لا يعرف النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تشايك فرايلخ، كيف يمكن العثور على حل لمحاربة التسلح النووي الإيراني والدور الإسرائيلي في ذلك، في وقت يحتل الملف الإيراني رأس أولويات العسكريين والسياسيين في إسرائيل بحيث يتجندون لدحض تقرير الاستخبارات الأميركية الذي يؤكد ان إيران توقفت عن صناعة القنبلة النووية منذ أربع سنوات على الأقل. الإسرائيليون يتحدثون بثقة ان التقارير التي عرضت على الإدارة الأميركية في أثناء الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة، ايهود اولمرت، ووزيري الخارجية تسيبي لفني والدفاع ايهود براك تعتمد على أدلة ووثائق تؤكد أن إيران ستصل حتى نهاية عام 2008 أو مطلع 2009 الى نقطة اللاعودة في صناعة القنبلة النووية. ولم تكتف بذلك بل خصصت اجتماع المجلس الأمني المصغر الأخير لها للبحث في الموضوع وفي كيفية مواصلة الحملة الدولية ضد إيران من دون المساس بالاستخبارات الأميركية وتقريرها. وكُلّفت أجهزة الاستخبارات الخارجية لإعداد تقارير جديدة مرفقة بأدلة تثبت الموقف الإسرائيلي. وتدعي الاستخبارات ان ما تحتفظ به في ملفاتها السرية يشير الى أن إيران تطور برنامجاً ثالثاً تنفذه في منتهى السرية بحيث ستستخدم فيه أدوات خفية لتخصيب اليورانيوم. البرنامج الإيراني، بحسب الإسرائيليين، سينتهي في غضون فترة قصيرة تكون فيه إيران قد وصلت الى نقطة اللاعودة. وتتخوف إسرائيل ان تكون كوريا الشمالية قد قدمت لإيران دعماً يساعدها على إنجاز خطتها من دون عراقيل. والجهود الإسرائيلية لا تتركز في الجانب الأمني والعسكري فحسب بل السياسي أيضاً، فقد أعدت وزارة الخارجية دراسة استخلصت فيها ان الوضع السياسي للرئيس الأميركي، جورج بوش، يقيده ولا يساعده على اتخاذ خطوات جريئة في مواجهة الملف الإيراني. وفي هذا تلميح الى إمكان تقرير الاستخبارات الأميركية أهداف سياسية لتبرير عدم الاستمرار في الحملة لمحاصرة إيران وتهديدها. وبالنسبة الى معدي البحث فإن الخلافات داخل الإدارة الأميركية واقتراب موعد انتهاء ولاية بوش تجعلانه ضعيفاً وغير قادر على اتخاذ قرار في توجيه ضربة عسكرية لإيران. والواضح ان التقرير الإسرائيلي لا يعكس فقط الأزمة التي يعيشها بوش، وهو المتخبط في ورطة العراق وباكستان وأفغانستان، بل يعكس أيضاً أزمة إسرائيل التي ما زالت تضمد جراح حرب لبنان في انتظار التقرير النهائي للجنة فينوغراد التي حققت في إخفاقات هذه الحرب. وفي مثل هذا الوضع لا يمكن لأميركا ولا لإسرائيل المغامرة في حرب مع إيران غير معروفة نتائجها وهذا ما يدخلهما في أزمة تظهر ملامحها في تصعيد الحملة الدولية التي تقودها إسرائيل ضد إيران. وأمام الوضع الذي يمر به بوش فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية اعتبرت التقرير الأميركي"المسمار الأخير في نعش الحملة العسكرية المحتملة للأميركيين في إيران"، الأمر الذي لا يروق لأوساط عسكرية وأمنية إسرائيلية ما دفع بعضها الى التلميح الى ان إسرائيل لن تكون قادرة على الصمت أمام عجز المجتمع الدولي عن معالجة الملف الإيراني ديبلوماسياً أو عبر تشديد العقوبات الاقتصادية في وقت تشكل إيران خطراً على وجود إسرائيل. وتحت هذه النظرية يعلنون ان إسرائيل ستكون مضطرة الى تحمل مسؤولية الملف الإيراني لوحدها. هذا الموقف يزيد الخلاف داخل المؤسستين العسكرية والسياسية الإسرائيلية. رئاسة الحكومة الإسرائيلية حذرة جداً من الانجرار خلف رأي عسكريين ويكمن خوفها اكثر من موقف الرأي العام الأميركي من اتهامها بجر أميركا الى حرب مع إيران، مثلما اتهمت إثر الاحتلال الأميركي للعراق. ولتفادي مثل هذا الموقف أعلنت تسيبي ليفني ان إسرائيل على قناعة بفعالية العقوبات الاقتصادية ودعت المجتمع الدولي الى اتخاذ خطوات حازمة لتشديدها. لكن ايهود براك لم يكتف بهذا القول ورأى ان هذه الخطوات مهمة ولكن هناك مجالات أخرى يمكن لإسرائيل ان تواجه عبرها التسلح النووي رافضاً الدخول في تفاصيلها ولكن يمكن الفهم انه لم يسقط من حساباته الضربة العسكرية. أما اولمرت، الذي يمر في فترة حساسة تهدد مكانته السياسية، فقد أكد ان إسرائيل ستواصل تنسيق خطواتها مع الأميركيين على ان تكون الخطوة الأولى إقناعها بعدم صحة تقرير الاستخبارات وصدقية التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية. وقد ساعدها في ذلك كثيراً موقف الاستخبارات البريطانية التي تحفظت من تقرير الاستخبارات الأميركية وقالت ان إيران خدعت الغرب. ببثها إشارات تضليلية تظهر انها أوقفت مشروعها، بينما هي في الواقع مستمرة فيه. الباحثون والخبراء الإسرائيليون انشغلوا هم أيضاً في البحث عن حلول ولم يسقطوا من توقعاتهم إمكان طرح الملف النووي الإسرائيلي واحتمال قيام حملة دولية تضغط على إسرائيل للكشف عن أسرارها النووية. وفي هذا المجال يرى نائب الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فرايلخ، ان خطوة كهذه غير مواتية لمواجهة الملف الإيراني. فهي من جهة ستكون سلبية لإسرائيل ومن جهة أخرى لن تقدم جديداً للإيرانيين يغيّر من الوضع الحالي. الحلول التي يضعها العسكريون والخبراء تركز في الأساس على البديل الذي يمكن لإسرائيل ان تسلكه في حال أعلن نهائياً ان أميركا تراجعت عن الضربة العسكرية. الباحثون لم ينجحوا في التوصل الى حلول عملية وكما قال فرايلخ فحتى الصلوات للرب لن تجدي الإسرائيليين نفعاً. وفي بحثه يناقش سبعة احتمالات عدا ما يخص الكشف عن الأسلحة النووية الإسرائيلية: - أسلوب التهديد الأميركي لإيران إزاء أية خطوة تتخذها ضد إسرائيل لن يجدي كثيراً برأي فرايلخ الذي يقول:"ان تهديد أميركا حالياً بهجوم على إيران في حال وجهت ضربة نووية لإسرائيل أو غيرها من الدول لن يحقق تقدماً في القضية كون إيران مدركة جيداً ان مجرد وجود هذا السلاح لديها فلا إسرائيل أو أميركا ستجدان الجرأة على تنفيذ هجوم ضدها". - الفرضية الثانية التي يضعها فرايلخ هي توقيع معاهدة دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن هذا الاحتمال سيكون مرفوضا من قبل العسكريين لأنه سيجعل إسرائيل ملزمة بالقرارات الأميركية وبالتالي سيتقيد الجيش الإسرائيلي في كل خطواته العسكرية. - أما احتمال الضمانات الدولية لإسرائيل فهذا أيضاً غير مقبول لأن إسرائيل ترفض في كل خطواتها أية تدخلات دولية. وفي السياق الدولي يناقش فرايلخ إمكان تشكيل شبكة دفاع إقليمية بغطاء أميركي وهذه ستضم دولاً عربية وإسلامية. طبعاً هذا الجانب غير وارد لأن الدول العربية سترفض أية شراكة مع إسرائيل طالما تواصل احتلالها وتمتنع عن تسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والعربي، وفي المقابل إسرائيل لن تقبل ذلك لأنها ستجد نفسها ملزمة بتنفيذ مطالب الدول العربية وفي مقدمها الكشف عن برنامجها النووي. ولا يسقط الباحث من حساباته إمكان بذل جهود مكثفة لإسقاط النظام الإيراني الحالي لكنه يجيب على ذلك بالقول إنه أمر غير عملي، ويضيف:"بعد مرور 28 عاماً على هذا النظام في الحكم، من المشكوك فيه أن تنجح خطوة كهذه". أما الجانب الذي يراه الباحث اكثر جدية من جميع الاقتراحات فهو دفع عملية السلام في المنطقة والتقدم على المسارين الفلسطيني والسوري. ويشارك في رأيه هذا كثيرون ممن يرون ان سلاماً مع سورية سيقلل من احتمالات المواجهة بين إسرائيل وسورية ويقول فرايلخ:"النجاح في دفع عملية السلام الى الأمام سيخفض من تأثير إيران في المنطقة وبالتالي سيقلل من احتمالات الاحتكاك العنيف بين إسرائيل وإيران. وبرأيه فإن هذا امر جيد لكنه غير مناسب حالياً لأن حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة لن توافقا على اتخاذ قرارات جوهرية إزاء السلام مع الفلسطينيين أو مع سورية، بسبب التهديد الإيراني النووي". أمام هذا الوضع فان إسرائيل، وكما يرى محللون، اختارت طريقاً قديماً جديداً تجاه إيران بإظهار نفسها ضحية. هكذا تصرفت قبل حرب عام 67 عندما روجت ان العرب يريدون رميها في البحر وعليها الدفاع عن نفسها. واليوم تقول إن إيران تريد أن تبيدها وما عليها إلا الدفاع عن نفسها. وتحت هذه المظلة يروج العسكريون والأمنيون لموقفهم الى درجة المبالغة، إذ تكثف الجبهة الداخلية في الجيش قوات الدفاع المدني من تدريباتها في البلدات على حال الطوارئ وتزويد المستشفيات والمدارس والسلطات المحلية بالحاجيات الضرورية لمواجهة أي هجوم بالسلاح التقليدي وغير التقليدي. وقد أقاموا ملاجئ محكمة تحت الأرض ويبحثون في إمكان تحويل مواقف سيارات في تل أبيب ومدن أخرى الى ملاجئ. وذكر مسؤول في سلطة محلية عربية ان رفع الاستعداد لحالة الطوارئ في البلدات اليهودية يجري بوتيرة عالية الى حد ان المسؤولين فيها اتفقوا مع الحاخامات على تزويدهم بكل ما يتطلبه الأمر في وضع يسقط عدد كبير من الضحايا بينها إعداد كمية من النعوش. الجيش الإسرائيلي من جهته بدأ منذ اكثر من سنة في الاستعداد لضربة عسكرية على إيران وقد خصص 4 بلايين دولار لبناء قوة جاهزة لهذا الاحتمال. وقد صرفت حصة الأسد من الموازنة على تدريبات لسلاح الجو على عملية طويلة المدى تحتاج خلالها الطائرات الى التزود بالوقود وهذه التدريبات أُجريت في مرحلة معينة بمشاركة قوات أميركية. وطورت إسرائيل صورايخ ارض- ارض فور انتهاء الحرب على لبنان كما طورت بطاريات صواريخ طويلة المدى، كما قام الجيش بتطوير السفن البحرية من نوع"الدولفين"وفي بنائها قالت إسرائيل انها استخلصت العبر من عملية"حانيت"، السفينة الحربية التي ضربها"حزب الله"بصاروخ متوسط المدى خلال حرب لبنان وقتل أربعة من الجنود على متنها. الاحتياطات في سلاح البحرية شملت أيضاً استعداد السفن الإسرائيلية لتوجيه ضربة الى إيران وبالمقابل تحملها أقسى الضربات المتوقعة من إيران. وفي هذه الأثناء يجري تطوير قمر اصطناعي تجسسي جديد يمكنه ان ينقل الصور من أماكن داخلية وفي غاية الحساسية. ويكرس القادة العسكريون الإسرائيليون أبحاثهم في هذه المرحلة، حول جدوى توجيه ضربة عسكرية لإيران ومدى قبول دول الغرب لأن تقوم إسرائيل منفردة بها. وبعد تقرير الاستخبارات الأميركية، الذي يرونه في تل أبيب بمثابة إعلان انسحاب من الحرب على إيران، تتزايد الأصوات الإسرائيلية التي تحذر من خطورة حرب إسرائيلية منفردة ضد إيران.