انقلب موقف العالم من الأميركيين بين ليلة وضحاها. فقبل نحو أسبوع، كان الأميركيون مطلقي صواريخ مجانين. واليوم، بعد تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية عن إيران، أصبحوا أغبياء وساذجين. ويجمع المراقبون على ان إدارة بوش لن تقدم على توجيه ضربة عسكرية الى إيران، ولن تنجح في حمل مجلس الأمن على فرض عقوبات جديدة على إيران. وتغيرت الأدوار السياسية التقليدية في المجتمع الدولي. فالبريطانيون والفرنسيون مستاؤون من الأميركيين. فهم على يقين من أن الإيرانيين يسعون الى حيازة القنبلة النووية. وتتوجس دول الخليج العربية، وهي لطالما نددت بعدائية الولاياتالمتحدة ونازعها الى الحرب، من ان تقدم واشنطن على إبرام صفقة مع إيران. ويعزو سياسيون أميركيون وأوروبيون خلاصة تقرير الاستخبارات الأميركية الى إرادة الوكالة جهر استقلالها عن الطاقم السياسي، والحؤول دون شن حرب على إيران. ويستبعد المراقبون العرب هذه النظرية، ويعجزون عن تصديق ان الاستخبارات الأميركية، وهي جزء من الإدارة الأميركية، قد تخالف الرئيس جورج بوش، وتقوض صدقيته. والحق ان تقرير الاستخبارات الأميركية يترك خياراً وحيداً أمام بوش، وهو إجراء مفاوضات سياسية مع إيران، أو الانفتاح الديبلوماسي والاقتصادي والتكنولوجي الأميركي عليها إذا أوقفت برنامجها النووي. ولكن إيران لن تتخلى عن برنامج التسلح النووي. فحيازة القنبلة النووية مشروع يحظى بتأييد الإيرانيين، على مختلف انتماءاتهم السياسية، وهو رمز سياسة قومية فحلية. ويزعم الإيرانيون ان القنبلة الذرية هي ضرورة استراتيجية في محيط معاد لهم. وتسعى إيران الى بسط نفوذها في منطقة الخليج. ويحلو لها تسمية هذه المنطقة بالخليج الفارسي. ولكن تنامي نفوذ إيران في الخليج هو رهن تقليص الوجود العسكري الأميركي في بلدان الخليج. ولا ريب في ان الأميركيين لن يسلموا أمن منطقة تختزن 60 في المئة من احتياطي النفط في العالم، و40 في المئة من احتياطي الغاز، الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولن يبرموا، تالياً، تحالفاً استراتيجياً مع إيران. وجلّ ما قد يفضي إليه تحسن الأمور بين هذين البلدين هو تعايش لا يرقى الى حلف أو صداقة بينهما. عن جدعون رشمان، "فاينانشيال تايمز"البريطانية، 10/12/2007