بعد ساعات ساد خلالها الاعتقاد بأن التاريخ أعاد نفسه بشكل دراماتيكي بالنسبة إلى رئيس الحكومة الإيطالية رومانو برودي، استرد الأخير زمام المبادرة وتحوّل من رئيس أعد حقيبته للصعود على متن أول قطار يحمله إلى مسقط رأسه بولونيا الشمالية إلى رئيس وضع شروطاً فولاذية أمام حلفائه الذين أذاقه البعض منهم الأمرّين خلال الشهور العشرة الماضية من عمر حكومته. وبعدما تعثّرت حكومته الثانية بسبب القضايا ذاتها التي كانت انزلقت عليها حكومته الأولى عام 1996، وعلى يد الحلفاء ذاتهم اليسار الراديكالي المناهض لسياسة الولاياتالمتحدة، تمكّن برودي من فرض 12 شرطاً لاستمرار الائتلاف الحكومي. وعلى رغم عسر التجربة التي مرّت بها الحكومة، فإن اجتماع قادة الائتلاف الحاكم الذي دعا إليه برودي في مقر رئاسة الحكومة ليل أول من أمس، لم يتجاوز ساعة واحدة، استمع خلالها الحلفاء إلى قراءة لوثيقة النقاط ال 12 التي حصّن بها برودي ائتلافه الحاكم، متلقياً من الأحزاب المكوّنة للحكومة الاستعداد الكامل لدعمها مع التشديد على أن السناتورين الشيوعيين اللذين أفقدا الحكومة الثقة في مجلس الشيوخ سيصوّتان لمصلحة السياسة الخارجية التي تتضمن أيضاً تجديد الالتزام بتواجد البعثة العسكرية الإيطالية العاملة ضمن قوة"إيساف"في أفغانستان. برودي شدد في الاجتماع على أنه لم يعد مستعداً للقبول بمنطق"نعم، ولكن"وأن"استمرار الائتلاف الحاكم يعني القبول بالتواجد العسكري الإيطالي في أفغانستان وبالخطط الاقتصادية والاجتماعية المقرّة في برنامج الحكومة. الاحتمال القائم الآن هو أن يطلب رئيس الجمهورية جورجو نابوليتانو من رئيس الحكومة المستقيل أن يعود إلى البرلمان ليطرح الثقة بحكومته مجدداً، وفي حال نجاحها، تعود إلى ممارسة صلاحيتها كاملة. ويكمن جوهر القضية في حشد الائتلاف الحاكم ل 162 صوتاً لمصلحة الحكومة في مجلس الشيوخ الإيطالي وهو ما لا يبدو أمراً يسيراً خصوصاً أن السناتور روسّي أعاد التأكيد على معارضته للتواجد العسكري الإيطالي في أفغانستان. أما المحتجون الآخرون من سناتورات اليسار فأكدوا أنهم سيصوّتون للحكومة مع تثبيت اعتراضاتهم على السياسة الخارجية وعلى عدد من القضايا التي تخص تواجد القواعد العسكرية الأميركية في إيطاليا. وأكدت النجمة المسرحية فرانكا رامي وهي زوجة داريو فو الكاتب المسرحي الفائز بنوبل للآداب لعام 1992 أكدت أنها ستمنح صوتها للحكومة إلاّ أنها أكدت أنها ستستقيل من عضوية مجلس الشيوخ بعد الانتهاء من التصويت مباشرة، مشدّدة على أن"من الصعب على شخص في عمري تغيير القناعات الفكرية تماشياً مع المصالح السياسية". وشهدت الساعات الماضية جدلاً في أوساط اليسار وصل إلى اتهام ممثليه في مجلس الشيوخ المعارضين لسياسة الحكومة ب"توفير فرص عودة سيلفيو بيرلوسكوني إلى الحكم". وأبدى الشيوعيون استعدادهم لإقامة تظاهرة حاشدة في روما"للإعراب عن الدعم الكامل لبرودي وائتلافه"ما أثار سخرية زعيم حزب"التحالف القومي - الفاشي سابقاً"ووزير الخارجية السابق جانفرانكو فيني الذي أبدى استغرابه من"اللعب على الحبال الذي يمارسه اليسار الراديكالي الإيطالي، إذ تظاهر السبت الماضي ضد حكومة برودي أما الآن فهو يتظاهر للإعراب عن دعمه لها". وطالب رئيس الحكومة السابق سيلفيو بيرلوسكوني ب"العودة إلى الناخبين الإيطاليين ليقرروا هم من يمتلك صلاحية حكم البلاد".