اعترف ألكسندر بيتشوشكين، وهو من سكان موسكو، بارتكاب أكثر من 60 جريمة في منتزه بيتْسا، في وسط العاصمة الروسية. وحكم عليه بالسجن المؤبّد، مع أشغال شاقة. وهو الشغوف بلعبة الشطرنج أراد ارتكاب 64 جريمة، فيتفق عدد ضحاياه مع عدد المربعات على رقعة الشطرنج. فلقبته الصحافة الغربية بپ"سفّاح الشطرنج"، في حين اشتهر في بلده بپ"سفّاح بيتسا". وبيتشوشكين هو أكبر"قاتل متسلسل"في روسيا المعاصرة. فعدد ضحايا أندريي تشيكاتيلو، المجرم الروسي الآخر الذي ذاع صيته في العالم، لم يتجاوز الثلاثة وخمسين، على رغم اعترافه بارتكاب ست وخمسين جريمة قتل. وعلى رغم هذا، فعلاقته بعالم الجريمة، على ما جاء في حيثيات محاكمته، ضعيفة. وهو ارتكب معظم جرائمه تحت"تأثير الكحول". ودرج على قصد منتزه بيتسا برفقة شخص، وعلى ضرب رفيقه بعد أن يتمكن منه السكر. ورمى بيتشوشكين بالجثث في أحد المجاري الصحية. وضحاياه ليسوا من الغرباء. فكلهم كانوا من أصحابه. وفي معظم الأحيان، كان هؤلاء الضحايا هامشيين في المجتمع مثل بيتشوشكين نفسه. وتذهب التحقيقات الى أن بيتشوشكين كان عاملاً بسيطاً وحمال بضائع. وكان سكيراً، مثل ضحاياه. وقد يحفظ التاريخ أثر"سفاح بيتسا"، على غير وجهه الإجرامي. فأداء السلطات الروسية في شأن جرائم بيتشوشكين قرينة على انهيار الدولة الروسية على وقع الفساد والرشاوى. فالدولة لا تكترث لمصير مواطنيها. فيبقى المجرمون طلقاء، وتتكدّس الجثث. وبيتشوشكين لم يُطارد إلا بعد قتله عشرات الضحايا في المكان نفسه، وعلى طريقة واحدة. وهو أمعن في قتل ضحايا هامشيين لم يفتقدهم أحد. وكان في وسع القوى الأمنية الروسية الحؤول دون غدر بيتشوشكين بهذا العدد من الضحايا، لو حققت في قضية إحدى ضحاياه الأولى، واعتقلته. فسفاح بيتسا مجرم كبير ولد من إهمال الشرطة وفسادها. ولعل مقارنة السفاح الروسي ب"جاك السفاح"، اللندني البريطاني، تجلو الصورة بعض الشيء. فالسفاح البريطاني قتل أناساً هامشيين، وعاملات البغاء. ولكن عدد ضحاياه كان أقل بكثير من عدد ضحايا بيتشوشكين الروسي. فالسلطات البريطانية استنفرت قواها، وبحثت عن جاك السفاح، وقبضت عليه. ولهذا دخل"جاك السفّاح"التاريخ. وغداة إدانة بيتشوشكين، يصح التساؤل عن أمثاله من القتلة الطليقين الذين يجوبون أرجاء روسيا. ودانت المحكمة بيتشوشكين في 48 جريمة قتل وثلاث محاولات قتل. وجريمته الأولى، في 1992، حذفت من لائحة الاتهام، لتقادم الزمن عليها. ووُضع سفاح بيتسا تحت مراقبة طبية ونفسية، وتبيّن أنه يعاني اضطرابات نفسية تُفقده رشده أحياناً. ولا تزال الشرطة تحقق في الجرائم الإحدى عشرة الأخرى التي اعترف بها بيتشوشكين. وبحسب الادعاء، واعترافات القاتل نفسه، تعود جريمة بيتشوشكين الأولى الى يوم طلب فيه الى زميل في الجامعة، مساعدته في عملية قتل. فرفض زميله"الجبان"الاشتراك في الجريمة. فدعاه الى نزهة في المنتزه، ودفعه في حفرة مجرى صحي. ومن شدة خوفه وفزعه، امتنع من القتل طوال عشر سنوات. ثم عاد وانخرط في"قتله الجماعي"، فرمى بتسع وعشرين ضحية في المجاري الصحية. وكلهم من معارفه القديمة والحديثة. ثم نفّذ محاولات قتل متنوعة، وبحث عن أساليب جديدة للقتل. فرمى بأحد المشرّدين من الطبقة الخامسة عشرة، وقتل شخصين بمسدس رفيع، يشبه القلم، وخنق شخصين آخرين. وأقرّ بيتشوشكين بأنه لم يجد أي متعة في هذه الأساليب. فراح يقتل بالفأس، ثم بغرس القناني في رؤوس ضحاياه المهشّمة، ورمى الجثث في منتزه بيتسا. وبادرت الشرطة بعد هذه الجرائم المتسلسلة، وألقي القبض عليه مصادفة، في حزيران يونيو 2006. وضحيته الأخيرة كانت بائعة سجائر من زملائه في المتجر، حيث يعمل. وقبل أن ترافقه الى النزهة، تركت رقم هاتف بيتشوشكين مع ابنها. وهكذا، توصّل المحققون الى كشف الجريمة. وفي أثناء المحاكمة، اعترف القاتل بجرائمه، وقال إنه كان يقتل للمتعة، ولرغبة دفينة في نفسه. عن ألكساي إفليياف وفكتور باوكوف،"فريميا نوفوستي"الروسية، 30/10/2007