قبل سنتين، وعشية الانتخابات العراقية، وقف الرئيس بوش في قاعة الأكاديمية العسكرية في أنابوليس ليلقي"خطاب خطة النصر". كان المستمعون جنوداً، بعضهم ذاق أهوال الحرب، وبعضهم يستعد لتلبية أوامر القائد. لكن كثيرين ممن صفقوا له، وقوفاً، قضوا لاحقاً في المعارك وما زال النصر بعيد المنال. وبعد سبع سنوات من وجوده في البيت الأبيض، وتجاهله المسألة الفلسطينية، أدرك بوش أنها مفتاح السلام. وقف مرة أخرى في القاعة ذاتها في أنابوليس ليخاطب حلفاء ومشككين ومناوئين. أطلق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية في احتفال مهيب. مفاوضات قد تطول الى ما لانهاية. عنوانها الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. أما هدفها فمحاربة الارهاب وإخضاع الدول المارقة، من خلال جمع الخائفين من التطرف والمرتابين بتمدد النفوذ الايراني. ف"المعركة من أجل مستقبل الشرق الأوسط مقبلة، وعلينا أن لا نسمح للمتطرفين بالانتصار"، على ما قال في خطابه أمام المؤتمرين. هي محاولة لنزع الحجة من أيدي الاسلاميين، في غزة وخارجها. واستعادة المبادرة من طهران التي أفادت من الانحياز الأميركي الى الدولة العبرية، ومن الضعف العربي، وتبنت القضية لتجعلها محور سياستها في المنطقة، وعنوان مواجهتها مع واشنطن وتل أبيب. نود الافتراض أن البيت الأبيض اقتنع أخيراً بأن تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي مفتاح السلام في الشرق الأوسط. لكن هل هو مستعد للسير في هذه التسوية؟ هل الرئيس الأميركي، بخلفيته الدينية المعروفة، مستعد للضغط على اسرائيل كي تتنازل للفلسطينيين عن بعض حقوقهم؟ كل المؤشرات تؤكد أنه لن يفعل. ولنستعد بعضاً من خطابه في أنابوليس. عكس في هذا الخطاب مواقفه السابقة. كرس فيه رسالة الضمانات التي أعطاها لشارون في نيسان عام 2004. جدَّد تعهده بأن تكون اسرائيل"وطناً قومياً لليهود". انحاز الى المفاوض الاسرائيلي قبل أن تبدأ المفاوضات. واذا حاولنا ترجمة هذا التعريف لاسرائيل، نستنتج أنها لن تعود الى حدود 1967، مثلما يطالب الفلسطينيون. ولن تتخلى عن المستوطنات في الضفة الغربية، ولن تعترف بحق اللاجئين في العودة، وستطرد الفلسطينيين المقيمين في أرضهم المحتلة منذ عام 1948، كي تبقى الدولة خاصة باليهود. إنه"وعد التوراة"كرسه بوش على شكل ضمانات لشارون وللمؤمنين. أما المطلوب من الفلسطينيين، كي تتحقق"الرؤى"والنصر، فخوض حرب أهلية، والتنازل عن حقوقهم في أرضهم، مقابل إزالة بعض الحواجز، وإطلاق عشرات الأسرى، بعد اعتقال المئات. ومنح السلطة قروضاً وهبات عربية، وإزالة بؤر استيطانية"غير شرعية". مؤتمر أنابوليس أطلق مرحلة جديدة من الصراع في الشرق الأوسط عنوانها التنازل عن الحقوق الفلسطينية، وأداتها حروب جديدة، ونزاعات طائفية ومذهبية داخلية ستبدأ في فلسطين مع تقدم المفاوضات، وتطاول محيطها. أما إذا قررت ادارة بوش ضرب ايران فالمنطقة ستعود الى القرون الوسطى. هذا ما يوحي به خطاب النصر في أنابوليس.