سرت - رويترز - طوال أشهر كان المقاتلون الذين أطاحوا الديكتاتور المخلوع معمر القذافي يتحرقون شوقاً للمعركة، للسيطرة على مسقط رأسه سرت ويخشونها في الوقت ذاته. وبعد قرابة أسبوعين من القتال المرير، تبين السبب في هذا بوضوح. وسيمثل سقوط هذا الجيب الساحلي دفعة استراتيجية ومعنوية كبيرة لحكّام البلاد الجدد في وقت يحاولون القضاء على الجيوب التي يسيطر عليها الموالون للقذافي، وقد يشجع استسلام بني وليد، وهي المعقل الرئيسي الآخر المتبقي. لكن المقاتلين يواجهون عدواً في مأزق ويشعر باليأس يعلم كيف يستغل تضاريس الحضر ولا تزال أجزاء من المدينة وفقاً للعديد من الروايات مليئة بالمدنيين المرعوبين المحاصرين وسط إطلاق النار المتبادل. وتعني هذه التركيبة أنه سيكون على المتمردين السابقين الموازنة بين قتال طويل سيعطل كل جهودهم للحكم وانتصار مخضب بالدماء سيفاقم الإنقسامات المناطقية ويحرج الحكومة وداعميها الخارجيين. وقال الباحث في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن شاشانك جوشي: «ستتم السيطرة على سرت في نهاية المطاف، لكن السؤال هو ما الثمن الذي سيتكبده المدنيون وسمعة المتمردين الدولية». ورأى أن «أكبر تحد يواجهونه هو أن سرت موقع حضري محمي جيداً وهذا واحد من أصعب التحديات في الحرب الحديثة». وصد الموالون للقذافي المتحصنون داخل المدينة بالفعل هجومين كبيرين شنتهما قوات تابعة للمجلس الانتقالي بالاستعانة بالقناصة وباستخدام الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية. وقتل ما يزيد على 50 من مقاتلي المجلس وأصيب أكثر من 460 على الجبهة الغربية للمدينة منذ بدأت كتائب من مدينة مصراتة الساحلية التقدم نحو سرت منتصف الشهر الجاري وفقاً لسجلات في المستشفى الميداني التابع للمجلس. وتم صد محاولة توغل وحيدة حتى وسط المدينة مدعومة بغارات حلف شمال الأطلسي الجوية، مما اضطر قوات المجلس إلى الخروج من المدينة التي كان عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة قبل تفجر القتال. وكثيرون من مقاتلي المجلس مسلحون جيداً، لكن هذا لم يكن كافياً لاجتثاث أعدائهم. ويقول مسؤولون مناوئون للقذافي إن بعض الموالين الأشداء للزعيم المخلوع تقهقروا إلى سرت حين انتشر التمرد. ويعتقد أن بينهم المعتصم ابن القذافي، وهو ضابط في الجيش. وفي ما يبدو لم يستطع مقاتلو المجلس الذين لم تحصل إلا قلة منهم على تدريب عسكري جيد الحفاظ على مكاسبهم التي يفقدونها حين يحل الظلام. وقال جوشي: «هجوم مشترك لأسلحة عدة بقوات مدربة جيداً سيفي بالغرض، لكن هذا التوصيف لا يتوافر لدى المتمردين». وأضاف أن «المدن فيها مواقع دفاعية عدة وتحصينات وعقبات في وجه المدرعات. وفي سرت يعقد هذا كله التركيبة القبلية للمدينة». ويؤكد قادة من المجلس أن التأخر في السيطرة على سرت لا يرجع إلى أي عجز عسكري وإنما إلى أنهم يحاولون إتاحة الفرصة للمدنيين لإخلاء المدينة. وقال التهامي أبو زين، وهو قائد كتيبة كان يقف قرب الجبهة الأسبوع الماضي، إن مقاتلي المجلس ليسوا في عجلة للدخول وإن أهم شيء هو تفادي سفك دماء المدنيين. وخرج الآلاف من سكان سرت إلى خارج المدينة منذ بدء القتال وتحدثوا عن نقص الغذاء والمياه والكهرباء والسلع الأساسية في الداخل، وهي تقارير أثارت قلق المنظمات الإنسانية. وسلامة المدنيين قضية حساسة لحكومة ليبيا الجديدة التي يرجع جزء كبير من نجاحها في الوصول إلى الحكم إلى حملة حلف شمال الأطلسي التي تتم بموجب تفويض من الأممالمتحدة لحماية المدنيين. ومن المستحيل معرفة عدد القتلى الذين سقطوا من سكان سرت خلال الحملة، لكن إلقاء اللائمة في سقوط عدد كبير من القتلى على المتمردين السابقين قد يزيد الشكوك في قدرة المجلس على السيطرة على الكتائب التي تخضع لقيادته ويحرج حلفاءه الغربيين ويولد ضغائن في المنطقة. ونتيجة للقلق من هذه المخاطر، أكد ضباط أن أولويتهم هي إنقاذ أرواح المدنيين باستخدام دباباتهم وقذائف المورتر وغيرها من الأسلحة الثقيلة ضد أهداف عسكرية مختارة وحسب. وفي ظل محاصرة قوات المجلس لسرت من ثلاث جهات ووجود البحر المتوسط في الجهة الرابعة، فإن بوسع مقاتلي المجلس الانتظار إلى أن ينفد الوقود والماء والطعام من قوات القذافي أو أن يحاولوا التفاوض مع شيوخ القبائل في المدينة للوصول إلى حل. لكن الانتظار الطويل له مشاكله. وتقع سرت في منتصف المسافة تقريباً بين العاصمة طرابلس وبنغازي في الشرق على الطريق السريع الساحلي الرئيس في ليبيا، وهي فعليا تقسم البلاد إلى نصفين، مما يعقد النقل والتجارة بين الجانبين. كما يحتاج المجلس أيضاً الى إخضاع المدينة لسيطرته حتى يعلن «تحرر» البلاد رسمياً والاضطلاع بمهمة معقدة هي تشكيل حكومة موقتة جديدة والمضي قدماً في إجراء الانتخابات العامة. وكلما طال الانتظار ستضعف صدقية المجلس بين الكثير من الفصائل المسلحة المتباينة التي تتنافس على النفوذ العسكري والسياسي. ويأمل المقاتلون أن تكون السيطرة على سرت القرية النائية التي كانت تعيش على الصيد وحولها القذافي إلى مدينة حديثة، كافية لتشجيع المعاقل الأخرى على الاستسلام. وقال يونس ترجمون، وهو مقاتل من مصراتة على مشارف سرت: «المجموعة المحيطة بالقذافي تعتقد أن سرت قوية. متى تسقط يكون كل شيء انتهى». لكن حتى إذا حدث هذا، فمن المؤكد أن السيطرة على سرت سيكون لها ثمن. وإذا نجح مقاتلو المجلس في السيطرة على المدينة بسقوط مزيد من القتلى والجرحى من جانبهم، فإن معظم أجزاء المدينة تضررت من جراء الحصار، ومسؤولية إعادة بنائها تقع على عاتق حكّام ليبيا الجدد. وتطالب مدن مثل الزنتان في الجبل الغربي ومصراتة بمساعدات لإعادة الإعمار وتقول إن المعاناة التي تكبدتها خلال الصراع تجعل من حقها الحصول على حصة كبيرة. ولم يتضح بعد المعيار الذي سيستخدمه القادة الجدد لإصلاح المباني العامة والمدارس والبنية التحتية، خصوصاً حين يكون الضرر وقع بنيران أسلحة المتمردين السابقين.