لن أنسى تنافسنا عندما كان يصل العدد الجديد من مجلة "العربي" الكويتية إلى المنزل آنذاك. لم يكن الاهتمام بالعربي الكبير يقلّ عن الاهتمام بالعربي الصغير. في المدرسة، ندخل المكتبة فلا تخطئ أعيننا أعداد مجلة"العربي"، وهي متراصة بحجمها المكتنز في أحد رفوف المكتبة. هواة جمع الطوابع والمطبوعات كانوا يتنافسون بأن أحدهم لديه أعداد مجلة"العربي"كاملة منذ صدورها. كان حجم ومحتوى مجلة"العربي"يفتح الشهية لاقتنائها وحفظها حتى بعد قراءتها، مما لم يكن مهيئاً لسواها من المجلات العربية محتوى ومقاساً، بحيث ينتهي مفعولها بمجرد الفراغ منها. كان حضور مجلة"العربي"طاغياً ومؤثراً، بحيث يمكن الزعم بأن اسم"الكويت"الذي حملته"العربي"وطافت به أرجاء العالم العربي وبعض البيوت العربية خارجه، كان ذا فعالية وتأثير أكثر ربما مما كان يمكن أن تقوم به"وزارة إعلام"كاملة! في بعض الأحيان، وسيلة إعلام واحدة تفعل تأثيراً يوازي وزارة إعلام كاملة، من مثل:"هنا لندن"، و"صوت العرب من القاهرة"و"مجلة العربي الكويتية". استمرت مجلة"العربي"في الصدور طوال خمسين عاماً، مقاومةً كل الظروف العسكرية الغزو العراقي، والاقتصادية كساد ما بعد الغزو، والتقنية ثورة المعلومات والاتصال، لتبقى حتى اليوم صوتاً كويتياً خليجياً عربياً يعلن أنه ما زال حياً رغم أحلك الظروف. مرّ على"العربي"خلال النصف قرن من حياتها أربعة رؤساء تحرير، بمختلف ذائقاتهم العلمية أو السياسية أو الفكرية أو الأدبية أو الاقتصادية، لكن أيّاً من أولئك الرؤساء لم يعبث بالهوية الأساسية للمجلة، ولذا حافظت"العربي"على شخصيتها الوقورة/ المشوّقة في الوقت ذاته، منذ: أحمد زكي ثم أحمد بهاء الدين ثم محمد الرميحي وحتى عبدالعزيز العسكري الآن، الذي زرته في مقر المجلة بالكويت قبل أربع سنوات، وكان بادياً عليه القلق من ترشيد الانفاق على المجلة في الوقت الذي يرى حاجة المجلة إلى المزيد من التطوير لتزاحم الإعلام الإلكتروني والفضائي. قلت له بكل حماس واندفاع: إذا كان لا بد من ترشيد الإنفاق، فأغلقوا وزارة الإعلام وأبقوا وزارة"العربي"! في تشرين الاول أكتوبر الماضي شهدنا سوياً إقرار المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو المشروع الذي تقدم به من الكويت سفيرها لدى اليونسكو الصديق الدكتور عبدالرزاق النفيسي من أجل إدراج الاحتفالية بمرور 50 عاماً على تأسيس وإصدار مجلة"العربي"، ضمن الاحتفاليات الثقافية للعالم في عام 2008. "العربي"تستحق هذه الاحتفالية بعد هذا العمر الطويل، لكنها أيضاً تستحق مراجعة وتقويماً لحقبتها المقبلة، حتى نضمن لها بإذن الله الاحتفالية القادمة بمرور مئة عام. تساؤلات كثيرة يتم طرحها حول خط"العربي"واتجاهها ومضمونها، وسبل تلقيها من لدن القارئ... ورقياً أو إلكترونياً؟ وسؤال آخر ليس جديداً على"العربي"وأهلها، عن هوية مجلة"العربي"، هل هي مجلة كويتية توزع في العالم العربي... أم هي مجلة عربية تصدر في الكويت؟! جدلية"الهوية"تقوم على أساس محتوى المجلة... هل يجب أن يكون شؤوناً كويتية أو بأقلام كويتية، أم أنها يجب أن تبقى عربية كما هي الآن لكن دون أن تخلو من"الكوتتة"؟! المؤكد أن خلو"العربي"من أي بصمة كويتية كما كانت قي سنيها الأولى، سيجعلها كويتية فقط من حيث التمويل ومكان الإصدار، وهو ما قد لا يفطن له بعض قرائها. لكن الأكثر وضوحاً هو أن حماس الهوية الذي يدعو إليه بعض قراء"العربي"بإظهار هويتها الكويتية قد يحيلها إلى مطبوعة محلية مثل سائر المطبوعات الكويتية الأخرى، وبالتالي فلن يعود هناك مبرر لهذا الوهج الذي تلقاه"العربي"في نواحي العالم العربي وسواه. "العربي"يجب أن تحافظ على معادلة الهوية الكويتية - العربية، مع الاعتبار للوزن النوعي والكتلة وحجم أطراف المعادلة، حتى تستمر - كما هي الآن - عزاء القارئ العربي الجاد، أمام سيل المطبوعات الاستهلاكية. وكل 50 عاماً و"العربي"بخير. * سفير المملكة العربية السعودية لدى اليونسكو