يبدو أن لبنان يسير نحو سد الفراغ الرئاسي في الأيام المقبلة بفضل الترشيح المفاجئ للعماد ميشال سليمان، قائد الجيش اللبناني والورقة الجديدة لقوى 14 آذار التي صادقت رسمياً على ترشيحه. الواقع أن ميشال سليمان نجح منذ العام 2005 في بلورة صورة القائد العسكري غير المنحاز لأي طرف، لا سيما أنه لم يقدم على قمع أي من تظاهرات الأكثرية أو المعارضة. وقد بات يتمتع منذ الصيف المنصرم بهالة المنتصر العسكري إثر المعارك التي دارت بين الجيش ومجموعة"جهادية"في مخيّم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين. إلا أن هذا الإنجاز لا يخوّله أن يصبح مرشحاً توافقياً. فكان مرشّحو الأكثرية - تحالف 14 آذار - والولايات المتحدة الأميركية يرون فيه"منتجاً"خالصاً للوصاية السورية. وبالموافقة على ترشيحه، صرفوا النظر عن انتخاب رئيس ينتمي إلى صفوفهم. أما"حزب الله"وسورية وإيران فكانوا يفضّلون عليه رئيساً ضعيفاً كضمانة للوضع الراهن لسلاح المقاومة الإسلامية، في حين أن سليمان يعترض طموحات الجنرال ميشال عون الرئاسية. ولا شك في أن فرنسا كانت ترحب برئيس ينتخب نتيجة لنشاطها الديبلوماسي وفي الوقت المحدد. سارعت المعارضة إلى التنديد بالمناورة السياسية لتحالف 14 آذار والتشكيك في جدية ترشيح الجنرال سليمان. الواقع أن قوى 14 آذار لجأت فعلاً إلى"المناورة السياسية". لعلها وسيلة اعتمدتها للتخلّص من الجنرال عون وإقحام"حزب الله"في تناقضاته، هذا الحزب الواقع بين خيارين: دعم سليمان وبالتالي خيانة تحالفه مع عون أو دعم عون، مما يحمّله المسؤولية المباشرة عن الفراغ السياسي. لكن الوضع لا يقتصر على هذه الوقائع. فبعد مرور أسبوع على الفراغ الرئاسي، أدركت قوى 14 آذار أنه يستحيل إدارة شغور الموقع الرئاسي. من جهة، تحتاج الورشتان الأساسيتان اللتان تبني قوى 14 آذار مصداقيتها عليهما اتفاقيات باريس 3 لدعم لبنان اقتصادياً والمحكمة الدولية إلى حكومة شرعية لتسييرهما. ومن جهة أخرى، ظهرت إلى العلن داخل القوى السياسية المسيحية، بما فيها صفوف مسيحيي 14 آذار، اتهامات قائلة بمصادرة الحكومة برئاسة سني للموقع الرئاسي الذي يشكل امتيازاً مارونياً. ومع أن ترشيح سليمان لا يناسب أي طرف، إلا أنه"جدي"ولا يمكن حصره بمناورة سياسية بسيطة تقوم بها قوى 14 آذار لإقصاء عون. فليس ترشيح ميشال سليمان مجرّد السبيل الوحيد المتبقي، وإنما فرصة فعلية لتطهير النظام السياسي اللبناني. في البداية، ينبغي التنبه إلى أنه يتعذّر على هذا التوافق"الهش"تسوية أي مسألة باستثناء المشكلة الفورية للرئاسة من دون التطرق إلى عوامل الأزمة المستشرية في لبنان منذ العام 2005. فلا بدّ من أن يبقى سلاح"حزب الله"الشغل الشاغل لقوى 14 آذار والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. أما"حزب الله"فلن يتراجع عن مطالبته بالحصول على"حقه"في التعطيل. ومن المحتمل أن ينتقل النزاع حول الرئاسة إلى تشكيل الحكومة المقبلة وتحديد برنامجها السياسي الذي سيتولى النظر في مستقبل سلاح الحزب. وبوجود الميل إلى عرقلة النظام السياسي المحلي، قد ينزلق لبنان من وضع الحكومة من دون رئيس إلى وضع آخر هو وضع الرئيس من دون حكومة. لتفادي هذا الانزلاق، لا بدّ للولاية الرئاسية المقبلة أن تخفف من اهتمامها بالمسائل التي تزيد الانقسامات وتصب اهتمامها على مؤسسات الدولة. فيتولى الرئيس إدارة المسائل الرئيسية المرتبطة بالقررات الدولية التي أغرقت البلاد في الأزمة سلاح حزب الله ، والقرار 1559 بأسلوب تفاعلي. إلا أنه يتوجّب عليه إعادة الشرعية للنظام السياسي من خلال سبيلين: إعداد قانون انتخاب توافقي، وتفعيل المجلس الدستوري عبر توسيع اختصاصاته ليستطيع التحكيم في النزاعات الدستورية، تماماً كما لحظت وثيقة الطائف. فمن شأن إعادة الشرعية للنظام السياسي وتعزيزه بالانتخابات النيابية في العام 2009 أن يسمحا لهذا النظام بمعالجة مشاكل قد تتسبب بتقسيم البلاد بدءاً بسلاح"حزب الله"الذي يشكل أساس الأزمة التي يتخبّط فيها لبنان منذ أكثر من عام بقليل. قد تنجح هذه الصيغة في حماية استقرار لبنان خلال الوقت الضروري لإيجاد الإجابات على حجج"حزب الله"بشأن احتلال إسرائيل لمزارع شبعا، والانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي اللبناني، وعجز الجيش. ولا يفترض بالجنرال سليمان استهجان برنامج مماثل، وهو الذي أظهر في مناسبات عدة حرصه الشديد على المحافظة على التوازنات السياسية وخشيته من انحراف المؤسسة العسكرية عن الخط الوطني. * كبير المحللين المكلّف بالملف اللبناني في "مجموعة الأزمات الدولية" - بروكسيل