شدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والبابا بنيديكتوس السادس عشر، امس، على أهمية الحوار بين الأديان والحضارات لتعزيز التسامح الذي تحض عليه جميع الأديان ونبذ العنف وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب العالم كافة، وناشدا شعوب العالم ودوله التصدي لظاهرة الارهاب والقضاء عليها. جاء ذلك خلال الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الى البابا في مقر البابوية في روما، في إطار زيارته لايطاليا. وعقد الملك عبدالله والبابا اجتماعاً ثنائياً استمر نحو الساعة، أكد خلاله العاهل السعودي أن قيماً مشتركة تجمع الشعوب، وأن خير تعبير عنها ما جاءت به الأديان، وأن في العودة إلى هذه القيم مخرجاً لما تعاني منه الشعوب من ويلات الخلافات والصراعات، كما أن في التمسك بها تجسيداً للخير والطمأنينة والوفاق الاجتماعي للإنسان في ما يخصه وفي محيط أسرته ومجتمعه وعلاقته مع الآخرين. وأكد الجانبان أن العنف والإرهاب لا دين ولا وطن لهما، وان على جميع الدول والشعوب التكاتف في التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها. إثر ذلك صافح البابا بنيديكتوس أعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين. ثم قدم الملك عبدالله هدية تذكارية للبابا بنيديكتوس كما تسلّم خادم الحرمين هدية لهذه المناسبة من البابا. وبعدها قدم البابا هدايا تذكارية لأعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين. عقب ذلك، قام خادم الحرمين بزيارة لأمين سر الفاتيكان - رئيس الوزراء - الكاردينال تارتشنو بيرتوني رافقه خلالها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. كذلك، زار الملك عبدالله بعد ظهر أمس مقر بلدية روما، وكان في استقباله لدى وصوله عمدة مدينة روما الأمين العام للحزب الديموقراطي الإيطالي فالتر فلتروني. وتفضل خادم الحرمين الشريفين في بداية الزيارة بالتوقيع في السجل الذهبي للبلدية، وقال في كلمة له:"قبل قرون طويلة من الميلاد كانت بداية روما، ومنذ ذلك الحين وروما في قلب الأحداث تساهم في صياغة المسيرة البشرية، وقد كانت خلال الإمبراطورية الرومانية أكبر مدينة في العالم وأهمها، وما زالت اليوم تلتقي فيها الحضارات وتحتفظ بقيم تراثها ولكنها في نفس الوقت تزدهر بالعلوم والآداب التي كان لها دور أساسي في تاريخ إيطاليا". وخاطب عمدة روما قائلاً:"أشكركم على دعوتكم وعلى مشاعركم التي عبرتم عنها، ويسعدني أن أكون معكم اليوم في هذه المدينة الغنية بتراثها والمتميزة بالإبداع الإنساني الرائع، متمنياً لكم ولأهلها مزيداً من التقدم والازدهار". وكان خادم الحرمين توجه إلى مكتب العمدة، حيث شاهد المنظر العام لمدينة روما. كما توجه إلى قاعة الاجتماعات، حيث ألقى العمدة كلمة رحب فيها باسمه ونيابة عن أهالي المدينة بخادم الحرمين الشريفين، مشيراً إلى العلاقات التي تربط مدينة روما بالمملكة، ولافتاً إلى أن روما تعد قلب المسيحية بينما تعد المملكة العربية السعودية مهد الإسلام، وتضم مدينتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، ويحج إليها المسلمون من كل أنحاء العالم. وأوضح أن مدينة روما تعيش فيها الأديان الثلاثة وتتعايش بسلام وتبني علاقات من الثقة والاحترام. وأوضح أن فيها أحد أكبر المساجد في أوروبا، والذي بني بفضل المساهمة السخية من المملكة العربية السعودية، وهو اليوم إضافة إلى كونه مكاناً للعبادة والثقافة يعد أداة للعمل الاجتماعي والتكامل والاندماج بين المسلمين في روما. وامتدح الدور الذي أداه مسجد روما في إطلاق سراح الأسرى الإيطاليين في العراق وفي أفغانستان من خلال الحوار، وقال:"إن مدينة روما التي تسعد اليوم وتتشرف باستقبال خادم الحرمين الشريفين وبتحية عمله المعتدل الذي لا يمكن إلا أن ندعمه، ليس فقط في العالم العربي ولكن في العالم الإسلامي برمته حتى لا تكون الاختلافات الثقافية والدينية سبباً للانشقاق بل يجب أن تكون على العكس ثروة ودفاعاً للتبادل والتنوع في الآراء والحوار حتى ننظر معاً إلى فضاء مفتوح موجه إلى الآخرين ولمستقبل يقوم على التعايش في سلام". وجرى تبادل الهدايا التذكارية بين خادم الحرمين الشريفين وعمدة روما للمناسبة. وبعد الظهر، رعى خادم الحرمين ورئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي لقاء لرجال الأعمال السعوديين والإيطاليين أقيم في أحد فنادق العاصمة الإيطالية. وفي بداية اللقاء، قال الأمين العام لمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية الدكتور فهد بن صالح السلطان:"ان هذه الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين تأتي تتويجاً للعلاقات الرائدة بين البلدين وانطلاقة قوية لتعزيز ودعم أواصر التعاون والمشاركة الاقتصادية الفاعلة". وأضاف:"وانطلاقاً من قناعتنا بإيمانكم بدور القطاع الخاص في توثيق العلاقات بين الدول، فإن مجلس الغرف السعودية يسعده بهذه المناسبة أن يطرح مرئيات رجال الأعمال السعوديين بشأن تطوير العلاقات الاقتصادية بين المملكة وإيطاليا". من جهته، أكد رئيس مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية عبدالرحمن بن راشد الراشد إن"لقاءنا اليوم يمثل حلقة جديدة من سلسلة العمل الاقتصادي المشترك بين بلدينا الصديقين، حيث يشهد التوقيع على عدد من الاتفاقات في مجالات مختلفة وتفعيل التعاون بين رجال الأعمال السعوديين والإيطاليين بهدف تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، وكلنا ثقة في أن هذا العمل البناء سيدعم العلاقات المشتركة لتتجاوز مجرد علاقات تعاون تجاري ثنائي عادي يغلب عليه الطابع التقليدي إلى علاقات تعاون تعمل ضمن منظومة اقتصادية عالمية تقوم على أسس تفعيل دور القطاع الخاص في البلدين وتحرير التجارة بينهما والاستفادة المثلى من المزايا النسبية والتنافسية المتاحة في البلدين وتحسين النفاذ للأسواق من دون قيود". في هذا الوقت، عقد وزيرا الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والإيطالي ماسّيمو داليما اجتماعاً تناولا فيه عدداً من الملفات الرئيسية في الشرق الأوسط، لا سيما الوضع في لبنانوالعراق والملف النووي الإيراني ومساهمات الرياضوروما في توفير سبل إنجاح مؤتمر انابوليس للسلام. ووصف الأمير سعود الفيصل وداليما مواقف الطرفين من القضايا المطروحة بأنها"متطابقة ومتوافقة"وأن قادة البلدين"يعملون من أجل توفير أجواء الاستقرار والأمن في المنطقة". ورداً على سؤال ل"الحياة"، قال داليما"وجهات نظرنا حول الوضع اللبناني متطابقة مع الجانب السعودي ونعمل معاً من أجل توفير الأجواء الضرورية بحيث يتم انتخاب رئيس يتوافق عليه جميع الأطراف اللبنانيين، أو يحظى بدعم واسع على الأقل". وأضاف أن"المجتمع الدولي بأسره، ونحن في الاتحاد الأوروبي، نعمل في هذا الاتجاه. وقد نبهنا الدول المجاورة للبنان الى أن من مصلحتها العمل في اتجاه تمكين لبنان من الحفاظ على مؤسساته الدستورية". وشدد داليما على"الدور الإيجابي الذي يلعبه البطريرك نصرالله صفير في لم شمل اللبنانيين باتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي ونحن ندعمه بشكل كامل لأننا نعتبره ضمانة مهمة". وفي ما يتعلق بالملف النووي الايراني وعدم استجابة طهران للاقتراح السعودي بإجراء عمليات تخصيب اليورانيوم خارج منطقة الخليج، قال داليما:"نحن على اتفاق مع السعودية ونعمل معها من أجل تأسيس القطب الذي يساهم في مساعدة إيران في تخصيب اليورانيوم للأهداف السلمية وليس رفض إيران للمقترح نهاية المطاف، ما يعني أننا سنواصل سعينا. المهم هو أن لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً". ولم يستبعد داليما أن يقرر مجلس الأمن عقوبات جديدة على إيران، لكنه قال:"علينا انتظار التقرير الذي سيُعدّه مدير الوكالة الدولية للطاقة حول الملف النووي الإيراني"، مؤكداً:"سنلتزم قرارات مجلس الأمن في هذا الخصوص"، موضحاً أن"الهدف من العقوبات ليس تأكيد مبدأ القوة، بل إقناع إيران بأن قرارها بصدد السلاح النووي غير صائب".