قالت لي نينا: "عندما تنتظرين طفلاً، تبدأ الذكريات بالتوارد، تتذكرين نفسك عندما كنت صغيرة، وأي طفلة كنت. ذات يوم وأنا أفكر بطفلتي المقبلة فاجأني سؤال مرَّ على خاطري، كم من الأسرار أخفيتها عن والدي؟ والأهم، لماذا؟". تلوح في ذاكرتها كثير من الأسرار والأمور الصغيرة التي عاشتها مع رفيقات طفولتها في حديقة المجمع السكني حيث قضين غالب أوقاتهن في تلك السنوات. منها لغة الإشارات والرموز التي اخترعنها للتخاطب في سنوات الدراسة الأولى، كي لا يفهم الآخرون فحوى أحاديثهن. هكذا قسمت نينا ورفيقاتها العالم الى قسمين، واحد"مختار"يمكن مقاسمته الأسرار، وآخر فيه"غرباء"لا ينبغي اطلاعه على كل شيء. اخطر أسرار نينا كان عندما حصلت على بطاقة عضوية في أحد المسابح. كان عمرها تسع سنوات، وشعرت للمرة الأولى في حياتها بالاستقلالية، لأن والديها سمحا لها بارتياد المسبح وحدها. في البداية كانت تسير مزهوة بوحدتها من دون رقيب، لكنها لم تلبث ان أهملت المسبح، على رغم حبها للسباحة، والسبب انها كانت تضطر الى خوض سباقات رياضية متواصلة بحسب المنطق الذي كان سائداً آنذاك ما جعلها تنفر من السباحة التي كانت بالنسبة اليها هواية محببة ليس اكثر. لكن، لم يكن بمقدورها ان تعلل أسباب هجر المسبح لوالديها، ما دفعها الى إخفاء الحقيقة، وقضاء الأوقات المخصصة للسباحة بالتنزه، وكي تكتمل لعبتها الصغيرة، حرصت في كل مرة ان تسارع فور وصولها من"المسبح"للاغتسال وغسل ملابس السباحة. استمر هذا الوضع حتى فصلتها إدارة المسبح بسبب التغيب المتواصل. كان هذا أول سر جدي يملأ حياتها، وتحرص على إخفائه عن والديها، وقد تحول الى كذب. لكن والدي نينا سامحاها على الكذبة - السر، عندما علما بها، كما سامحاها في مراحل لاحقة على أسرار صغيرة أخرى، منها عندما اشترت أول علبة مساحيق تجميل، وأيضاً عندما تعرفت الى أصدقاء جدد لم ترغب بتعريفهم الى أسرتها، لأنها ظنت ان والديها لن يرحبا بهم. الآن، عندما تفكر في تلك الأيام وهي تنتظر طفلاً، تدرك نينا كم كان الأمر صعباً على والديها، وغدا السؤال الذي يؤرقها كثيراً، هل ستستطيع ان تتجنب وجود أسرار عند تعامل طفلها معها، وهل سيكون بمقدورها ان تبني علاقات تقوم على الثقة الكاملة معه؟ هذه الهواجس قادتها الى شبكة الانترنت حيث وجدت على موقع أحد مراكز الطب النفسي نافذة تحمل عنوان: أسرار المراهقين. خبراء المركز أوضحوا لها، انه لا يمكن تجنب احتفاظ الطفل بأسرار يخفيها حتى عن اقرب المقربين، وان المهم ان نعرف أين ينتهي العالم الطبيعي لخيال المراهقين، وتبدأ مرحلة الكذب، الذي يمكن ان يؤدي الى مأساة. الأكيد ان أحداً لا يعلم من أين يولد في وعي الطفل أول ميل نحو التكتم. ثمة أشياء تنتقل من الكبار، وأشياء أخرى تظهر وحدها في مراحل النمو المختلفة. ففي لحظة ما، يدرك الطفل فجأة انه قادر على القيام بأشياء من دون رقابة الآخرين. مثلاً عندما تضعه ماما في السرير، ويشعر ان لديه بعض الوقت ليفعل ما يريد من دون ان تراه، يستمتع الطفل عفوياً بحال القلق التي تولدها قدرته على القيام بأشياء خفية صغيرة. أما في المرحلة بعد السنوات الخمس الأولى فيتوحد الأطفال في دراستهم للعالم من حولهم، ومهما كانت رقابة الكبار صارمة يبدأ الطفل في هذا العمر برسم ملامح عالم خاص، عالم طفولي سري يرى الخبراء ضرورة عدم هدمه. وتقول الخبيرة النفسية اوكسانا اورلوفا ان الميل لإخفاء أسرار صغيرة يسيطر على غالبية الأطفال، وتفسيره بسيط، فهو محاولة لامتلاك حيز خاص، وفق منطق"لعبتي لي وحدي وليست لأحد غيري، وفضائي لي، وليس لأحد غيري". هذه الأسرار برأي الخبيرة مرتبطة بنزوع نحو الاستقلالية عن الوالدين، او بالعكس من ذلك، محاولة للفت أنظار الآخرين، والشعور بأهمية خاصة ،"اعرف ما لا يعرفه الآخرون". وأكثر من ذلك فإن الأسرار تساعد الطفل على امتلاك شعور الاستقرار والثقة بالنفس، فهو أخفى شيئاً في مكان ما، وعاد لاحقاً ليجده في المخبأ نفسه. أما المراهقون فيبدأون بإخفاء ليس الأشياء وإنما العواطف، والمشاعر التي لا يمكنهم لسبب او آخر ان يعلنوا عنها في البيت. وبحسب الخبرة نفسها، من هنا تتولد الرغبة باقتناء دفتر مذكرات عادة ما يخفيه المراهقون أيضاً في مكان سري! وفي هذه الفئة من"الأسرار"يمكن إدراج العلاقات مع المحيطين الذين برأي الفتى او الفتاة لن يكونوا موضع ترحيب من جانب الوالدين. المهم كما يؤكد الخبراء انه في كل حالات"الأسرار الصغيرة"لا شيء يستدعي الخوف، فحتى الصغار ينبغي ان يكون لهم فضاؤهم الخاص، للأشياء وللعواطف، ويختلف الأمر فقط عندما يتحول السر الى كذب لا تحمد عقباه. وهنا من المهم جداً ملاحظة ما اذا كانت العلاقة أصلاً بين الصغار والكبار تقوم على الثقة، فالدراسات دلت على ان في العائلات التي فيها كبار متسلطون يزيد ميل الأطفال نحو الأسرار، وتظهر فئة من الأسرار اكثر خطورة، مثل السرقة، وهي تبدأ في السابعة او في الثامنة، وتعاطي المخدرات او الكحول، التدخين، وهذه كلها تبدأ عادة في عمر 11 سنة. هذه الممارسات يمكن ان تكون تجارب لمرة واحدة ونوعاً من الاحتجاج على السيطرة المفرطة وكذلك محاولة لجذب الانتباه، لأن الطفل يمكن ان يفكر ان الكبار سيهتمون به اكثر عندما يرتكب أخطاء، لذلك، بحسب أورلوفا، من المهم جداً الحفاظ على التوازن في العلاقة مع الطفل، ومنحه الحرية ليعبر عن نفسه لكن في الوقت نفسه منحه أقصى درجة ممكنة من الاهتمام ويمكن رسم حدود وحواجز من دون ان يكون الهدف كسر إرادة صاحب الأسرار الصغيرة.