أثارت التطورات الأخيرة في العلاقة بين روسياوالولاياتالمتحدة تكهنات كثيرة في شأن دخول العالم مرحلة جديدة من المواجهة وإن كان كثيرون يعتقدون بأنها لن تكون نسخة مماثلة للحرب الباردة على رغم أن سياسيين روساً واميركيين يواصلون استعارة شعارات تلك المرحلة عند الحديث عن الأوضاع الراهنة في العالم والعلاقات بين الدول الكبرى. ويعتبر كثيرون أن المواجهة الجديدة غدت مسألة حتمية، لأن المرحلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وتميزت بتفرد قوة عظمى وحيدة في توظيف"انتصارها"، شهدت تصاعداً ملحوظاً للتوتر في العالم وميلاً الى استخدام القوة العسكرية في حل المشكلات الإقليمية والدولية، في حين بات العالم في رأي محللين يقف أمام استحقاق جديد لرسم ملامح الخريطة الجيوسياسية الجديدة، وهذا يعني الدخول في المرحلة الثانية لإعادة توزيع التحالفات والاصطفافات. يعتقد كثيرون بأن تزامن انطلاقة المرحلة الثانية مع تمكن روسيا في فترة قصيرة نسبياً من استعادة جزء من دورها على الصعيد الدولي، وترشحها للعب دور جديد كدولة كبرى لديها قدرات في الدفاع عن مصالحها الاقليمية والدولية، بالاضافة الى محافظة الروس على القسم الاكبر من قدراتهم الاستراتيجية والنووية، أسهم في توجيه الانظار نحو مواجهة من نوع جديد بين موسكووواشنطن، تسعى خلالها الاولى الى حشد صف مؤيد لها من خلال توسيع سياسة الانفتاح على الشرق واعادة الاعتبار لنظرية المحور الثلاثي روسيا والصين والهند بالاضافة الى اتباع دبلوماسية جديدة تقوم على تعزيز دور جديد لروسيا بوصفها وسيطاً مقبولاً من كل الاطراف في حل الازمات الاقليمية والدولية، وهذا ما سعت اليه موسكو بحسب محللين استراتيجيين روس عند تناولها الملف العراقي ثم الأزمة الإرانية وملف الصراع في الشرق الاوسط والازمة السورية - اللبنانية وغيرها من الازمات التي تصاعدت في العالم خلال السنوات الاخيرة. وساهمت في تعزيز احتمالات اندلاع المواجهة الجديدة بين موسكووواشنطن، مواصلة الضغوط السياسية والعسكرية على روسيا ما اسفر عن ترسخ اقتناع لدى قطاع واسع من السياسيين والعسكريين الروس بأن"الغرب لا يريد ادراك حجم التحولات التي حصلت في روسيا خلال العقدين الماضيين ويواصل الإصرار على تجاهل مصالح روسيا وامكاناتها في لعب دور في العالم الجديد"بحسب مسؤول في الديوان الرئاسي الروسي. وبالتزامن مع مساعي واشنطن لتشكيل محاور معادية لموسكو في الفضاء السوفياتي السابق، واصل الاميركيون تعزيز طوق عسكري سياسي حول روسيا كان احدث تجلياته الإعلان عن النية في نصب شبكات رادار ومنظومات صاروخية على الحدود الروسية في أوروبا الشرقية. وثمة اعتقاد بأن هذا التطور شكل منعطفاً أساسياً، خصوصاً أنه جاء في وقت حرج بالنسبة الى الروس الذين يستعدون لعام ساخن سياسياً تليه انتخابات رئاسية حاسمة، ستحدد نتائجها مسار روسيا لعقدين على الأقل. والخيارات بحسب المحللين بسيطة فإما أن تنجح روسيا في تعزيز النهج الحالي أو تتعرض الى ضربة قوية تشكل في جوهرها المرحلة الثانية بعد مرحلة تفكيك الاتحاد السوفياتي. وهذا يفسر"عنف"القيادة الروسية في الرد على واشنطن، كما ظهر في لهجة خطاب الرئيس فلاديمير بوتين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي عندما أعلن أن بلاده ستعمل على مواجهة التطورات المحيطة بها بأقوى الأشكال. ولا يخفي المسؤولون الروس أن السلاح الأمضى لبلادهم في المواجهة الجديدة هو الحفاظ على قدراتها العسكرية وتطوير امكاناتها في هذا المجال. ويشدد كثيرون على أن القدرات النووية والسلاح الاستراتيجي تشكل الدرع الآمن للروس في مواجهة احتمالات ممارسة ضغوط عنيفة عليهم، أو محاولات ل"توريط"بلادهم في مواجهات عسكرية تهدف الى استنفاد طاقاتها مثلما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من خلال حرب الشيشان. ويعقد كثيرون مقارنات بين قدرات روسيا وإمكانية دخولها في مواجهة سياسية كبرى ربما تمهد لمواجهات عسكرية واسعة أو محدودة على الأقل في بعض المناطق مثل الفضاء السوفياتي السابق. وتطرح المعارضة الروسية أسباباً للقول في حاجة روسيا الى اتباع سياسة أكثر مرونة تعتمد على الانعطاف نحو الغرب بدلاً من الصدام معه، على رأسها الفساد المستشري في البلاد على رغم محاولات تشديد القبضة على الفاسدين، والأمثلة عن ذلك كثيرة وهي تطاول المؤسسة العسكرية ذاتها، حيث يكثر الحديث عن استخدام المقاتلات المتطورة لتهريب الكافيار وأصناف المأكولات الباهظة الثمن من أقصى شرق روسيا لتصل طازجة الى موائد الجنرالات، وعن فضائح بيع قطع غيار معدات الطيران، وعن شبكات الاتجار في السلاح، وأخيراً تفشي الرشوة التي سهلت لإرهابيين قبل أعوام تفجير طائرات مدنية في الجو مقابل مبلغ 30 دولاراً قبضه شرطي سهل دخول المتفجرات الى المطار! وعلى صعيد آخر هناك مشكلة"الشيخوخة"التي أصابت قطاعات واسعة من الصناعات بينها الصناعات العسكرية، وليس سراً أن أحد اسباب تمكن الانفصاليين من اسقاط عدد كبير من المروحيات في ذروة المواجهات في القوقاز، أن المؤسسة العسكرية كانت تجمع المروحيات القديمة و"تنتج"من أصل عشرين طائرة، طائرة واحدة قادرة على التحليق! واضافة الى ذلك تتواصل الكوارث الجوية والأرضية الناتجة عن الأطال التقنية والفنية. خيار تعزيز القدرات العسكرية الواضح ان التطورات المتلاحقة في العالم عموماً وحول روسيا خصوصاً دفعت موسكو الى التفكير جدياً بضرورة تعزيز قدراتها العسكرية في مختلف المجالات لا سيما في المجال النووي، وثمة فكرة يرددها العسكريون الروس كثيراً مفادها ان تراجع روسيا عن مواصلة تعزيز قدراتها النووية سيعني منح الولاياتالمتحدة السيطرة الاستراتيجية في العالم، وهذا امر يرى كثيرون ان له مخاطر كثيرة في ضوء مواصلة واشنطن سياسة"رفع درجة التوتر في العالم"بحسب رأي هؤلاء. وليس صدفة ان يعلن الرئيس الروسي أخيراً ان"الوضع في العالم يستدعي تطوير طاقات روسيا العسكرية وان تكون في حال جهوزية قتالية دائمة"، وأعلن بوتين ان بلاده ستزيد انفاقها العسكري في شكل غير مسبوق اذ ستخصص الموازنة الروسية نحو خمسة ترليون روبل للانفاق العسكري خلال الفترة حتى العام 2015، وهذا يعادل نحو 200 بليون دولار سيذهب جزء كبير منها لتطوير القاعدة الصناعية العلمية العسكرية الروسية من خلال النهوض بأوضاع مجمعات الأبحاث العلمية وتزويد المجمع الصناعي العسكري بطاقات وإمكانات جديدة. وتشغل مسألة تحسين أحوال العسكريين المعيشية حيزاً اساسياً في الخطة الاستراتيجية لتطوير أوضاع المؤسسة العسكرية الروسية التي بدأ العمل فيها منذ اعوام وستنتهي مراحلها الأخيرة في العام 2015. وهي تنص على اعادة النهوض بأوضاع الجيش الروسي وتحديثه في مختلف المجالات وتزويده بأحدث الاسلحة والتكنولوجيات المتطورة. وتقضي الخطة بخفض تعداد الجيش الروسي الى نحو 1.2 مليون عسكري في مقابل اكثر من ثلاثة ملايين في السنوات التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وسيتم الاعتماد على رفع درجة الكفاءة والمهنية ضمن خطة الانتقال من الخدمة العسكرية الإلزامية الى نظام الانتماء الى الجيش باسلوب التعاقد، ومن ضمن الجوانب التي تشغل بال المسؤولين العسكريين توفير الخدمات الكاملة للعسكريين من المجمعات السكنية الى مسائل الرعاية الصحية. وعلى الصعيد التقني - العسكري لا يخفي المسؤولون ان روسيا ستحرص خصوصاً على تطوير قدراتها النووية كونها الدرع الاساسي لضمان الأمن الاستراتيجي بحسب تعبير نائب وزير الدفاع السوفياتي السابق فالنتين فاريننيكوف الذي قال ل"الحياة"ان"التطورات من حول روسيا زادت اهمية الدرع النووي وحملّته مسؤوليات اضافية". وللتوضيح فإن تخلي روسيا عن الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى بعد توقيع اتفاقية خفض هذه الصواريخ مع واشنطن في العام 1987 شكل ضربة قوية لقدرات روسيا الرادعة ، ويصف كثيرون توقيع تلك الاتفاقية في عهد الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف بانه كان خطأ استراتيجياً، وقد هددت روسيا مؤخراً بالانسحاب من هذه الاتفاقية والشروع بتطوير اجيال جديدة من الصواريخ المتوسطة القادرة على حمل رؤوس نووية. ويقول فاريننيكوف انه"مع غياب تلك الصواريخ تغدو مهمة ضمان أمن روسيا لجهة الحدود مع اوروبا الشرقية على عاتق القوات النووية"، واللافت ان هذه الكلمات تكررت على لسان وزير الدفاع السابق سيرغي ايفانوف الذي قال ان روسيا"لن تتردد في استخدام السلاح النووي اذا تعرضت لعدوان". وبحسب مقال نشرته وكالة"نوفوستي"الروسية بقلم سيرغي كورتونوف رئيس مجلس تخطيط السياسة الخارجية، فإن تطور الوضع العسكري في العالم يفرض تعزيز القوات الاستراتيجية النووية مع حلول العام 2012 بنحو 600 صاروخ مرابط على الارض و10 أو 12 غواصة استراتيجية و50 قاذفة استراتيجية مجهزة لاستخدام السلاح النووي او التقليدي وبين 1000الى 1200 رأس نووي محمّل على الصواريخ العابرة للقارات والغواصات الذرية . لكن الاطمئنان الروسي الى الدرع النووي لم يمنع المؤسسة العسكرية من الشروع في تطوير قدرات صاروخية حديثة تحسباً لكل الاحتمالات ، وفي هذا الاطار اعلن عن بدء صناعة جيل خامس من منظومات صاروخية يقول عسكريون انه لا مثيل لها في العالم حالياً. ومع تكتم المسؤولين عن المجمع الصناعي العسكري في خصوص المواصفات الفنية والتقنية للأنظمة الجديدة فالمعلن انها ستقوم على اساس تطوير نظامي"اس 300"و"اس 400"بحيث تجمع امكانات تؤهلها لمواجهة هجمات من طريق الجو او باستخدام الصواريخ او حتى من الفضاء، وبعبارة اخرى انتاج اجيال جديدة من الشبكات الصاروخية تشكل للمرة الاولى أساساً لمنظومة دفاع صاروخية شاملة تتبع مركزاً موحداً ينسق المهام الدفاعية لكل قطاعات الجيش، والملاحظ في هذا المجال ان فكرة تأسيس شبكة دفاعية متكاملة سبقت بوقت طويل تهديدات واشنطن بنشر درعها الصاروخية في اوروبا، وهي تعود الى العام 2002 عندما اعلنت واشنطن عن الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية الموقعة في العام 1972، وهذا يعني ان التطورات الاخيرة شكلت سبباً مباشراً لدفع الجهود في هذا الاتجاه الى حيز الإعلان الرسمي وتسريع تنفيذها على الارض. ويقول عسكريون تحدثت اليهم"الحياة"ان موسكو بدأت منذ العام 2002 رسم خطط لمواجهة الوضع الجديد تتناسب مع امكاناتها المادية ولا"تورطها"في سباق تسلح يرهق الموازنة الروسية. وسارت موسكو على هذا الطريق عبر متعرجات عدة، بدأت بطرح فكرة تأسيس شبكات دفاع صاروخية روسية - اطلسية مشتركة وكان وزير الدفاع سيرغي ايفانوف من المتحمسين لهذه الفكرة قبل ان تظهر واشنطن ميلاً للانفراد بنشر درع أميركي في اوروبا، وبعد ذلك انتقلت موسكو الى الحديث عن الأمن الروسي - الأوروبي المشترك، لكن المبادرة ماتت سريعاً بسبب الانقسام داخل البيت الأوروبي بين اوروبا"القديمة"وأوروبا"الجديدة"الموالية بكاملها تقريباً لواشنطن. المستقبل للصواريخ ويرى خبراء روس ان الانظمة الصاروخية المطورة ستشكل أساس سباق التسلح الجديد في العالم، وهذا يفسر تركيز المؤسسة العسكرية الروسية على تطوير هذا السلاح، وبحسب فاريننيكوف فان الانظمة الصاروخية الجديدة وخصوصاً النظام المعروف باسم"توبول أم"سيكون ابرز عناصر مواجهة المخاطر الجديدة، ولا يخفي العسكريون الروس ان الانظمة الصاروخية"توبول"تشكل بالنسبة الى موسكو"السلاح الاستراتيجي في القرن الواحد والعشرين"وبعيداً من المواصفات الدقيقة التي يتجنب العسكريون الخوض فيها فإن الانظمة الروسية الجديدة"مصممة لاختراق حاجز الصوت بسرعة اكبر بمرتين من مثيلاتها السابقة، وفي حين ان النظام الصاروخي الأميركي كان مصمماً لمواجهة الصواريخ الاستراتيجية"السوفياتية"فإن الجديد هنا ان الصواريخ الحديثة ستكون قادرة على تغيير مساراتها ودرجة إرتفاعها وحركة مناوراتها في شكل متواصل ، وهي قادرة على حمل ثلاثة الى سبعة رؤوس نووية أو انشطارية. وبحسب قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية فإن موسكو ستقوم خلال الفترة حتى العام 2015 بتزويد سلاح الصواريخ بأنظمة من هذا الطراز. ولدى روسيا حالياً 700 منصة لإطلاق الصواريخ الاستراتيجية وهو ما دفع قائد سلاح الجو الجنرال فلاديمير ميخائيلوف الى القول إن الولاياتالمتحدة"تنفق عبثاً أموالاً طائلة لنشر دروع صاروخية في اوروبا"فالشبكة الاميركية لن تكون قادرة في كل الاحوال على التصدي لأكثر من بضع عشرات من الصواريخ الروسية في حال الاشتباك، فما مدى فعالية نشر الصواريخ في هذه الحال؟". الإجابة على السؤال طرحت فرضيات عدة أمام الخبراء الروس اولها ان يكون نشر الصواريخ في بولندا وتشيكيا مجرد خطوة اولى ستليها نشر منظومات مماثلة في هنغاريا وسلوفاكيا، وبعد ذلك في بلدان اسيوية في منطقة المحيط الهادي، في تلك الحال ستكون واشنطن أقامت طوقاً لأنظمة الرصد والشبكات الصاروخية يغطي اراضي روسيا كلها، وهذا ما يفسر الإسراع في تطوير قدرات صاروخية قادرة على اختراق الدرع الأميركي في كل وقت. الفرضية الثانية تقوم على احتمال تخطيط واشنطن لإجراء تعديلات لاحقة في مواقع الشبكات الصاروخية الدفاعية تحولها عند الحاجة الى قواعد لنشر صواريخ استراتيجية عابرة للقارات وهذا سيجبر روسيا على نشر شبكات دفاعية على طول حدودها وهو امر مكلف ومعقد. وعلى رغم ذلك يرى العسكريون الروس ان انظمة"اس 400"يمكن ان تشكل اساساً لهذه الشبكات بعد ادخال تحسينات جديدة عليها لتصل سرعة صواريخها من 4.5 كيلومتر في الثانية حالياً الى نحو تسعة كيلومترات. اما الفرضية الثالثة فتقوم على ان خطط واشنطن ربما تكون غير واقعية، اي ان الاميركيين اطلقوا بالون اختبار لقياس رد الفعل الروسي وكشف مدى استعداد روسيا لمواجهة اي تطورات ممكنة، ويعقد البعض مقارنات بين الوضع الحالي ومبادرة الدفاع الاستراتيجي المعروفة باسم"حرب النجوم"التي اطلقها الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان وأرهقت محاولات مجاراتها الموازنة السوفياتية . أجيال جديدة من الطائرات وفي حين ان الاهتمام الروسي ينصب على تطوير القدرات الصاروخية فإن الخطة الاستراتيجية الروسية تشمل تطوير سلاح الجو كله بما في ذلك تحديث قدرات المقاتلات الروسية ورفع درجة كفاءتها خلال العامين القادمين مرتين ونصف المرة بحسب المصادر العسكرية، وفي هذا الاطار فان الجيش الروسي يستعد لاستخدام اجيال جديدة من مقاتلات"سوخوي"الحديثة من طراز"سوخوي 34"و"سوخوي 35"المعدلة التي تتفوق على سابقاتها فنياً وفي القدرة على المناورة، وقالت مصادر في مؤسسة"روس أبورون اكسبورت"لپ"الحياة"أن"سوخوي 35"ستعرض لأول مرة في آب اغسطس من العام الحالي في معرض"ماكس 2007"وهي تمثل ابرز انجازات روسيا في مجال صناعة الطيران الحربي خلال الأعوام التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالاضافة الى ذلك نجحت المؤسسة الصناعية العسكرية بتطوير مقاتلة جديدة تقوم على اساس"ياك 130"التي ستدخل الى الخدمة اعتباراً من العام المقبل، وفي مجال الطائرات الميدانية والمروحيات طوّر المهندسون الروس مروحية"مي 28 ان"التي تعد نسخة محدثة بطاقات اكبر بكثير من"مي 24"التي تعتمد عليها التشكيلات الجوية حالياً، والمروحية الجديدة المعروفة باسم"صياد الليل"تتفوق بحسب الخبراء الروس على مثيلاتها في الغرب بنسبة اداء عالية في مختلف الظروف الجوية. ومع تركيز العسكريين في تصريحاتهم العلنية على سلاح الجو بوصفه اساس التسلح وضمانة الامن الاستراتيجي، فإن اعادة تأهيل القطع المختلفة للجيش الروسي تسير بوتائر متسارعة خصوصاً في مجالات البحرية وسلاح الغواصات الذرية والعادية وغيرها كما تنص الخطة العسكرية الاستراتيجية على تزويد القوات الجوية بأنظمة متطورة مختلفة بينها صواريخ مجنحة دقيقة التصويب مجهزة برؤوس نووية. العقيدة العسكرية الجديدة أقرت روسيا عقيدتها العسكرية في العام 2000 مستندة الى التغيّرات التي طرأت على العالم خلال السنوات التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن التطورات المتلاحقة منذ ذلك العام اجبرت الروس على اعادة النظر في اولوياتهم، وفي حين ان الكرملين كان يشدد خلال الاعوام الاربعة الاولى من القرن الجديد على ان روسيا لا تواجه خطر الدخول في نزاعات مسلحة مع اي طرف او بلد في العالم، فإن خطاب المسؤولين الروس تغيّر بشدة خلال العامين الأخيرين ومع المحافظة على استراتيجية"عدم الدخول في صراعات او الانحياز الى طرف اقليمي ضد طرف آخر فإن السياسيين عادوا الى الحديث عن ضرورة الاستعداد لمواجهة أي تهديد للأمن الإستراتيجي وبرزت للمرة الاولى مسألة جهوزية القوات الروسية لتوجيه ضربات استباقية ضد اعداء محتملين، ولا يكاد خطاب للرئيس بوتين او احد اعوانه يخلو من الاشارة الى مسألة ارتفاع سخونة التوتر في العالم و"ميل اطراف الى استخدام القوة لحل النزاعات"ما يعتبر تهديداً مباشراً للأمن وسبباً لتحديث العقيدة العسكرية في مواجهة الاحتمالات كلها، ولتوضيح هذه الفكرة قال احد المحللين الاستراتيجيين ل"الحياة"ان"قيام واشنطن مثلا بتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران يمكن ان يسفر عن توسيع دائرة المواجهة لتشمل بالإضافة الى بلدان اخرى اذربيجان ما يعني التهديد باندلاع حرب اقليمية تصيب شظاياها المناطق الجنوبية لروسيا". ويعتبر كثيرون ان على روسيا، في البداية، العمل على تفعيل السياسة العسكرية، واتخاذ إجراءات تبدأ باعتماد عقيدة عسكرية جديدة لتصل الى اعتماد سياسة دبلوماسية اكثر نشاطاً وانفتاحاً، كذلك تنشيط العلاقات الاقتصادية، والالتفات الى عنصر تجاهله الروس طويلاً هو الإعلام. ومن وجهة نظر بعض المحللين ينبغي توحيد التحديات العسكرية وغير العسكرية في ملف واحد وتسميته العقيدة الدفاعية. وفي الخلاصة إن التهديدات التي تواجهها روسيا تدرج كالآتي: أولاً - السياسة التي تمارسها بعض الدول وأثرها في انتهاك السيادة الروسية، وتجلى ذلك في رد الفعل الذي صدر عن حلف شمال الاطلسي الذي اعتبر أن رفع أسعار الطاقة من قبل روسيا بمثابة عدوان. ثانياً: التهديدات باستعمال السلاح النووي ضد روسيا ونشر أسلحة الدمار الشامل على مقربة من حدودها، وفي هذا الإطار تبدي روسيا مخاوفها من وصول اسلحة نووية تكتيكية الى ايدي منظمات ارهابية بالاضافة الى اتساع دائرة الدول التي تسعى الى امتلاك اسلحة نووية بلغ عددها حسب مؤسسات روسية متخصصة اكثر من ثلاثين دولة حالياً. ثالثا: الخلل القائم في التوازن العسكري، والتوسع الذي يمارسه حلف الاطلسي. هذه بعض التهديدات الخارجية، أما الداخلية فأخطرها هو الإرهاب. وتنص العقيدة العسكرية الجديدة على اهمية ان تكون المؤسسة العسكرية جاهزة لتنفيذ عمليات قتالية داخلية، وقادرة على المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب، ومهيأة لتنفيذ عمليات خارج البلاد. وبالاضافة الى العقيدة العسكرية يجري التداول حالياً في الاوساط السياسية والعسكرية الروسية بما يعرف بالعقيدة السياسية وهي تتمحور حول الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا على المستوى الإقليمي، حتى لو اقتضى الأمر استعمال القوة العسكرية لحماية ثروتها الاقتصادية، ويشهد الاقتصاد نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وتشرف على ذلك مؤسسات مختلفة في البلاد، ما يتطلب تنسيقاً كبيراً وجهوزية اكبر للتدخل عند الحاجة استجابة لمتطلبات الأمن الاستراتيجي ويشرف على تنفيذ هذه السياسة مجلس الأمن القومي الروسي.{ موسكو - رائد جبر