شهدت إسلام اباد ومدن باكستانية اخرى أمس، أخطر احتجاجات ضد نظام الرئيس برويز مشرف منذ توليه الحكم اثر انقلاب عام 1999، واندلعت شرارة الاحتجاجات نتيجة قرار الرئيس عزل رئيس المحكمة العليا القاضي افتخار تشودري ووضعه قيد الاقامة الجبرية. وتحولت الاحتجاجات صدامات واسعة مع الشرطة التي شنت حملة اعتقالات طاولت عشرات بينهم محامون، واقتحمت محطة تلفزيونية خاصة، في محاولة لإسكات المعارضين. ولوحظ ان واشنطن انتقدت خطوة مشرف، فيما توحّدت المعارضة الباكستانية بقطبيها بينظير بوتو ونواز شريف رئيسا الوزراء السابقان ضد نظام مشرف. ولم يحل نشر آلاف من عناصر الشرطة والقوات شبه النظامية واستخدامهم قنابل غاز مسيل للدموع والعصي المكهربة، دون وصول أنصار تشودري إلى مبنى المحكمة العليا في إسلام آباد، حيث خضع لمساءلة بتهمة سوء استغلال منصبه، والتي استند اليها مشرف لإقالته الاسبوع الماضي. ودارت مواجهات لساعات، اعتقلت خلالها الشرطة عشرات من المتظاهرين، فيما اقتحمت قوات أمن مقر محطة"جيو"التلفزيونية لمنع بث برنامج خاص عن جلسة الاستماع لتشودري. وطاول العنف بعض موظفي المحطة، واتلفت معدات داخلها، ما دفع وسائل الاعلام الى ادانة"الضغوط التي تمارسها الحكومة". والمفارقة ان الحكومة دانت اقتحام المحطة، فيما دعا وزير السكك الحديد شيخ رشيد أحمد الى اعتذار رسمي عن اقالة تشودري. وانضم أنصار حزبي شريف وبوتو واحزاب اخرى الى التظاهرات التي شارك فيها ايضاً تجمع الأحزاب الدينية ومحامون ورجال إعلام، وشملت الى جانب إسلام آباد، مدينة لاهور شرق، حيث اعتقل عشرات من المعارضين، وكراتشي جنوب وبيشاور شمال غربي ومولتان وسط. وحاولت شرطة إسلام آباد اعتقال المدير السابق للاستخبارات العسكرية الجنرال حميد غل، فيما اوقفت زعيم الجماعة الإسلامية قاضي حسين أحمد، بعدما أصرّ على قيادة حشد لأداء الصلاة أمام مقر المحكمة العليا، فيما احتجزت مجموعات مؤيدة له ليل الخميس - الجمعة. وقال الجنرال غل ل"الحياة"ان"قمع السلطات للاحتجاجات سيؤدي إلى اضطرابات، خصوصاً ان المحتجين لم يخالفوا القانون"، مؤكداً أن لا تفسير ل"اعتداء"مشرف على الدستور وتجاوز صلاحياته عبر منع المتضامنين مع تشودري من التعبير عن رأيهم. وصرّح اسفنديار ولي خان، رئيس حزب الشعب البشتوني القومي، بأن شعوراً عارماً يسود بوجود محاولة جدية لاستهداف القضاء والبرلمان، تمهيداً لجمع السلطات في يد شخص واحد، و"هو ما لن تسمح بحدوثه الأحزاب والقوى السياسية أو الجهات القضائية والقانونية". ورأى افتخار جيلاني، وزير العدل السابق، أن إصرار مشرف على عزل كبير قضاة المحكمة العليا، قد يفتح الباب أمام سيادة قانون"شريعة الغاب"في باكستان،"اذ يوجه تصرف الرئيس، رسالة تفيد بأن القوي يمكنه فعل أي شيء". ووصف أياز أمير، أحد أبرز المحللين السياسيين في باكستان، تظاهرات المحامين بأنها"سابقة"، مشيراً الى انها تمنح هذه الحركة"دعماً شعبياً عفوياً يزداد مع الأيام". وأعرب محللون آخرون عن اعتقادهم بأن مشرف استمع اخيراً إلى نصيحة خاطئة من مستشاريه في اجهزة الاستخبارات العسكرية، في شأن إمكان تجديد ولايته الرئاسية عبر البرلمان الحالي نهاية السنة،"لكن إقدامه على هذه الخطوة قد يجبر معارضيه على الطعن بها أمام المحكمة العليا والتي سيعتبرها افتخار تشودري غير دستورية، ما يجبر مشرف على التنحي نهائياً". ولمح هؤلاء الى ان الأخير تفاوض اخيراً مع اركان حزب"الشعب الباكستاني"بزعامة بوتو لتقاسم السلطة، لكن جهات في المؤسسة العسكرية رفضت مشاركة بوتو في السلطة. واعتبر المحللون ان رفض ريتشارد باوتشر، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب آسيا ووسطها خلال زيارته لإسلام آباد الأربعاء الماضي، التعليق على الخلاف بين مشرف وتشودري ب"اعتباره مسألة داخلية"، يوحي بتراجع واشنطن عن دعم مشرف في القرار الذي اعتبرته امس،"الأسوأ"الذي اتخذه منذ استيلائه على السلطة في تشرين الأول اكتوبر 1999. تزامن ذلك مع اعلان الناطق باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك، ان إقالة تشودري تشكل"مصدر قلق عميق لنا. ونعتقد بأن حل هذه القضية يجب ان يحصل بشفافية كاملة وبموجب قوانين باكستان".