"إضحك الصورة تطلع حلوة"، فيلم مصري نال جوائز عدة وقام ببطولته الفنان المبدع الراحل أحمد زكي. تدور أحداثه حول "المصوّراتي" الذي يحمل كاميرته ويجول في القاهرة مسجّلاً ما طاب له من لحظات ووجوه. إلتقط زكي في الفيلم اللحظات السعيدة وجمّدها ليخبرنا بأن الصور مرآة الماضي. تغدو الحياة أجمل مع الكاميرا، خالية من الشوائب. الا أن ما حصل مع زكي تناقض مع ما حدث مع رمزي حيدر مصوّر"وكالة الصحافة الفرنسية"وممثل إتحاد المصوّرين العرب في لبنان. حاول أحمد زكي في فيلمه أن يجمّل الواقع، بيد أن رمزي حيدر نقله كما هو بكل مآسيه وصعوباته وأحداثه المتواترة، فصوّر مجازر لبنان وسقوط بغداد، وعاش الحرب وبقيت عينه وذاكرته أقوى من الكاميرا. لم يعش حيدر طفولته وبدل أن يلعب مع الأطفال، كان يختبئ من القذائف والرصاص إبان الحرب الأهلية اللبنانية. كبر وكبر معه الحلم الى أن استطاع أن يؤسس الشهر الفائت جمعيّة مهرجان الصورة"ذاكرة"مع مجموعة من المثقفين والفنيّين والمتطوعين. ويقول حيدر الذي يترأس الجمعية، إن الحلم اكتمل خصوصاً بعد أن عاونه الأصدقاء وشجعوا فكرته. و"ذاكرة"مؤسسة ثقافية تتابع قضايا الصورة في لبنان وخارجه، من دون أن يكون لها علاقة بأي جهة سياسية. وتهدف، بحسب حيدر، إلى الإهتمام بقضايا الأطفال ومشاكلهم وخصوصاً في المخيمات الفلسطينية. ولهذه الغاية أطلقت الجمعية مشروع "لحظة" الذي يتوجه الى الأطفال ما بين 7 و12 سنة، لتعليمهم التصوير ومحاولة إخراجهم من بؤسهم ومن واقع الحياة المزري الذي يعيشونه، إذ يفتقدون الى أبسط احتياجات الطفولة. ويوضح حيدر أن العمل جار لتأمين 500 كاميرا ستوزع على الأطفال في المخيمات، تأمن منها حتى اللحظة 130. ولأن الوضع المادي ل"ذاكرة"مُعدم، والتمويل ذاتي، عمدت الى إجراء اختبارات في الرسم بين الأطفال لتصفية أفضلهم. ومن نجح تسلم كاميرا لإلتقاط الصور بعد أن شرح ستة مصورين متطوعين للأطفال الفائزين كيفية استعمالها ومبادئ التصوير. وينقسم مشروع"لحظة"إلى أربع مراحل إذ سيشمل مناطق الجنوب وبيروت والشمال والبقاع، وبهذا يكون غطّى فريق العمل كل المخيمات الفلسطينية. وتعاني"ذاكرة"من نقص في الدعم، ويقول حيدر أن كل الابواب التي طُرقت لم يسمع منها أي رد. وأمّن"الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"بعض الاحتياجات اللوجستية. ويؤكد حيدر أن المرحلة الأولى أظهرت مواهب بين الأطفال الذين تحمسوا للكاميرا"التي غيّرت مجرى حياتهم ووسّعت آفاق طموحهم". وأضاف:"بعض الأطفال نجح في نقل واقعه المرير، لأننا لم نحدد لهم موضوعاً معيّناً فجاءت معظم الصور دالّةً على المعاناة التي يمرون بها". ويشير الى أنهم صوّروا مجارير المياه والجدران المهدّمة والمنازل المتصدِّعة والبؤس والفقر. ويرى حيدر أن تميّز العديد من الأطفال في التصوير على رغم صغر سنهم،"يعود الى ذاكرة الفلسطينيين القائمة على الصور والاخبار، لأن أحداً منهم لم يرَ موطنه الأصلي، بل الجميع تخيله على طريقته، وشم رائحة برتقاله من الأخبار التي يتناقلها كبار السن". ويلفت حيدر الى أن المشروع لن ينتهي مع إنتهاء المدة المقرّرة له 6 أشهر. وستتألف لجنة من الإختصاصيين بينهم الرسام محمد شمس الدين والمخرجة السينمائية مي المصري إضافة الى أسماء لم تعرف بعد، لفرز 13500 صورة التقطها الأطفال، وتصفيتها الى 150، ستُجمع في كتاب تعود أرباح مبيعاته الى الأطفال. وسيقام معرض للصور المختارة سيتنقل بين مناطق لبنان. ويأمل حيدر في أن يحظى المعرض بفرصة للإنتقال للدول العربية بعد ان يؤكد أن المشروع تلقى دعوات من كل من المانيا وإيطاليا وفرنسا ومصر لإستضافة المعرض. ويفكّر رئيس الجمعية بأن يرسل الأطفال الى البلدان الغربية للتحدث عن صورهم. وقبل بدء المشروع في لبنان فكّر حيدر بتنفيذه في بغداد، عندما غطّى الحرب الأميركية على العراق، الا أن الأحداث والتوتر السائد في البلد المحتل حالت دون ذلك. ويعد مشروع"لحظة"من أول المشاريع التصويرية الهادفة الموجّهة للمخيمات الفلسطينبة في لبنان، إذ أن العديد من الوسائل الاعلامية والمصورين المحليين والعالميين تعاطوا مع سكان المخيمات على أنهم مادة دسمة لسبق صحافي أو سلعة للتصوير. ويساهم عدد من المصورين المتطوعين في المشروع، عبر تدريب الاطفال، وهم: مروان طحطح، رمزي حيدر، إلسي حداد، بلال جاويش، محمد همدر وسمر كعدي. "لحظة"مشروع مُهدى من"ذاكرة"الى أطفال المخيّمات الفلسطينية، لتبقى فلسطين في الصور بعيدة من العين، قريبة من القلب.