على رغم مرور 18 سنة على تأسيس اتحاد المغرب العربي يضم الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا لم يتقدم مسار التكامل الإقليمي في المجالات التنموية قيد أنملة. وفي ذكرى ميلاده في السابع عشر من شباط فبراير من العام 1989، فإن المسار المتعثر أخفق بالتقليل من الفجوة التنموية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي، إذ أن الفارق بين المجموعتين بات يعادل 1 إلى 27 في الميزان الاقتصادي العام، مع أن المغاربيين يملكون عناصر قوة غير متوافرة لدى الأوروبيين، في مقدمها الوحدة اللغوية والثقافية. وتكفي الإشارة إلى أن مجلس الرئاسة المغاربي صدَق على 34 اتفاقاً كانت ستشكل نواة لوحدة جمركية ومقدمة لإزالة الحواجز الداخلية وإقامة سوق زراعية موحدة والتنقل ببطاقة الهوية بين البلدان الأعضاء، إلا أنها مازالت حبراً على ورق. لا بل إن مجلس الرئاسة لم يُعاود الاجتماع منذ قمة تونس في العام 1994. ويُكلف تأخير بناء التكامل الاقتصادي كل بلد من البلدان الخمسة خسارة تعادل 2 في المئة من النمو السنوي. وفي ظل تنامي الاحتقانات الاجتماعية، خصوصاً بسبب البطالة المتزايدة، واستحقاقات إقامة منطقة تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي، المُقررة للسنة المقبلة، يبدو إحياء مشروع الاندماج الإقليمي خشبة الخلاص الوحيدة لأكثر من 80 مليون مغاربي. وبسبب الآفاق المُقفلة في وجهها بات هم الأجيال الجديدة منصبّاً على الهجرة إلى الخارج بكل الوسائل، ما أدى إلى تفاقم ظاهرة الهجرة غير المشروعة التي قصفت أعمار مئات من الشباب الحالمين بپ"الجنة الأوروبية". وفي هذه المنطقة النامية التي تحتاج إلى جميع سواعد أبنائها هاجر خمسة ملايين من السكان الذين هم في سن العمل إلى أوروبا بحثاً عن وظيفة. ولم يقتصر الأمر على الخريجين العاطلين أو العمالة الماهرة وإنما شمل أيضاً العقول والكفاءات العلمية، فمن ضمن عشرة آلاف طبيب أجنبي يعملون حالياً في فرنسا هناك أكثر من سبعة آلاف طبيب جزائري. وعلى هذا الأساس تساءل الأمين العام الأول للاتحاد المغاربي مصطفى الفيلالي عمن"سيصنع مستقبل هذه الأوطان بعدما هجرتها قوى التغيير إلى الغرب"؟ تنسيق أمني نموذجي في مقابل الإخفاق الاقتصادي والشلل السياسي تعزز التنسيق بين أجهزة الأمن المغاربية، في السنوات الأخيرة، ما جعل هذا المجال أبرز حقل تكرست فيه الوحدة المغاربية. وفي الفترة الأخيرة شكل الكشف عن التنظيم المسلح الذي قاد الاشتباكات مع قوات الدرك والجيش في الضواحي الجنوبية للعاصمة التونسية مطلع السنة الحالية، منطلقاً لمرحلة جديدة من التنسيق وتبادل المعلومات ما مكّن من إلقاء القبض على عناصر يُشتبه بانتمائها الى خلايا نائمة في غير بلد مغاربي. وتمكن الجيش الجزائري، في ضوء المعلومات التي حصل عليها التونسيون من أعضاء التنظيم المعتقلين، محاصرة مجموعة مسلحة تابعة لپ"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"والقضاء على أفرادها الشهر الماضي في محافظة باتنة القريبة من الحدود المشتركة مع تونس، باستخدام أربع مروحيات عسكرية. وأتت العملية في أعقاب تمشيط واسع انطلق قبل أربعة أيام في ضوء معلومات أدلى بها المُعتقلون في تونس الذين تسللت غالبيتهم من الجزائر في مجموعات صغيرة عبر منطقة"بوشبكة"القريبة من محافظة القصرين التونسيةوباتنةالجزائرية. وكان وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني أكد أن جهازي الاستخبارات التونسيوالجزائري ينسقان مع بعضهما البعض منذ سنوات، ولم يستبعد ارتباط العناصر التي اشتبكت مع قوات الجيش في تونس بتنظيم"الجماعة السلفية للدعوة والقتال". وكان الرجل الثاني في تنظيم"القاعدة"أيمن الظواهري أعلن في 11 أيلول سبتمبر رسمياً مبايعة"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"في الجزائر لأسامة بن لادن زعيم"القاعدة". ومن ثمار التنسيق الأمني المغاربي تسليم السلطات الليبية عادل الحيان 20 سنة مغربي من الصويرة إلى سلطات بلاده الشهر الماضي مع إسلامي آخر ملقب بپ"أبي قتادة"24 سنة بعدما اشتبهت بكونهما يستعدان للتوجه إلى العراق للقيام بعمليات تفجير، ويوجد الشابان حالياً في سجن سلا. وشمل التنسيق جهازي الاستخبارات الإسباني والفرنسي اللذين ساعدا في استكمال بعض الملامح الغائبة من خارطة التنظيمات المسلحة وأدليا بمعلومات كانت مفيدة في الملاحقات. وشنت السلطات المغربية أواخر السنة الماضية حملات دهم أدت إلى اعتقال 26 مشبوهاً بتهم الانتساب إلى تنظيمات متشددة وارسال متطوعين الى العراق في مدينة تطوان شمال البلاد، بفضل التنسيق مع الاستخبارات الإسبانية على خلفية التحقيقات التي مازالت مستمرة للكشف عن التفرعات الدولية لمدبري الهجمات على قطارات مدريد. وشمل التحقيق الإسباني اعتقال أشخاص من بلدان شمال افريقيا، ورمى إلى رصد العلاقة بين مدبري هجمات قطارات مدريد وخلايا إرهابية كان عناصرها تلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة في معسكرات في منطقة الساحل جنوب الصحراء. ومعلوم أن تعاوناً وثيقاً بين استخبارات مدريد والرباط قاد الى تفكيك خلية سبتة التي أفيد بأنها كانت تخطط لتنفيذ هجمات ضد ثكنة عسكرية ومنشآت مدنية في المدينة. والأرجح أن دائرة التنسيق ستتوسع إذ أكد المسؤول عن جهاز مكافحة الإرهاب في المغرب خالد القاطبي، اثناء ترؤسه اجتماعاً لرؤساء أجهزة مكافحة الإرهاب العربية في تونس السنة الماضية بمشاركة وفود أمنية من ثمانية عشر بلداً، أن العالم العربي بات المنطقة"الأكثر عرضة للإرهاب والأكثر تضررا منه". وحضّ المسؤولين عن أجهزة مكافحة الإرهاب على العمل معاً والتنسيق الكامل"لتكريس التصدي لهذا الخطر المشترك". وشدد على ضرورة تكثيف التعاون في مجالات التكوين والتدريب وتبادل المعلومات والخبرات حول الشبكات الإرهابية و"تسهيل سن قوانين لتسليم المشتبه بهم والمطلوبين، إضافة الى تنسيق الجهود لقطع الموارد المالية والقواعد الخلفية للجماعات الإرهابية في أي منطقة من العالم العربي". وفيما يتقدم التعاون الأمني بوتيرة سريعة يتعثر التبادل التجاري المغاربي وتزداد الاتصالات البشرية بين بلدان المنطقة تعقيداً وقسوة بسبب استمرار غلق الحدود بين الجزائر والمغرب البلدين الرئيسين في المنطقة، خصوصاً بعد القرار الليبي بفرض التأشيرة على المواطنين المغاربيين عدا التوانسة. ومن دلائل ضعف العلاقات البينية أن المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية لا تتجاوز حالياً 5 في المئة فيما يزيد حجم المبادلات مع الاتحاد الأوروبي على 70 في المئة. وعزا محللون جمود المسار التكاملي إلى ضعف الدور الذي تلعبه المؤسسات الأهلية من أحزاب ومنظمات شعبية ونُخب مثقفة في دفع الحكومات إلى تجاوز خلافاتها وإعادة قطار التكامل إلى السكة. وما لم توجد قوة دفع تنبثق من داخل المجتمعات أسوة بالقوى التي حملت المشروع الأوروبي لدى ولادته في روما سنة 1958 سيبقى مشروع الوحدة المغاربية مؤجلاً إلى موعد مجهول.