يراهن الأردن على عنصر الشباب - الذي يشكل أكثر من نصف عدد سكانه - لكسر جمود الحياة السياسية مع بدء العد التنازلي للانتخابات البلدية والتشريعية. ويدرس رئيس الوزراء معروف البخيت إمكان إجراء تعديل محدود على فريقه الوزاري ليوحّد الصف ويلبّي مطالب مَلَكية بضمان سير الاقتراعين في أجواء شفافة ونزيهة مع الإسراع بتنفيذ استراتيجية شاملة للأمن المائي والطاقة والبنية التحتية. تحدّدت الانتخابات البلدية في السابع عشر من تموز يوليو المقبل والتشريعية أواخر العام في زمن تموج فيه المنطقة بمتغيرات استراتيجية تنذر بنسف الجغرافيا السياسية وخلخلة ركائز المجتمعات التقليدية. ويأتي تحرك رئيس الوزراء بعد أن حسم الملك عبدالله الثاني قبل أيام جدالاً في صفوف النخب الحاكمة بين أكثرية تؤيد رحيل حكومة البخيت قبل الانتخابات البلدية، بسبب جملة مآخذ مهنية اختلطت مع مواقف شخصية، وأقلية غير مقتنعة بوجود بدائل جاهزة تبرر التضحية بالرئيس الحالي. أحد المسؤولين أسرّ لپ"الحياة"أن الملك"طمأن الرئيس إلى أنه سيشرف على الانتخابات النيابية في تشرين الثاني نوفمبر، لكنه طلب منه أيضا تسريع وتيرة الحراك لإنجاز برامج استراتيجية متأخرة يحتاجها الأردن كركيزة للتنمية المستدامة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية". وبعد الانتهاء من موسم الانتخابات سيكون لكل حادث حديث. وأقوى حجّة سيقت ضد تغيير البخيت تتمثل، بحسب المسؤول نفسه، في أن كثرة تغيير الحكومات - كما حصل خلال السنوات السبع الماضية- قد ينعكس سلباً على مصداقية النظام السياسي. كما أن الصعوبات اليومية التي تواجه الحكومة بسبب تواصل التجاذب الخفّي بين الرئيس ومراكز صناعة قرار أخرى حول سرعة التنفيذ قد تستمر مع أي حكومة جديدة، خصوصاً في ميداني السياسة الخارجية والشأن الاقتصادي. فلم يعد مطلوبا اليوم، كما كان سابقاً، أن تلعب الحكومة دوراً كبيراً في تحديد السياسة الخارجية. اذ ان ملف الشؤون الخارجية في صميم عمل مجلس سياسات الدولة الذي يجتمع اسبوعياً في الديوان الملكي برئاسة الملك وعضوية أقطاب الحكم كافة بالتعاون والتنسيق مع دائرة الاستخبارات العامة، اللاعب الاقوى في الشؤون الداخلية والخارجية. د. البخيت، بحسب مقربين، يعمل بصمت لإثبات جدوى تعديل يطال بين ثلاث وأربع وزارات خدمية من بينها المعنية بالإصلاح السياسي والمجتمع المدني. بعد ذلك سيتوجه للملك طالباً ضوءاً أخضر للتعديل المنتظر على الأرجح بعد انتهاء الجلسة الاستثنائية والأخيرة لمجلس النواب في أيارمايو المقبل. فإذا لم يقتنع الملك بجدوى التعديل الثاني منذ كلّف البخيت في تشكيل حكومته في تشرين الثاني 2005، ستبقى الأمور على حالها. لكن أوساطاً سياسية تقر بأن رئيس الوزراء منزعج من بعض"الأصوات في فريقه تغني خارج السرب"في زمن يحتاج فيه إلى حشد الصفوف لمواجهة تحدي إجراء انتخابات حرة وحفز الشارع المحبط من بطء التغيير. وخير مثال على غياب التجانس، الإحراج الذي سبّبه للحكومة أخيراً وزير التنمية السياسية د. محمد العوران حين صرخ في مجلس الأعيان"إنها جريمة بحق الأردن"بعد أن أقرّ المجلس قانون أحزاب يشطب ثلثي الاحزاب ال 34 العاملة فور دخوله حيّز التنفيذ. هذا الأسبوع صرح العوران في حفل شبابي بأن دور وزارته أشبه بپ"اللغز". يبدو ان الوزير لم يعد قادراً على جسر الهوة بين موقفه السياسي كمعارض سابق والتزامه بقرارات مجلس الوزراء بعد أن انضم اليه خلال التعديل الإشكالي الأول قبل أربعة شهور. ذلك التعديل أضعف مفاصل الحكومة على الأرجح أكثر مما قوّاها، حسبما أسر به وزراء عاملون. بعض الوزراء أثبتوا أنهم"ليسوا على"قد الحمل"او أنهم لم يستوعبوا بعد ضرورة التحرك بسرعة لتحقيق انجازات ملموسة على أرض الواقع لإرضاء الشارع ووقف التشكيك بالخطاب الرسمي وبوعود الاصلاح"، بحسب أحدهم. الآن على د. البخيت، الأقرب الى يسار اليمين، أن يعمل بسرعة أكبر ومن دون تردد لإقناع المواطن بأن الحكومة صادقة في جهود تحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي بدلا من الإنشغال بمعارك جانبية أو السماح للمشكّكين بوضع العصي في دواليب حكومته. فتراجع الوضع المعيشي وبطء إنجاز برامج تنموية تحدّ من الفقر والبطالة سيلقيان بظلالهما على الانتخابات النيابية وسيفتحان الباب واسعا أمام المعارضة بقيادة"التيار الإسلامي"لمحاولة ملء الفراغ من خلال الاتكاء على عامل الدين في مجتمع تقليدي محافظ وعبر برامج موازية توفر دعماً مالياً مباشراً وغير مباشر مثل فرص تعليم وخدمات صحية للفئات الفقيرة والمحرومة. وسيكون خطاب محور التشدد أقرب إلى توجهات الشارع الأردني المحبط، خصوصاً لجهة خيار"المقاومة المسلحة"في زمن يشتد فيه العداء الشعبي لسياسات التقارب مع أميركا وإسرائيل إضافة إلى تدهور الوضع العراقي والجمود على جبهة السلام الفلسطينية -الإسرائيلية. ويصرّ البخيت في لقاءاته العامة والخاصة على أن الحكومة مقبلة على"فرصة ذهبية"لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وحث الغالبية الصامتة على المشاركة في الاقتراع بهدف تحجيم نفوذ الاسلاميين الذين يظلون القوة الأكثر تنظيماً وتأثيراً. وهو كالملك عبدالله، يراهن على دور الشباب."فعنصر الشباب مهم وحقيقة قد تحدث تغييرا"، بحسب أحد المقربين من الرئيس، في بلد يبلغ عدد ناخبيه 3 ملايين ناخب. الملك يأمل يوم الثلثاء أعرب عبدالله الثاني في كلمة توجيهية لهيئة شباب"كلّنا الأردن"عن الأمل في أن يكون"لكم دور مهم ومؤثر"في الانتخابات المقبلة. والحكومة تعد في تصريحاتها العلنية والخاصة بأنها ستعمل على حماية المواطنين من أشكال الضغط والتهديد والترغيب كشراء الأصوات وترحيل دفاتر العائلة من منطقة لأخرى وممارسة النفوذ العشائري بطريقة سلبية في مجتمع مغرق بالفردية، غير جاهز لتجاوز الأنماط التقليدية ومسكون بتجربة الحزبية المجهضة في الخمسينات. وستكون الانتخابات البلدية"بروفة"للتشريعية لجهة التحضيرات الادارية والأمنية وكشف أي تغيير في نبض الشارع على رغم من توقعات رسمية ومستقلة تفيد بأن شكل وهوى البرلمان القادم لن يتغير كثيراً عما هو عليه الآن بسبب طبيعة قانون الصوت الواحد الذي ستجرى بموجبه الانتخابات، بما يمكن الحكومة من ضمان ثلثي عدد الأصوات. والغالبية البرلمانية ستكون موالية ومحافظة كما في المجالس الثلاثة الماضية التي انتُخبت منذ اعتماد قانون الانتخاب الإشكالي 1993، وبالتالي تتعايش الحكومة مع معارضة موسمية بقيادة الإسلاميين. وفي أحسن الأحوال، قد يقر مجلس الوزراء بعد انتهاء الدورة البرلمانية نظام"كوتا"جديد للسيدات يرفع عدد المقاعد المخصص لهن من ستة إلى 12 شرط حصول المرشحة على أكبر عدد من الأصوات على مستوى محافظتها. ومن العوامل الأخرى التي ستحدّد أجواء الانتخابات موقف"جبهة العمل الإسلامي"من اللعبة الديموقراطية. فالحزب حسم موقفه من المشاركة في الانتخابات البلدية لكنه لم يحدد موقفه بعد من النيابية. وسيسعى الإسلاميون - بحسب القراءة الأولية - لمشاركة متواضعة نسبياً مع الحرص في الوقت ذاته على عدم التقليل من حجمهم وحضورهم في الشارع. وهذا التكتيك يطمئن المتخوفين من اكتساح"التيار الاسلامي"للانتخابات على غرار ساحات فلسطين والعراق ومصر. قبل أيام استعاد"الإسلاميون"السيطرة على نقابة الأطباء بعد غياب ست سنوات وقبل ذلك احتفظت الحركة بقيادة نقابة المحامين. جبهة العمل الإسلامي زكي بني أرشيد، أمين عام حزب"جبهة العمل الاسلامي"تحدث في مقابلة مع"الحياة"عن ثلاثة عوامل ستحدد قرار مشاركة التنظيم في الانتخابات النيابية: قانون انتخابات مؤقت يحقق عدالة أكبر، اشراف قضائي وضمانات بنزاهة عملية التصويت. وبحسب بني ارشيد، إذا كانت الانتخابات البلدية مختبراً للنيابية"فنحن حريصون على ارسال رسائل مطمئنة بأننا لا نسعى لاكتساح مقاعد مجلس النواب واحتكار التمثيل". ويستمر تباين الآراء داخل"الجبهة"بين من يرغب بالمشاركة في البرلمان ومن يطلب مقاطعة الاقتراع بسبب خلاقات رئيسة تتمثل في العلاقة مع مؤسسات الدولة. "الجدال الأساس يتعلق بطبيعة التعامل مع مؤسسات الدولة"بحسب بني ارشيد، الذي يصنف ضمن خانة المتشددين في حزب انقسم مكتبه السياسي بين مؤيد ورافض لترشيحه لهذا المنصب قبل عام بسبب علاقته القوية بپ"حماس". وبينما يصر اتجاه داخل"الإسلاميين"على تأسيس علاقة مبنية على قواعد جديدة مع السلطة تقوم على الشراكة السياسية الكاملة والمشاركة في عملية صنع القرار، ثمّة جناح يدعو الى التركيز على تحسين أداء"الجبهة"السياسي.