تكثفت أمس الاتصالات الدولية والعربية باتجاه دمشق، عشية المحاولة التاسعة لعقد البرلمان اللبناني جلسة اليوم تخصص لتعديل الدستور، إفساحاً في المجال أمام انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فيما نشطت الاتصالات غير المباشرة على جبهة الأكثرية والمعارضة للبحث عن مخرج لتعديل الدستور، من شأنه ألا يحرج القوتين المتصارعتين في البرلمان، وينطلق من عدم الطعن بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، في مقابل عدم تثبيت شرعيتها راجع ص 7. وعلى رغم ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يعتبر كما تقول أوساطه ان الجلسة النيابية ما زالت قائمة، وستنعقد اليوم، إلا إذا بادرت الأكثرية الى إعلان عدم رغبتها في النزول الى ساحة النجمة في حال لم تخصص الجلسة لتعديل الدستور كمدخل لانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، فإن مصادر قيادية في 14 آذار أكدت ل"الحياة"ان اتصالات دولية وعربية ضاغطة بدأت تستهدف دمشق منذ أيام، لمطالبتها بتسهيل انتخاب الرئيس، باعتبار ان المشكلة ليست في موقف المعارضة وإنما عندها تحديداً، خصوصاً أنها سارعت من خلال الاتصالات الى فتح بازار تجاوزت فيه الشروط الخاصة بالتعيينات الإدارية والأمنية الى حصة المعارضة في الحكومة لجهة تمثيلها ب13 وزيراً في مقابل 17 وزيراً للأكثرية. وتوقفت المصادر ذاتها أمام موجة التفاؤل التي أخذت تشيعها قيادات في المعارضة، خصوصاً الرئيس بري وآخرين على صلة وثيقة بمركز القرار السياسي في دمشق، وقالت ان لا أساس لها لدى قوى 14 آذار، نظراً الى ان دمشق ما زالت تتمسك بتمثيل المعارضة ب13 وزيراً، وهذا ما ترفضه الأكثرية. وعزت التفاؤل"المدروس"الذي سارعت الى توزيعه قوى رئيسة في المعارضة، الى انها تخشى ان يكون هدفه استباق التحضيرات الجارية اليوم في باريس لعقد اجتماع دولي - عربي على هامش مؤتمر الدول المانحة للمساعدة على قيام الدولة الفلسطينية، وذلك بغية تخفيف حدة الموقف الذي سيصدر عن وزراء خارجية هذه الدول ضد سورية، ويحملها مسؤولية استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان. وبكلام آخر، رأت المصادر عينها ان الاجتماع الدولي - العربي الذي سيعقد في باريس اليوم، على هامش مؤتمر الدول المانحة، سيكون على غرار مؤتمر عقد اخيراً في تركيا، على هامش اجتماع دول الجوار للعراق، ولكن، هذه المرة سيكون حاسماً اذا لم تسارع دمشق الى اعادة النظر في موقفها لمصلحة الإسراع في تعديل الدستور اللبناني تمهيداً لانتخاب سليمان. واعتبرت المصادر انه لن يكون في إمكان دمشق استيعاب رد الفعل الدولي ? العربي على اتهامها بتأخير إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لا سيما ان المجتمع الدولي يتعاطى مع موقف المعارضة وكأنه ارتداد سياسي للقرار السوري الرامي الى ربط عملية الانتخاب بسلة من الشروط السياسية التي ترفضها الأكثرية، ولا تبدي حماسة في الاتصال بزعيم"تكتل التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون الذي كانت المعارضة فوضته التفاوض مع الأكثرية، علماً ان الأكثرية اشترطت اولاً وأخيراً الانصراف الى تعديل الدستور لانتخاب سليمان كشرط للبحث في الملف السياسي على قاعدة التسليم بدور المؤسسات الدستورية على هذا الصعيد. وكشفت مصادر ديبلوماسية أوروبية اتصالاً أجراه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بنظيره السوري وليد المعلم، وقالت ان باريس لم توجه دعوة الى الأخير لحضور مؤتمر الدول المانحة، مشيرة ايضاً الى انها لا تستبعد اتصالاً في الساعات المقبلة بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ونظيره السوري بشار الأسد، في محاولة أخيرة لإقناع دمشق بضرورة تسهيل انتخاب الرئيس في لبنان، التزاماً بالتعهدات التي كانت قطعتها وتأكيدها أنها مع الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي. ومع ان مصادر حليفة لسورية في بيروت، قالت ان دمشق لم تقرر في الأساس حضور مؤتمر الدول المانحة، بالتالي هي ترفض الضغوط التي تمارس عليها وتنصح بالالتفات الى قوى المعارضة في لبنان، وقالت المصادر الديبلوماسية الأوروبية ان لدى المجتمع الدولي توجهاً لتصعيد الموقف من دمشق، على خلفية إعاقتها انتخاب سليمان. وأشارت الى توافق أوروبي ? أميركي ? عربي على إجراء الانتخابات اليوم قبل الغد، نظراً الى ما يترتب على الفراغ في سدة الرئاسة من تداعيات أمنية وسياسية، تنذر بجر البلد الى حال من الفوضى"المنظمة". وكشفت المصادر عن الدور الضاغط لتركيا على سورية، وقالت ل"الحياة"ان الاتصالات لم تنقطع بين الرئيس الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأن مستشار الأخير أحمد اوغلو الذي زار بيروت سراً الخميس الماضي، لا يزال على اتصال بقيادات في الأكثرية اضافة الى بري. ورداً على سؤال، أوضحت المصادر ان الأكثرية رفضت العرض السوري بتمثيل المعارضة ب13 مقعداً وزارياً في حكومة مشكلة من 30 وزراً، وهو العرض الذي نقلته انقره بالنيابة عن دمشق، الى قيادات في 14 آذار. ونقلت المصادر عن قيادات في الأكثرية انها ترفض وضع شروط على انتخاب العماد سليمان، فيما نقلت مصادر نيابية عن بري ان توزيع الحقائب الوزارية"اصبح محسوماً، وهذا ما توصلنا إليه مع رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري في حضور كوشنير". لكن مصادر في تيار"المستقبل"قالت ل"الحياة"ان البحث بين الحريري وبري تمحور حول تعديل الدستور لانتخاب سليمان، وأن إعلان النيات الحسنة من قبلهما بقي محصوراً في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع أوسع تمثيل للكتل النيابية، وفي وضع قانون انتخاب عادل ومنصف. تحرك خوجة وبقي سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان عبدالعزيز خوجة طوال اليومين الماضيين على تواصل مع بري من خلال النائب علي حسن خليل، وكذلك مع السنيورة والنائبين الحريري وبهيج طبارة، إضافة الى القائم بالأعمال الفرنسي السفير اندريه باران، داعياً الجميع الى ضرورة التهدئة والعمل"لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي من الفراغ الذي لن يكون لمصلحة احد وإنما سيرتد سلباً على البلد ككل الذي نحرص على وحدته وسيادته واستقراره". ونقلت مصادر ديبلوماسية أوروبية عن باران قوله ان ما جرى بين بري والحريري في حضور كوشنير اقتصر على البحث في تعديل الدستور لانتخاب سليمان، وأن الحديث عن الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب بقي في العموميات ولم يتطرقا الى التفاصيل في شأن الوزارة العتيدة، سواء في ما يتعلق بنسبة تمثيل الأطراف أو بعدد الوزراء. كما نفت مصادر في الأكثرية ما أخذت تشيعه المعارضة من ان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش ابلغ قيادات في 14 آذار ان واشنطن تدعم كل خياراتها، بما فيها اللجوء الى انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً. وقالت ان الموفد الأميركي لم يحمل أي جديد، سوى انه حضر الى بيروت للمرة الأولى بعد ارتفاع اسهم سليمان كمرشح توافقي للرئاسة، وأن مجرد مجيئه يدحض ما كان يقال من ان ادارته تقف ضد تعديل الدستور. وتابعت ان"الأكثرية ليست في وارد اللجوء الى انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً، على الأقل في المدى المنظور". وقالت انها ما زالت على موقفها الثابت بدعم ترشح سليمان، معتبرة ان"المعارضة تحاول باستمرار التشويش على مواقف الأكثرية التي فاجأتها بمواقفتها على تعديل الدستور لمصلحة سليمان، بخلاف ما كانت تراهن عليه، إذ ترى ان موقفها الأكثرية مجرد مناورة للهروب الى أمام". ونقلت عن ولش قوله انه أكد للأكثرية ان واشنطن لست في وارد الدخول في أي حل على حساب لبنان، وأن عقد مؤتمر انابوليس لم يكن ضد الحفاظ على سيادة هذا البلد واستقلاله، أو للتفريط بالإنجازات التي حققتها قوى 14 آذار". ولفتت المصادر ذاتها الى أهمية التحرك التركي باتجاه دمشقوبيروت، وقالت ان سورية"تحسب ألف حساب لرد الفعل التركي على عدم التزامها ما وعدت به لتسهيل انتخاب الرئيس"اللبناني. اما على صعيد موقف بري الذي تردد أنه صرف النظر عن بيان كان يعتزم إصداره أمس، فنقلت عنه أوساط انه بات الآن اكثر تفاؤلاً، وأن تفاؤله مبني على معطيات جديدة و"سيتوجه غداً اليوم الى البرلمان وإذا قدّر لنا سنعقد الجلسة التي ما زال مصيرها رهناً باتفاق يمكن ان يحصل بين لحظة وأخرى، خصوصاً ان هناك حركة عربية ودولية تواكب المساعي الهادفة الى تحقيق انفراج في انتخاب الرئيس".