تشهد الانترنت حركة من التجديد تهزّ دواخل عالمها بقوة، إلى حدّ أن بعض الخبراء بات يتداول مصطلح "ويب 2.0" للإشارة إلى هذا التجديد. ويلفت أن بعض ملامح التغيير جاءت من أماكن غير متوقعة. فمثلاً، تُعتبر ظاهرة"البلوغرز"Bloggers أي المُدوّنات الالكترونية التجديد الأقوى راهناً في مفهوم الإعلام الرقمي، الذي يعتبر من الأعصاب الأساسية للشبكة الدولية للكومبيوتر. ولكن بدايتها كانت متواضعة تماماً: مجرد صفحات الكترونية يكتب عليها الجمهور مذكراته وخواطره. وراهناً، صارت عملاقاً ضخماً"إلى حدّ ان صحيفة مثل"نيويورك تايمز"استغنت عن عقود من العمل لإنشاء شبكات تلفزيونية، لكي تتفرغ للبلوغ الذي صنعته على الشبكة"وإلى حدّ أن وكالة الأنباء الشهيرة"رويترز"وهي شركة مالية ضخمة أيضاً خصّصت فريقاً للعمل على مدار الساعة في بلوغها الذي أنشأته ضمن موقع"سكوند لايف"Second Life، وهي لعبة افتراضية تستقي تركيبتها من المُدوّنات الالكترونية، بمعنى أنها مؤلفة أساساً من بلوغات الجمهور. وفي السياق عينه، صنعت شركة"مايكروسوفت"مُدوّنة لها، لأنها وجدتها وسيلة ناجعة في التفاعل مع الجمهور"وسرعان ما تبعتها مئات الشركات التي صارت بلوغاتها جزءاً أساسياً من عملها اليومي. وباتت مواقع الصحافة على الانترنت معنية بالمُدوّنات الالكترونية، وتستخدم تقنيات متعددة لإرسال موادها، بما فيها المواد المرئية - المسموعة للصحافة الرقمية، الى تلك الصفحات. وبدت ظاهرة"البلوغرز"وكأنها استولت على التطور التقني أيضاً. فمع شيوع رسائل الميلتي ميديا في الخليويات، صار من الممكن للجمهور أن يُرسل أشرطته ليضعها على المُدوّنات، التي باتت معرضاً هائلاً لتلاقي النصوص مع أفلام الخليوي. وهكذا، ظهر موقع مثل"يوتيوب"U Tube، الذي يعتبر من أهم مظاهر الإعلام الجديد راهناً. وأثّرت ظاهرة"البلوغرز"في السينما، التي سعت لملاقاة التحدي الذي فرضته أفلام الخليوي التي يصنعها الجمهور ويضعها على المُدوّنات. وظهر ذلك المنحى في مهرجان"صن دانس"Sundance Festival على سبيل المثال. وتقاطعت ظاهرة المُدوّنات الإلكترونية مع الخليوي، مرّة أُخرى، في ظاهرة الشبكات التي تُصنع عبر هواتف"آي بود"iPod تحديداً، والتي دفعت بمصطلح جديد الى عالم الإعلام هو"بودكاستنغ"Podcasting في الإشارة الى البث عبر تلك الشبكات. وبديهي القول ان صفحات البلوغرز هي التي تتلقف هذا البث وتساهم في نشره أيضاً. ولعل ذلك يُفسر اهتمام محرك البحث"غوغل"Google بتقليد تجربة"آي بود". فبحسب ما نقله موقع"البوابة العربية لأخبار التقنية"أخيراً، تسعى شركة"غوغل"حالياً الى تطوير جهاز يجمع بين مزايا الهاتف المحمول واتصالات الإنترنت. وكذلك أورد أن بعض الجرائد الآسيوية أشارت إلى قيام"غوغل"بجولة بين شركات تصنيع الهواتف المحمولة. والمعلوم ان موقع"غوغل"اهتم أخيراً بإدخال مجموعة من الخدمات التي تتوجه الى الهواتف الخليوية"كما دمج قسم الخرائط الالكترونية"غوغل مابس"Google Maps مع هاتف"آي بود"أيضاً. وبذا، تحوّلت صفحات المُدوّنات الالكترونية الى مساحة هائلة لتقاطع التقنيات الرقمية، وبقول آخر، فإنها جدّدت في مفهوم"التلاقي الرقمي"Digital Convergence، الذي يستخدم تقنياً في الإشارة الى ذلك التقاطع. وفي السياق عينه، لجأ بعض صُنّاع برامج تصفح الانترنت، مثل"موزاييك"Mosaic، الى تجديد العمل على الجماعات الافتراضية، بالتركيز على نسج تلك الجماعات من صفحات"البلوغرز". وتمكنت الشركة المذكورة من صنع 15 ألف شبكة اجتماعية من هذا النوع. وتنبّهت شركات الإعلان الالكتروني للمساحة الهائلة التي تصنعها ظاهرة"البلوغرز"، لكي تتخذها ميداناً للعمل. ومثلاً، عمدت شركة"زودانغو"Zoodango للإعلان الالكتروني الى تركيز عملها على الإعلانات عبر المُدوّنات الالكترونية لجمهور الانترنت. وفي سياق مُتّصل، ابتكرت شركة"أد سكايب"ومقرها مدينة"سان فرانسيسكو"الأميركية المتخصصة في الإعلانات على ألعاب الفيديو، لصنع تقنية لوضع تلك الإعلانات على صفحات المُدوّنات الشخصية للجمهور، إضافة الى الكومبيوترات الشخصية وأجهزة الألعاب والهواتف المحمولة. ويفتح الأمر سوقاً أخرى في فضاء المُدوّنات الالكترونية. والأرجح ألا يفي الكلام السابق ظاهرة"البلوغرز"حقها، لكنه يصلح إشارة إلى أهميتها المتصاعدة.