لخص شعار "ما بعد الاتصالات" أهداف الدورة العاشرة لقمة "عربكوم 2007"، التي استضافتها دبي أخيراً، وحضرها وزراء الاتصالات في 7 دول عربية. واعتُبِرت تأسيساً لمرحلة جديدة تزول الفواصل فيها بين أنواع شبكات الاتصالات بتقنياتها المختلفة. وكما اطلقت قبل سنوات عدة تقنية "أم بي ثري" MP3 ثورة في عالم الصوتيات والموسيقى، بدت"عربكوم 2007"وكأنها تؤسس لمرحلة مشابهة في أشرطة الفيديو الرقمية. فقد أظهرت القمة ميل شركات الاتصالات الى التشديد على تقنية"امبيج فور"MPEG-4، المصطلح الذي يختصر عبارة Moving Picture Expert Group، ويشير الى تقنية تُمكّن من ضغط ملفات المواد المرئية - المسموعة، ما يُسهّل عمليات تناقلها وبثها بالوسائط الرقمية. واكتُشفت تلك التقنية عام 1998. ويرجع تجدد الاهتمام بها الى ملاءمتها للبث التلفزيوني المُخصّص لأجهزة الخليوي. وفي"عربكوم"، شدّد خبراء التقنية الرقمية أيضاً على أهمية الاستمرار في تحرير قطاع الاتصالات وتطوير تشريعاته، كشرط للعبور إلى الجيل الحديث في الاتصالات الذي يعتمد"التشغيل الثلاثي للصوت والفيديو والبيانات"باعتباره ضرورة أيضاً للإنخراط في الاقتصاد الرقمي المرتكز الى المعرفة. وفي سياق الدمج بين الاتصالات والإعلام، برزت صورة لأجهزة محمولة باليد تستطيع جمع الأخبار من مصادر متعددة، وضمنها المقروءة والمسموعة والمرئية، وتصفّح الانترنت، واجراء الاتصالات بالصوت والصورة، وتبادل ملفات الوسائط المتعددة"ميلتي ميديا". وتستلزم تلك الأجهزة شبكات تعمل عبر تقنية"الموجة العريضة النطاق""برود باند" Broad Band. وخلال مشاركته في"عربكوم 2007"، أشار فادي بيهم مدير التشغيل الثلاثي في شركة"الفلك لتقنية المعلومات"إلى ان العالم العربي مُقبل على ثورة في مجال الاتصالات بفضل تقنية"امبيج فور"التي تُسرّع نقل الملفات الضخمة عبر بروتوكول الانترنت، ما يغيّر في علاقة الجمهور بتلك الشبكة. مهمات متبادلة وأجهزة مندمجة شدّد بيهم على تأخّر الدول العربية تقنياً، مُطالباً أياها بتبني التقنيات الأكثر حداثة. كما لَفَتَ إلى أهمية الاستثمار في البنية التحتية لقطاع الاتصالات عربياً، ما يُسرّع انتشار تلك التقنيات وخدماتها التي تشمل البث عبر الانترنت، والفيديو بحسب الطلب السينما المنزلية، والانترنت عالي السرعة، والصيرفة الالكترونية، والتسوّق الالكتروني، وسداد فواتير الخدمات وغيرهما. وأشار الى ان التقدم التقني يُمكّن راهناً من اجراء مكالمات هاتفية باستخدام التلفزيون تُظهر رقم المُتّصل، فيرد عليه المستخدم باستخدام الريموت كونترول! ولا يتطلب الأمر أكثر من توصيل التلفزيون بجهاز صغير يشبه"الديكودر"مُستقبِل البث الفضائي ويعرف باسم"سيت آب بوكس"Set Up Box، موصول بدوره الى خط انترنت عالي السرعة"دي اس ال"DSL. وكذلك يؤدي ربط الكومبيوتر بالتلفزيون والهاتف في خط موحّد الى تصفّح الانترنت عبر التلفزيون واستقبال البث الفضائي المتلفز عبر الحاسوب. وتفتح تلك الأمور المجال أمام دمج الأجهزة كافة في جهاز واحد. كما يتيح صنع بث تلفزيوني مُخصص للخليوي. ففي مثال لافت، تبث شركة"الاتصالات"الاماراتية تلفزيونياً عبر قناة تتضمن ست شبكات تلفزيونية "الجزيرة"وپ"العربية"وپ"سي ان بي سي"وپ"دبي"وپ"دبي الرياضية"وپ"بي بي سي العربية". وتعمل بتقنية"ديجيتال فيديو برودكاستنغ فور هاندهيلدز" Digital Video Broadcasting for Handhelds، واختصاراً"دي في بي- اتش"DVB-H. والمعلوم ان"دي في بي- اتش" تتنافس مع تقنية"ديجيتال ميلتي ميديا برودكاستنغ فور هاندهيلدز" Digital Multimedia Broadcasting for Handhelds ، واختصاراً"دي ام بي-اتش"DMB-H. وأعرب روبن ميرش الرئيس التنفيذي للعمليات في مؤسسة"دي اس ال فورم"DSL Forum العالمية، عن قناعته بأن المنطقة العربية تشهد نمواً هائلاً في استخدام الجيل الجديد من التقنيات. إذ تُشير احصاءات مؤسسته، التي تعتبر مرجعاً في تقنية"النطاق العريض"، الى ان انتشار تلك التقنية في المنطقة العام الماضي بلغ 38 في المئة، ما يفوق المُعدّل العالمي. وقدّر ميرش عدد مستخدمي خطوط الموجة العريضة عالمياً في نهاية 2006 بأكثر من 282 مليون خط منها نحو 1,1 مليون خط في المنطقة العربية. وذكر أن قطروالامارات والسعودية تتصدر دول المنطقة في"النطاق العريض"، الذي يُعرف أيضاً باسم"الانترنت السريعة". وأشار وزير الاتصالات اللبناني مروان حمادة الى أهمية تطوير تشريعات تواكب التطور في التقنية والاقتصاد. وأشار إلى قرب انجاز قوانين التجارة الالكترونية ومعاملاتها في لبنان. ولفت الى أن الأجواء السياسية المتوترة لم تمنع الحكومة من تطوير قطاع الاتصالات، إذ خفضت الرسوم فيه بنسب وصلت الى 60 في المئة. وعلى رغم ذلك زادت عائدات المخابرات الدولية، على سبيل المثال، بنسبة 115 في المئة في الشهر الأول لإجراء الخفض. وكذلك خُفضت رسوم الخطوط التأجيرية الدولية بنسبة 70 في المئة، وأُنشئ مركز لإدارة طيف الموجات الكهرومغناطيسية كافة ومراقبته. وكَشَفَ عن مشروع مُشترك بين وزارات عِدّة لمواجهة مشكلة قرصنة البرامج التلفزيونية الفضائية. ودعا حمادة دول الخليج الى الاستثمار في لبنان الذي يحافظ على حقوق الملكية الفكرية وحرياتها، على رغم التحديات السياسية الكثيرة. وأوضح أن لجنة متخصصة تدرس خفض كلفة التخابر المحلي على الشبكتين الثابتة والخليوية، اضافة الى إتاحة امكان التخابر الدولي المباشر على شبكة الهاتف الثابت للمشتركين جميعاً. كما اشار الى منح 5 تراخيص في مجال نقل المعلومات لشركات يملكها القطاع الخاص بالكامل، إضافة الى خفض رسوم الخطوط التأجيرية الرقمية الدولية بهدف اجتذاب الشركات الكبرى وتشجيعها على إنشاء فروعها الاقليمية في لبنان. وكذلك وَعَدَ باطلاق خطوط الانترنت السريعة في لبنان في مستقبل قريب. وأكد الوزير سلطان سعيد المنصوري، المسؤول عن تطوير القطاع الحكومي المشرف على ملف الاتصالات في الامارات أن المنطقة العربية تولي اهتماماً غير مسبوق بخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات، إدراكاً منها لدورهما المحوري في التنمية المستدامة. كما أكد أهمية تحرير القطاع، مشيراً إلى حرص الإمارات على توسيع مشاركة القطاع الخاص في الاتصالات الوطنية، ما جعلها تتصدر دول المنطقة في الاتصالات. وتشير أحدث التقديرات إلى أن نسبة الهواتف الخليوية في الامارات بلغت أكثر من 130 في المئة، فيما بلغت نسبة انتشار الانترنت أكثر من 60 في المئة، يستخدم أكثر من 34 في المئة منهم تقنية"النطاق العريض". وأعرب عن اعتقاده بأن تحرير قطاع الاتصالات ينعكس ايجابياً على بيئة الأعمال المحلية، وعلى حياة الأفراد من خلال تعزيز روح المنافسة والابتكار في مجال خدمات"القيمة المضافة"التي تجعل الاتصالات أسلوباً للحياة أكثر منها مجرد وسيلة للاتصال. وأشاد بالمستوى الرفيع للنقاش في قمم"عربكوم"المتوالية منذ عشرة أعوام، مشيراً الى سجلها في تفعيل العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص في مجال الاتصالات. الثورة الثانية: الاتصالات في قلب التنمية وأوضح المنصوري أيضاً ان التطورات التقنية أدت إلى ظهور موجة من التحالفات بين شركات الاتصالات العالمية الكبرى تهدف الى تجميع مصادرها في التكنولوجيا والأموال، واعادة هيكلة عملياتها، ما يحقق استفادتها القصوى من هذه السوق الهائلة. ويكفي القول ان عدد مستخدمي الخليوي عالمياً تجاوز 1.25 بليون مستخدم، لاعطاء فكرة عن ضخامة الرهانات المعقودة على الاتصالات المعاصرة. ولاحظ المنصوري ان قمة"عربكوم"توفر منصة لهذه التحالفات، مما يساهم في تعزيز أداء قطاع الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة والمنطقة. كما أكّد ان المنافسة بين شركة"دو"ومؤسسة"اتصالات" في دبي، من شأنها زيادة عدد مستخدمي الهاتف المحمول والانترنت. في سياق موازٍ، لاحظت كاتيا طيار رئيسة قمة"عربكوم"ان هذه المؤسسة لا تزال تؤدي دوراً ريادياً في دفع تنمية الاتصالات وتقريب المسافات بين صُنّاع القرار العرب والقطاع الخاص بشقيه الدولي والاقليمي. وكذلك تشكّل منبراً اقليمياً لردم الهوة في الحوار بين القطاعين الرسمي والخاص، ومساحة لتبادل الخبرات بين الدول المتقدمة والنامية. ولاحظت:"اصبحنا نشهد انتشاراً عميماً لخدمات الاتصالات في الوطن العربي، ولو أن نسب الانتشار ما زالت متفاوتة بين دولة وأخرى وفقاً لخصوصية كل دولة وقدرتها على تحقيق السرعة المطلوبة لنمو القطاع". وأشارت طيّار الى ان اختيار"عربكوم"مدينة دبي ليس مصادفة، بل وفقاً لإيمان عميق بما تمثله هذه الإمارة من موقع متميز على خريطة العالم الجديد. وقالت:"بفضل اعتماد دبي على تقنيات الاتصالات والمعلومات المتطورة كأداة في عملية التحوّل الى العالمية، تمكنت تلك الامارة من تبوء موقع بارز في ركب الاقتصاد العالمي الجديد". وقالت:"حملت الدورة العاشرة عنوان"الاتصالات: وماذا بعد"؟ ما يجسد رؤيتنا في تحقيق ضرورة قفزات سريعة نحو المستقبل... ان الثورة الثانية التي يشهدها العالم راهناً تبشر بالكثير من المتغيرات بأساليب الحياة اليومية والعملية والمهنية... في سياق تلك الثورة، تغدو الاتصالات، وبصورة مضطردة، العمود الفقري لمستقبل التبادل والاتصال والمعرفة لتصبح مؤشراً فعلياً على مدى تقدم الدول ونجاحها، اللذين يُقاسان راهناً بعدد مستخدمي الانترنت وشبكات الاتصالات". وأشارت الى ان المستقبل القريب قد يحمل انقلاباً آخر:"فلم يعد ثمة مكان للأساليب الكلاسيكية في العمل والتواصل والتبادل، إذا أرادت الدول تلبية شروط الاقتصاد العالمي الجديد". وأكدت طيار أن"عربكوم"تسعى أيضاً الى تقريب المواقف العربية في قضايا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بما يدعم الموقف العربي التفاوضي مع المنظمات العالمية في شبكات لاتصالات والانترنت. ورأت أن ذلك يساعد العرب في محاولة انتزاع حقوقهم التقنية في ردم الهوة التكنولوجية مع الدول المتقدمة وتعريب الانترنت. ولفتت الى أن التقنيين العرب لا يزالون في حاجة ماسة إلى المزيد من توحيد الجهود وتنسيقها. وفي سياق متصل، أشار عثمان سلطان الرئيس التنفيذي لشركة"الإمارات للاتصالات المتكاملة""دو"، إلى تجربة مؤسسته في السوق الإماراتية. ولاحظ أن التقدم السريع في تقنيات الاتصالات، مثل الانتقال من تكنولوجيا الجيل الأول والثاني إلى الثالث ثم بزوغ أفق الجيل الرابع للخليوي، يمثّل تحدياً كبيراً أمام شركات الاتصالات التي تهدف إلى إرضاء العميل مع ضرورة مراعاتها العديد من الأبعاد المالية والمؤسسية والاجتماعية. وأضاف:"أن شركات الاتصالات ارتقت بمستويات المنافسة من تقديم خدمة الاتصالات إلى توسيع التطبيقات التي تساعد العميل على الانتقال بمكتبه وأشيائه إلى أي مكان... فمن خلال الاندماج بين الاتصالات والإعلام، يوفر الهاتف النقال الآن للعميل المستندات التي يعمل على إنجازها من أي مكان، إلى جانب الترفيه". وأوضح أن شركة"دو"تسعى الى تقديم آفاق جديدة لهذا الإندماج واتاحة تطبيقات وحلول مبهرة لعملائها. وأوضح المدير التنفيذي لإدارة وتنمية الاستثمارات الدولية في"اتصالات"الاماراتية سعيد الهاملي، أن استثمارات المؤسسة الخارجية تشهد تطوراً ملحوظاً، وتسجل نجاحات على صعيد انتشار الخدمات واستقطاب أعداد متزايدة من المشتركين. وأشار إلى أن أسواق الاتصالات العالمية تحفل بإمكانات غير محدودة للتوسع والتطور المحتمل، وتعمل"اتصالات"على متابعة الفرص المتاحة بالشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأوروبا. ووظفت استثمارات كبيرة في 14 دولة في إفريقيا وآسيا، شملت 32 مليون مشترك، بينهم 6 ملايين في شركة"موبايلي السعودية"، وعملت الشركة على إضافة أكثر من 15 خدمة عام 2006 كما قدمت خدمات"بلاك بيري"للأعمال والأفراد في المملكة. وحول أعمال المؤسسة في الإمارات، كشف نائب رئيس"اتصالات"أحمد بن علي عن تجاوز الشركة عدد المشتركين رقم الخمسة ملايين ونصف المليون مشترك في خدمات الهاتف النقال. وأكد وصول متوسط الانتشار في مجال الهاتف النقال الى 135 في المئة، ما يعكس واقع الطفرة المستدامة التي يعيشها قطاع الاتصالات. كما كشف بن علي ان"اتصالات"تجري المزيد من المفاوضات لإضافة قنوات تلفزيونية جديدة لمشتركي خدمة"وياك"التي تتيح لمشتركيها حالياً مشاهدة 12 قناة تلفزيونية متنوعة بين الرياضة والأخبار والتسيلة.