنصار"في مخيم عين الحلوة قبل أن ينشق عنه، كما أن أحد قيادييهم في هذه المعارك هو غاندي السحمراني الملقب ب"أبو رامز". وكان أبو سليم طه المتحدث باسم التنظيم هدد بالرد"خارج طرابلس"اذا استمر قصف الجيش للمخيم. وقال:"الوضع بالنسبة الى المدنيين لا يحتمل. القصف يستهدف المنازل. أصابت القذائف مسجدين التجأ اليهما المدنيون كما سقطت اسقف المنازل على ساكنيها". وأضاف:"الجيش لا يستهدفنا فقط وانما يقوم بقصف عشوائي. اذا استمرت الحال كذلك سننقل المعركة إلى خارج طرابلس". وفي غضون ذلك عاش أبناء المخيم من المدنيين ظروفاً صعبة للغاية إذ بدأت تنفد لديهم المواد الغذائية، والطبية للعناية بالجرحى كما انقطعت عنهم المياه والكهرباء. وقال أحد السكان في اتصال هاتفي مع"الحياة":"لن نتمكن من الصمود أكثر من 24 ساعة. فليحسم الأمر وتنته هذه المأساة". وفي غياب أي ملاجئ يحتمي فيها 40 ألف لاجئ فلسطيني، محاصرون في كيلومترين من الأرض، صارت اروقة المنازل الداخلية والطوابق السفلية من المباني المتلاصقة ملاذا وحيداً للسكان لجأوا اليها من دون أن تكون بالضرورة ملاذاً آمناً.