تشمل الجولة الاوروبية الحالية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلاً من المانياوايطاليا اللتين تربطهما بالمملكة شبكة من المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية، وتشاركانها العمل لمصلحة سلم العالم وأمنه في اطار عقود من العلاقات الثنائية المميزة. وسبق للمستشارة الالمانية انغيلا ميركل ان زارت الرياض في شباط فبراير الماضي، واتسم لقاؤها بالملك عبدالله بقدر لافت من التواضع والحيوية، ولم تفارقها الابتسامة وعلامات السرور والرضا، وكررت أكثر من مرة دعوتها له لزيارة بلادها ولقاء شخصياتها الوطنية والشعبية. ولأهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، التي يشبهها كثير من المحللين السياسيين ب"لعب الأدوار نفسها في السياسة الدولية بغية تجنيب العالم نزاعات تنشأ وتثور هنا وهناك"، اعتبر ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، في جلسة المحادثات الرسمية مع ميركل، أن"الدول الحرة في آرائها وكيانها مثل المملكة العربية السعودية وألمانيا الاتحادية"قادرة على تجاوز الاضطرابات الدولية بالتعاون الثنائي. ولأن المواقف السياسية متطابقة بين البلدين، بحسب ولي العهد، الذي قال:"النظرة السياسية للدولتين تقريباً واحدة، لأنها تفضي الى العدل والحق في كل تعاون بين الدول"، رجح الامير سلطان أن تنتقل العلاقة الثنائية مع ألمانيا الاتحادية إلى مستويات جديدة في التعاون الاقتصادي بتوقيع اتفاقات عدة مهمة، مشيراً إلى"أن التعاون القائم بين البلدين جيد، ولكن نأمل في أن يتطور خصوصاً في النواحي الاقتصادية والثقافية. كما أن هناك تعاوناً عسكرياً بين الدولتين، لكن الدول نموها دائماً في اقتصادها، وتبادل المشاريع المشتركة والصناعات المشتركة أمر مهم جداً بين الدولتين، ولا بد أن يكون هناك التحام وتزاور، دائماً بين رجال الأعمال الألمان ورجال الأعمال السعوديين". وردت ميركل بالقول:"نحن نشعر أننا جئنا للأصدقاء، ونحن نقدر التعاون القائم بين بلدينا منذ أمد طويل في مجالات كثيرة ومختلفة، ونرى أن يكون هناك تلاحم وتعاون وثيق بين بلدينا.. انطباعاتنا جيدة جداً، في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي الذي حققته المملكة في السنوات الماضية، ونعتقد أننا نستطيع، بناء على ذلك، أن نقوي التعاون الاقتصادي القائم بين البلدين". وللعلاقات السعودية - الألمانية محطات دائمة من التعاون. كان سلفها غيرهارد شرودر ترك لها سجلاً حافلاً بالزيارات ارتبط بالتشاور المستمر مع المملكة. وزار الرياضوجدة مرتين، كما زارها بعد تولي ميركل المستشارية. ومن قبله كان للمستشار هلموت كول علاقات وثيقة مع الراحل الملك خالد بن عبدالعزيز والراحل الملك فهد بن عبدالعزيز والقيادة السعودية، أثمرت كثيراً من الاتفاقات ومجالات التعاون. وكانت ألمانيا الاتحادية من أولى الدول التي تفاعلت مع أهمية تشكيل لجان مشتركة مع الدول الصديقة، وكان العام 1977 شاهداً على اتفاق التفاهم الذي تشكلت بموجبه اللجنة السعودية - الألمانية. وفي منتصف العام الماضي حينما زار وزير الخارجية فرانك شتاينماير السعودية للمرة الأولى اعتبر نظيره الأمير سعود الفيصل أن العلاقات الثنائية بين البلدين"تشهد تطوراً ملموساً". لكنه أشار إلى"أننا نطمح سوياً إلى دعمها وتطويرها إلى مجالات أرحب، من واقع ما يتمتع به بلدانا من إمكانات جيدة في العديد من المجالات". العلاقات مع ايطاليا اما العلاقات السعودية - الإيطالية فتعتمد على تطوير المصالح الاقتصادية المشتركة والتنسيق المستمر في القضايا السياسية، خصوصاً القضية الفلسطينية وسائر هموم المنطقة والعالم. إذ تلعب إيطاليا دوراً مهماً في الاتحاد الأوروبي، وتستخدم ديبلوماسيتها الفاعلة في حل الأزمات. وكان خادم الحرمين الشريفين استقبل رئيس الوزراء رومانو برودي في العاصمة الرياض منتصف نيسان أبريل الماضي، وهي الزيارة التي سعى فيها برودي إلى تطوير علاقة روما - الرياض المبنية على الاحترام المتبادل وتقدير دوري البلدين في محيطيهما. ويعمل الملك عبدالله منذ سنوات على الإفادة الكاملة من الصلات الثنائية مع دول العالم شرقاً وغرباً. وفي هذا السياق، كان برودي حريصاً على توضيح اهمية المملكة في المجتمعين الإقليمي والدولي، مشدداً خلال زيارته الى مجلس الشورى على أن بلاده تقدر للمملكة"دورها الفاعل في الشرق الأوسط، وسياساتها المتوازنة في مختلف الصعد، وجهدها الدؤوب لإرساء قواعد الحوار والسلام والرخاء في العراق وفلسطين ولبنان"، مؤكداً رؤيته بأن"على البلدين والشعبين مواجهة التحديات المتمثلة في الصراع العربي - الإسرائيلي القائم في المنطقة، والتقنيات الجديدة المرتبطة بالاستخدام النووي، والصراعات الطائفية، وسوء الفهم بين العالمين الإسلامي والغربي". وقال برودي:"إن تلك الأمور تحتّم مضاعفة الجهد لإرساء الحوار لمصلحة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكريس الجهود لتعم مبادئ الحوار والتسامح"، مبدياً استعداد بلاده للمشاركة في تنمية الطاقات البشرية والتنموية في المملكة، وتعزيز التعاون الثقافي ليشمل مجالات التعليم العالي، إضافة إلى التعاون القائم حالياً في مجال الطاقة. من جانبه، كان وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما ضيفاً في العاصمة الرياض على وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل مطلع العام الحالي، في سياق نشر الاستقرار والأمن في قضايا المنطقة، خصوصاً لبنانوالعراق، وأزمة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وطبقاً للفيصل، فإن المحادثات كانت"معمقة وبناءة"، و"تناولت العلاقات الثنائية في إطار اللجنة السعودية - الإيطالية المشتركة، التي تُوجت بتوقيع اتفاق تفادي الازدواج الضريبي بين حكومتينا، تعزيزاً للروابط التجارية وتشجيع الاستثمارات في ظل حجم التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين، ونتطلع إلى استمرار هذا التعاون وتعزيزه، والدفع به لآفاق أرحب في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية كافة، إضافة إلى ترحيبنا بتعزيز التعاون الأمني". وكان السفير الإيطالي لدى الرياض أعلن عن اتفاق أمني ثنائي يجمع جهد البلدين في مكافحة الإرهاب والجرائم الدولية الكبرى، خصوصاً غسيل الأموال وتهريب المخدرات. واعتبر داليما أن علاقات بلاده بالرياض"ممتازة"، متطلعاً إلى مراحل تعاون مثمرة مقبلة، لما يمتلكه البلدان من نقاط قوة في المجال الاقتصادي، وقال في حينه:"أعتقد أن إيطاليا والمملكة العربية السعودية، فضلاً عما يطورانه في ما بينهما من علاقات إيجابية على المستويات الثنائي والسياسي والاقتصادي والثقافي ...، فإنهما ملتزمتان معاً بمواجهة الأزمات المأسوية الصعبة التي تجتاح هذه المنطقة". ورأى أنه"لبدء عملية إحلال الاستقرار والسلام في هذه المنطقة، نحن على قناعة بأن الوسيلة الأنجع والأنسب لمواجهة ومكافحة الإرهاب هي أن نقوم بهذا معاً، بتشجيع أوسع تعاون ممكن من قبل المجتمع الدولي، بعزل الإرهاب، وبمواجهة المسائل والقضايا المفتوحة".