قمة التضامن العربي التي اختتمت امس هي، نسبياً، احدى أنجح القمم العربية، خصوصاً اذا ما قيس بيانها الختامي وقراراتها بحجم التحديات والجروح النازفة التي يعاني منها العالم العربي، وهي كثيرة وحادة بعضها مزمن كالقضية الفلسطينية وبعضها احدث عهداً، ولكن ليس أقل نزفاً وخطورة كالعراق. لقد نجحت القمة لما تخللها من منطق عقلاني وروح تضامنية يؤمل ان يستمرا حتى القمة المقبلة التي تقرر ان تستضيفها دمشق، وفي القمم اللاحقة. ونجحت القمة لأن جهوداً واجتماعات عربية بذلت وعقدت قبلها وعلى هامشها ادت الى تنقية الاجواء بين اطراف عربية مهمة. ولولا اتفاق مكة الذي تم برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بين حركتي"فتح"و"حماس"لما تراجع شبح الاقتتال الداخلي ولما توصل الفلسطينيون الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي تمكنهم الآن من مخاطبة المجتمع الدولي بصوت موحد في ما يتعلق بالصراع مع اسرائيل. وكان تفعيل المبادرة العربية وطرحها على المجتمع الدولي واسرائيل كخطة سلام متكاملة سيصبح صعباً لولا قبول حكومة الوحدة الوطنية بقرارات القمم العربية. وخلال القمة، تمكنت السعودية وسورية من ازالة سوء التفاهم الذي عكر لفترة صفو العلاقات بينهما من خلال لقاء المصالحة والمصارحة بين الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد. ورغم ان سياسة المحاور تقسم الصف العربي احياناً تقسيماً سلبياً، الا أن مكانة بعض الدول العربية وحجم نفوذها وقدراتها الفاعلة واتفاقها على اولويات الامن القومي والمصالح العربية العليا ترشحها تلقائياً لقيادة العمل العربي المشترك والتنسيق معاً. والامر الذي يفترض ان يحرس هذا العمل المشترك الآن هو الاقتناع الذي اتضح في قمة الرياض، والذي عبر عنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته الافتتاحية، بضرورة عدم السماح لقوى من خارج المنطقة بأن ترسم مستقبلها، و"عندها لن يرتفع على ارض العرب سوى علم العروبة". وقد شخص العاهل السعودي في خطابه الافتتاحي القضايا التي تؤرق الأمة العربية:"فلسطين الجريحة"التي يعاني شعبها من الحصار الظالم المفروض عليه والذي ما زال يسعى الى اقامة دولته المستقلة، و"العراق الحبيب"الذي تراق فيه الدماء بين الاخوة"في ظل احتلال اجنبي غير مشروع"، ولبنان"الذي كان يضرب به المثل في التعايش والازدهار"يقف"مشلولاً عن الحركة"، والسودان المعرض لمخاطر التدخل الخارجي في شؤونه، والصومال حيث"لا تكاد حرب اهلية تنتهي حتى تبدأ اخرى". وكان لافتاً ان الرئيس العراقي جلال طالباني اكد عروبة العراق وأقر، للمرة الاولى، بأن ما سمي سابقاً"تحرير العراق"قد"تحول الى احتلال"مع"نتائج وخيمة"على البلاد. ولكن لا مفر من الاشارة الى ان سوابق الاستعانة بالاجنبي على"الداخل"، حتى لو كان في الداخل نظام حكم استبدادي قهري، انما يفتح شهية الاجنبي، خصوصاً اذا تجسد في الولاياتالمتحدة التي دخلت العراق لا لتحريره، فهو لم يكن محتلاً، وانما لتقسيمه وإضعافه والسيطرة على ثروته النفطية الهائلة وإغناء اصحاب شركات مثل"هاليبرتون"يعرف الرئيس طالباني من هم. انها قمة ناجحة بقراراتها وبيانها الختامي واستعادتها قدراً معقولاً جداً من التضامن العربي واهدائها المجتمع الدولي خطة سلام لو قبلت بها اسرائيل فلربما صار من الممكن ان يتمتع الشرق الاوسط وشعوبه بالسلام والاستقرار. ولكن اليقين المحقق هو ان اسرائيل رفضت المبادرة العربية بملء الفم متذرعة بأن الفقرة الواردة فيها عن حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً بالاتفاق وفقاً لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194 تشكل خطراً على"الدولة اليهودية". بهذا الموقف الرافض للسلام تضع اسرائيل مستقبلها، كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لصحيفة"ديلي تلغراف"البريطانية، لا بين ايدي صانعي السلام وانما بين ايدي زعماء الحرب. ولكن، في النهاية، لا ينبغي ان يحشر العرب انفسهم داخل شرنقة مبادرتهم السلمية المرفوضة من قبل اسرائيل. ولا بد لهم من البحث عن بدائل ومخارج من الطريق التي تسدها اسرائيل، وصولاً الى إحقاق الحقوق العربية.