لا يبشر المشهد اللبناني في قمة الرياض بكثير من التفاؤل. فعلى رغم الاندفاعة العربية، والسعودية بشكل خاص، التي سعت الى انهاء الخلاف الداخلي بما يسمح بمشاركة وفد لبناني واحد في القمة، باءت تلك الجهود بالفشل، وها هو لبنان يذهب الى الرياض ممثلاً بوفدين، أحدهما برئاسة رئيس الجمهورية اميل لحود والثاني برئاسة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. قد لا يكون هذا هو الوقت المناسب لعرض اسباب فشل الجهد العربي لحل ازمة لبنان. غير انه بدا واضحاً خلال الجهود والوساطات التي بذلت، ان محاولات فصل الخلاف اللبناني حول المحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية، عن المصالح والتأثيرات الخارجية لم تنجح. ففي الوقت الذي وقفت فيه السعودية ممثلة بسفيرها في بيروت عبدالعزيز خوجة على مسافة واحدة من كل الاطراف، وجرت محاولات استغلال سياسية لهذا الحياد، لم تتخذ اطراف اقليمية اخرى الموقف ذاته، فأدت ضغوطها المباشرة وغير المباشرة على حلفائها الى منع التوصل الى الحلول الممكنة والمقبولة من الجميع. وكي لا يقال ان في هذا الكلام مبالغة، تكفي العودة الى التصريحات والمواقف التي حفلت بها وسائل الاعلام في الاسبوع الماضي، والتي جاءت كلها تؤكد حجم الضغوط الخارجية على قرار الحلفاء الداخليين، والمدى الذي بلغه"اهتمام"هذه الجهة الخارجية بمواضيع النقاش الداخلي، وتحديداً بموضوعي الحكومة والمحكمة. ولأن السعودية، مضيفة القمة، كانت تدرك منذ البداية مدى ترابط هذه المصالح الخارجية بالمسار الداخلي الذي بلغته الازمة، والصعوبات التي تعترض الحل، فقد كانت واضحة عند دعوة الرئيس لحود الى القمة بالاشارة الى تمنيها ان يعكس تشكيل الوفد اللبناني"وحدة لبنان"، وكانت هذه الاشارة عميقة المعنى عند الاعلان عنها في قصر بعبدا، خصوصاً ان لحود لا يملك صلاحية تشكيل الوفد الرسمي، الذي يعطي الدستور حق تشكيله لمجلس الوزراء. غير ان الرئيس اللبناني اختار المضي في تشكيل وفد"مستشاريه"، بصرف النظر عن هذا التمني السعودي، ملقياً المسؤولية في ذلك على حكومة السنيورة، مع انها"غير دستورية وغير ميثاقية"في نظره. لم يترك هذه الوضع مجالاً امام السعودية سوى دعوة الرئيس السنيورة ايضاً الى القمة في سابقة عربية، هدفها الحرص على تحقيق التوازن في التمثيل اللبناني الذي كان يفترض ان يكون الحرص عليه التوازن من واجبات ومسؤولية رئيس الجمهورية الذي يفرض عليه الدستور طالما اننا نتحدث دستورياً ان يكون حَكَماً بين اللبنانيين لا فريقاً في نزاعاتهم كما تحول العهد الحالي. واذا كان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل قد أعرب عن امله ان لا تنعكس ازدواجية التمثيل اللبناني على اعمال المؤتمر، فإن المؤشرات الى الآن لا توحي بالتجاوب مع هذه الرغبة ايضاً، بعد"الملاحظات"التي قيل ان الرئيس لحود ابداها على ورقة التضامن مع لبنان التي عرضت على مجلس وزراء الخارجية العرب، انطلاقاً من انه"لم يطلع على مضمونها"، مما يهدد بفضائح لبنانية على مستوى القمة من النوع الذي شهدته قمة الخرطوم في العام الماضي. طبعاً لا تزال هناك أمان ومساع لرأب الخلافات اللبنانية في الرياض، سواء داخل القمة او على هامشها. تبرر ذلك اللقاءات الثنائية التي يمكن، اذا حصلت، ان تخفف شيئاً من التوتر في العلاقات الداخلية. لكن النجاح هنا ايضاً، سوف يبقى متوقفاً على حرص اللبنانيين على الوصول الى حل في ما بينهم على قاعدة المصلحة الوطنية. اما اذا لم يحصل ذلك فإن المناخ الذي سيخلفه في لبنان في مرحلة ما بعد القمة سيكون اكثر سواداً من المرحلة السابقة، خصوصاً اذا كان هناك قرار من البعض باعتبار مشاركته في القمة هدية سياسية، لا بد من الحصول على"ثمن"لها على الساحة اللبنانية.