تثير أوضاع اليد العاملة اليمنية ملفات شائكة بالنسبة الى صناع القرار في اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي نظراً إلى حساسيات سياسية أحياناً، والى قضية التأهيل والقدرة على المنافسة في سوق العمل الخليجية في معظم الأحيان. ومع أن اليمن انضم منذ بضع سنوات إلى مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس التعاون الخليجي، إلا أن تسهيل انتقال العمالة اليمنية يبدو بطيئاً إلى حد كبير. وأظهرت إحصاءات رسمية أن حجم اليد العاملة اليمنية في الدول الخليجية وصل قبل عام 1990 إلى أكثر من 1.3 مليون عامل، ساهموا إيجاباً في رفد الاقتصاد اليمني بمئات الملايين من الدولارات بلغت 1189 مليون دولار عام 1985 أي ما نسبته 24 في المئة من الناتج المحلي اليمني الإجمالي للعام ذاته. إلا أن حرب الخليج الثانية 1991، أثرت سلباً فجرى ترحيل نحو 800 ألف عامل من دول الخليج، ما انعكس سلباً على موقف الاقتصاد اليمني، وساهم في تفاقم حدة الاختلالات فيه. ومع ذلك لا يزال لليد العاملة اليمنية وجود مهم في الدول الخليجية خصوصاً منذ السنوات الأخيرة من عقد التسعينات. وأكدت الدراسات اليمنية أن سوق العمل اليمنية هي"أولية غير منظمة، لا تستجيب للتغييرات الهيكلية في سوق العمل، كما لا تتحدد فيها بدقة مؤشرات واضحة عن اتجاهات التخصصات العلمية والمهنية والتقنية ونوعيتها، التي يتطلبها القطاع الخاص ومجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة". واعتبر نائب المدير العام للإدارة الصناعية في"مجموعة هائل سعيد أنعم"شوقي أحمد هائل سعيد في دراسة عن"اليد العاملة والقطاع الخاص في اليمن"أن سوق العمل"تعاني من اختناقات عميقة وحادة تؤثر في مرونتها وقدرتها على الاستجابة للتغييرات الهيكلية في نمط الأعمال والوظائف، وفي نوعية المهارات والتخصصات الفنية والمهنية المطلوبة"، والتي عزاها إلى"عدم مواكبة النظام التعليمي لمتطلبات سوق العمل والوظائف الجديدة التي أحدثتها وتتطلبها التطورات التكنولوجية". ومن أسباب الاختناقات وجود فائض في بعض التخصصات الأدبية والإنسانية، خصوصاً في مجال الجغرافيا والدراسات الإسلامية والفلسفة والشريعة، وفي بعض التخصصات العلمية كالزراعة والفيزياء وعلوم الأرض والجيولوجيا، يضاف الى ذلك فائض في اليد العاملة غير الماهرة وشبه الماهرة". كما أجمعت الدراسات على أن دول مجلس التعاون الخليجي"تعاني نقصاً حاداً في الموارد البشرية إذ تعد الدول الخليجية باستثناء السعودية من الدول القليلة السكان. ويقدر عدد سكان الدول الست بنحو 28 مليون نسمة، ما فرض عليها استيراد اليد العاملة الأجنبية لتغطية احتياجاتها. في وقت يعاني اليمن زيادة في النمو السكاني، إذ قارب عدد سكانه 20 مليون نسمة ما يعني قدرته على المساهمة في سد الفجوة الخليجية بين قدراتها المالية الضخمة وقدراتها البشرية الضعيفة. ورأى الباحث الاقتصادي اليمني منصور البشيري أن اكتشاف النفط وتدفق عائداته خصوصاً منذ فورة الأسعار في سبعينات القرن الماضي"ساعد في انطلاق مسيرة التنمية والتطوير والتحديث". وقال:"كان استقدام اليد العاملة الأجنبية في ظل تعداد سكاني ضئيل للدول الخليجية خياراً مهماً، إذ ان التنمية تحتاج إلى يد عاملة كثيرة ومتنوعة التخصصات، لم تستطع المجتمعات الخليجية توفيرها، ما ساهم في زيادة أعداد اليد العاملة الوافدة حتى أصبحت تقدر بالملايين وتشكل النسبة العظمى من سكان معظم دول الخليج". وعدد الباحثون أسباباً تقف وراء استبعاد اليد العاملة اليمنية ومنها أن معظمها غير ماهر، وبالتالي فهي غير قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل الخليجية، خصوصاً بعد الانتهاء من إنشاء البنى التحتية في دول المجلس. يُضاف الى ذلك، أن الدول الخليجية باتت تعاني في الفترة الأخيرة من تزايد معدلات البطالة بين سكانها، ما دفعها إلى تبني سياسات احلال اليد العاملة الوطنية محل الوافدة. وعلى رغم ذلك، أكد الباحثون أن نسبة كبيرة من اليد العاملة في الاقتصادات الخليجية"غير ماهرة"، وتزيد نسبتها على 50 في المئة من مجموع تلك الوافدة. كما تتزايد أعداد اليد العاملة الوافدة خصوصاً من الدول الآسيوية سنة بعد أخرى على حساب اليد العاملة العربية. فعلى سبيل المثال زاد عدد العمال الهنود في دول الخليج من 247 ألفاً عام 1975 إلى نحو 3 ملايين عام 2000، أكبر جالية أجنبية في دول المجلس، أي ما نسبته 10.6 في المئة من مجموع سكان الدول الخليجية. وأكدت دورية"الصناعة"الصادرة عن جمعية الصناعيين اليمنيين في عددها الأخير أن"طرح موضوع المساهمة الخليجية في تشغيل اليد العاملة اليمنية داخل اليمن من خلال الاستثمارات الخليجية في اليمن، أمر جدير بالاهتمام ينبغي تفعيله من خلال إعداد البيئة الاستثمارية الملائمة وتهيئتها". وفي سياق تجدد الدعوات الخليجية إلى الاستفادة من اليد العاملة اليمنية دعا المشاركون في ندوة" تأهيل اليمن للاندماج في مجلس التعاون الخليجي"التي نظمها مركز الخليج للأبحاث في دبي إلى التفكير الجدي في قضية إحلال اليد العاملة اليمنية محل الأجنبية، نظراً الى أن النسبة الكبيرة من اليد العاملة الأجنبية العاملة في الخليج"غير مؤهلة وتمارس مهناً لا تحتاج إلى مهارات، وهذا ما ينطبق على اليد العاملة اليمنية". وأكد وكيل وزارة المال اليمنية لقطاع التخطيط والإحصاء والمتابعة علي محمد شاطر مثنى أن المرحلة المقبلة"تتطلب رؤية لشراكة تكاملية اقتصادية شاملة بما فيها توحيد سوق العمل بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، بهدف تنمية القواعد الإنتاجية على نحو يقود اقتصاداتها إلى مسارات النمو الحقيقي والمستدام". وأعلن وكيل وزارة المال في دراسة عن"واقع أسواق العمل اليمنية والخليجية ومستقبلها في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية"أن اليمن"يتميز بوفرة نسبية في الموارد البشرية، مقارنة بالموارد البشرية لدول الجوار وبأجور مخفوضة نسبياً مقارنة بأجر اليد العاملة العربية الأخرى والآسيوية العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي يمكن الفائض في اليد العاملة اليمنية أن يسد بعض حاجات سوق العمل الخليجية، مثل الزراعة والبناء والصناعة وغيرها من مختلف النشاطات الاقتصادية والخدمية". كما لفت الى أن اليمن"يرتبط مع دول المجلس ارتباطاً مصيرياً ويجتمع معه بعادات وتقاليد واحدة، وبالتالي لا يمكن أن تشكل اليد العاملة اليمنية خطراً على هيكل المجتمع الخليجي في حال بقائها لفترة طويلة أو حتى منحها الجنسية الخليجية وانصهارها في المجتمع الخليجي". ودعا إلى"وضع سياسات واستراتيجيات جديدة لدول المجلس الخليجي وبلورتها، تتركز أساساً في الحد من حجم الهجرة وخفض حجم اليد العاملة الآسيوية، وجعلها أكثر انتقائية ونوعية مما كانت عليه في السابق، بل واستبدالها باليد العاملة العربية لا سيما منها اليمنية. يُضاف الى ذلك التأني في الخطوات المستقبلية ودرسها في شكل جيد وجدي ". ورأى خبراء الاقتصاد اليمنيون أن مستقبل اليد العاملة اليمنية في الخليج"سيعتمد في شكل رئيس على القرار السياسي لدول المجلس وحاجة أسواقه، إضافة الى ما ستحققه الحكومة اليمنية في مجال تأهيل كوادرها لتكون قادرة على المنافسة".