اندهشت الأسرة وهي ترى احد أبنائها المراهقين عائداً إلى البيت وليس في رأسه ما يشير إلى أنه كان به شعر، فجأة هكذا ومن دون مقدمات، وقبل أن تترجم الأم علامات الاستفهام الواضحة في عينيها إلى اسئلة، فاجأها الصبي بأنه اشترى ايضاً مجموعة من الملابس الرثة وكأنه من سكان الأحياء الفقيرة. لم تتمالك الأم نفسها وسألته: "هل أنت ذاهب إلى حفلة تنكرية؟" فأجابها:"لا بل سأذهب لأمضي السهرة مع رفاقي بملابسي الجديدة". ومن يمر على تجمعات الشباب في ساحات جنيف وميادينها، يفاجأ بطيف غريب من الملابس وتسريحات الشعر. مراهقون يحاولون تقليد مغنيي الراب أو لاعبي كرة السلة، وفتيات يسعين لأن تكون كل واحدة منهن نسخة مكررة من مغنية أو فتاة استعراض. وتقول الباحثة سابينا موللر إن الإعجاب بالمشاهير حالة لا تقتصر على الشباب فقط، بل تطاول كل فئات المجتمع تقريباً مع اختلاف الأسباب،"فالشباب ومن هم في مقتبل العمر يبحثون لدى المشاهير عن المثال الناجح، وبالنسبة إليهم فإن هذا المغني أو تلك الممثلة أو الرياضي هم أمثلة حية على النجاح، متمثلا في الحصول على المال في أسرع وقت والتمتع بالشهرة، من دون النظر إلى المضمون الذي يقدمه هؤلاء". وتعتقد موللر بأن هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين الإعجاب والهوس،"فالإعجاب يكون مبنياً على العقلانية في اختيار المثل الأعلى، الذي يتخذ منه الشباب العبر والدروس في الصبر والتغلب على الصعاب للوصول إلى النجاح ويكون عادة في مجالات وظيفية رفيعة". وتضرب الباحثة التربوية العديد من الأمثلة بمن كانوا سابقاً يقرأون السير الذاتية للمشاهير ويقتدون بهم. وتستطرد:"بل لم يكن مستهجناً في السابق أن ترى شابة تحاكي اليزابيث تايلور في قصة شعرها أو آخر يرتدي ملابس تشبه تلك التي يستعملها دين مارتين". أما الآن فما نشاهده هو"الهوس أي الإنسياق الأعمى وراء المشاهير حتى وإن أتوا بتصرفات غبية، بل إن غالبيتهم ليس لها أثر ملموس في المجال الذي تعمل فيه". ومن مخاطر هذا الهوس بحسب موللر أن الشاب أو الفتاة يفقد شخصيته تماماً أمام هذا المثل، فيحاكيه في كل شيء حتى أن هناك بعض حالات لشباب يريدون إجراء عمليات تجميل للإقتراب من شكل هذا المثل الأعلى، وهو مرض يطلق عليه المتخصصون"Celebrity Worship Syndrome"أو"عارض تبجيل المشاهير". والفرق بين إعجاب الأمس وهوس اليوم جاء بحسب خبراء التربية في سويسرا لأن المرحلة الراهنة هي نتيجة حتمية لفترة التمرد على كل الأخلاقيات في مطلع السبعينات من القرن الماضي. وتزامن ذلك مع تراجع المؤسسة التربوية عن دورها واهتمامها بالعلوم التطبيقية. ويؤكد التربويون أن هذه السياسة خاطئة تماماً، لأن الطفل وحتى فترة المراهقة يحتاج دائماً إلى التوجيه والإرشاد، وإذا لم يحصل عليه من المدرسة أو البيت، فسيحصل عليه من الإعلام الذي يبحث عن كل ما هو غريب ويضخمه بهدف دفع الشباب إلى الاستهلاك. فالمجلات الشبابية لا تذكر المشكلات التي يعاني منها"النجوم"ولا يضعون معايير نجومية، سوى امتلاك السيارات الفارهة والإقامة في الفنادق الباهظة وتهافت المعجبين والمعجبات. لكن دور البيت تقلص أيضاً، فغالبية الأسر الأوروبية مفككة إما بسبب انفصال الأبوين أو تزايد ابناء خارج إطار الزوجية. الأخطر في ظاهرة التمسك بهذه النماذج هي أنها اليوم سطحية لأن غالبية النجوم يختفون بعد فترة قصيرة مثل الفقاعات، ولكنهم يتركون آثاراً سلبية في النفوس مثل الاستهتار أو الإدمان. ففي دراسة أنجزتها جامعة فريبورغ السويسرية منذ بضعة أسابيع, تبين أن 16 في المئة فقط من الشباب في وسط أوروبا هم الذين يتعلقون بمثلهم الأعلى طيلة فترة المراهقة. اما النسبة المتبقية فتتقلب في أمزجتها: يكون القدوة مغن أو موسيقي أو رياضي، أي من يصنع منه الإعلام"معجزة العصر"، ثم يختفي بفعل الإعلام أيضاً بعد أن يتم استهلاكه، ليدفع بنجم جديد إلى الساحة بخليط غريب من السلوكيات والملابس، فتتحول معه تطلعات الشباب ويقلدونه في كل شيء. في المقابل كانت نسبة الشباب المتلهفين لأخبار الشخصيات البارزة في الخمسينات تصل إلى 50 في المئة، ويعزو الخبراء هذا إلى أن تلك الشخصيات البارزة كانت ذات عطاء متواصل في المجالات الثقافية والفكرية والعلمية آنذاك، فتابع المعجبون انتاجهما، وتأثروا بفلسفتهما وأفكارهما. بعض أولياء الأمور الواعين يطالبون الإعلام عبر رسائل القراء بالإبتعاد عن"إعلام العولمة الذي يروج للاستهلاك ولا يسعى لغرس القيم النبيلة"، ويطالبون بأن يقوم الإعلام بدور في إدانة تصرفات المشاهير وسلوكهم اذا ارتكبوا فعلاً فاضحاً أو أمراً مشيناً مثل الإدمان أو التعالي على القانون، وليس فقط ذكر أخبارهم من دون التعليق عليها، لأن عدم التعليق يعني أن الحدث عادي، ومقبول لأنه جاء من شخصية مشهورة. بل يطالب البعض عقلاء مشاهير اليوم إلى لعب دور إيجابي في معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية لدى الشباب. فقد نشرت الصحف السويسرية أخيراً العديد من رسائل القراء التي تطالب مشاهير لاعبي كرة القدم بحض المشجعين على عدم إثارة الشغب في الملاعب، وذلك إما عبر الإعلانات أو من خلال الأحاديث الصحافية. وفي رسالة أحد المدرسين إلى لاعب التنس الأول في العالم السويسري روجيه فيدرر، طلب منه أن يحل ضيفاً لبضع دقائق في مدرسته ليحض التلاميذ على المذاكرة والتحصيل، لأن التلاميذ لا حديث لهم سوى انتصاراته المتواصلة. ولكن هل ستصل الرسالة الى فيدرر؟ وإن وصلت فهل سيقتطع من وقته الثمين دقائق لزيارة تلاميذ تلك القرية؟