كثفت موسكو جهودها لحشد تأييد اوروبي لموقفها المعارض لنشر الدرع الصاروخية الاميركية في بولندا وتشيخيا. وشكل هذا الملف عنصراً بارزاً في محادثات مسؤولين روس وفرنسيين امس، فيما اكدت موسكو ان انتقادات روسيا لسياسة الهيمنة الاميركية، ليست ايذاناً ببدء حرب باردة جديدة. وأعلنت وارسو ان الرئيس جورج بوش سيزورها قريباً للبحث في قضية الدرع الصاروخية. في الوقت ذاته، اعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية كوندولزا رايس"التهديد"الروسي بنشر صواريخ في مواجهة الدرع الصاروخية الاميركية، بأنه امر"مؤسف جداً". وقالت رايس في برلين امس، ان واشنطن سبق ان شرحت لموسكو ان الدرع الصاروخية ليست موجهة ضدها. وبعد مرور اقل من يومين على تصريحات نارية اطلقها مسؤولون عسكريون روس حول استعداد موسكو لبناء اجيال جديدة من الصواريخ المتوسطة المدى وتوجيهها نحو بولندا وتشيخيا رداً على نيات الولاياتالمتحدة نشر نظام دفاع صاروخي مضاد للصواريخ هناك، شدد الكرملين على ان الموقف الروسي وانتقادات الرئيس فلاديمير بوتين الحادة للولايات المتحدة لا يعنيان انطلاق حرب باردة جديدة، معتبراً ان موسكو اثارت"اسئلة محرجة"على الغرب تقديم اجوبة عنها. واعتبر اناتولي سافونوف المستشار الخاص لبوتين لشؤون مكافحة الارهاب امس، ان قراءة متأنية للكلمة التي ألقاها بوتين في ميونيخ هذا الشهر عندما اتهم واشنطن بانتهاج سياسات تهدف الى جعلها السيد الاوحد في الشؤون العالمية، تظهر انه"يثير اسئلة مهمة من أجل حوار جديد". وأضاف سافونوف:"انه سؤال محرج لكن على الغرب ان يجيب عنه". وقال ان من بين الاسئلة التي تحتاج الى اجابات: لماذا تعتزم الولاياتالمتحدة نشر اجزاء من نظام دفاعي مضاد للصواريخ في بولندا وتشيخيا على رغم تعهدات حلف شمال الاطلسي في اوائل التسعينات بألا يقيم قواعد عسكرية على أراضي دول سابقة في حلف وارسو. وزاد:"هذا ما وعدونا به صراحة، فلماذا خدعونا؟". وكان بوتين وجه خلال مؤتمر ميونيخ اشد الانتقادات للولايات المتحدة، وهاجم مفهوم عالم"القطب الواحد"الذي تهيمن عليه واشنطن. وفي ما بدا انه عملية انتقاد للذات، قال سافونوف:"نحن لا نقول اننا نظام ديموقراطي يتسم بالكمال ولا نقول اننا نفذنا حملة لا غبار عليها في الشيشان. ان لدينا الكثير من المشكلات". في اشارة الى ملفات درجت واشنطن على انتقاد الكرملين بسببها. في المقابل، استغربت واشنطن الموقف الروسي الذي ظهر"وكأن الروس فوجئوا بنيات نشر المنظومة الصاروخية". وقال المسؤول في الكونغرس توم كيسي ان هذا الملف كان محور نقاش مع الروس منذ العام 2004 وعقد الطرفان"اكثر من عشر جلسات تطرق النقاش خلالها الى هذا الموضوع". بوش في غضون ذلك، اعلنت مصادر في وارسو، ان الرئيس الاميركي جورج بوش سيزور بولندا في حزيران يونيو المقبل، وينتظر ان تكون مسألة نشر الصواريخ الاميركية من بين الملفات المطروحة للبحث، وكانت بولندا وتشيخيا اعلنتا تأييدهما للاقتراح الاميركي وحملتا بعنف على"محاولات الابتزاز الروسية". لكن مسؤولين روساً ذكروا ان موسكو اعترضت على المشروع منذ بدء التلميح اليه واعتبرت انه يشكل خطراً على امنها الاستراتيجي وأبلغت واشنطن بهذا الموقف. وكان البعض في موسكو حذر من ان الخطوة الاميركية ستطلق سباق تسلح جديداً، ظهرت بوادره عندما اعلنت موسكو قبل ايام عزمها على الانسحاب من اتفاق الحد من انتشار الصواريخ المتوسطة المدى الموقع مع الاميركيين في العام 1987. موسكو تحشد اوروبياً وشهد اليومان الاخيران تنشيطاً ملحوظاً للديبلوماسية الروسية، هدف الى حشد موقف اوروبي معارض للمشروع الاميركي. وعقد مسؤولون روس وفرنسيون امس، جلسة محادثات في اطار"مجلس التعاون في شؤون الامن"الذي يضم وزراء الدفاع والخارجية في البلدين، فيما يستعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لعقد جولة محادثات في المانيا اليوم، ينتظر ان تتناول الملف ذاته، علماً ان المانيا كانت اعربت عن موقف مماثل لموقف موسكو حيال الخطة الاميركية. وأعلن لافروف عقب المحادثات امس ان المشروع الاميركي يشكل"مخالفة صريحة للمسائل المتفق عليها داخل حلف الاطلسي". وأوضح ان اعضاء الحلف وضعوا خططاً لتطوير انظمة دفاع صاروخية مشتركة، وقال ان هذه الخطط نوقشت مع موسكو، لكن المحادثات في هذا الشأن"تم تجميدها، ويتعاظم شعور بأن تعطيل تحقيق تقدم فيها جاء تلبية لرغبات اميركية بتطوير منظومات اميركية خاصة ونشر جزء منها في اوروبا بدلاً من المنظومات المشتركة". واضاف الوزير الروسي انه في حال واصلت واشنطن سياستها، فإن اسئلة ستطرح حول"مسائل الديموقراطية وآليات اتخاذ القرار داخل حلف الاطلسي"، في تلميح الى مساع اميركية الى فرض الهيمنة حتى على الحلفاء داخل الحلف الغربي.