مرّ وقت طويل منذ انطلقت تلك السيارة المكشوفة بين طرقات لبنان الجبلية، تحمل رونزا تغني بشعرها الاشقر الطويل"مشوار رايحين مشوار"، ومنذ أن كانت ضحكة رياض شرارة تصنع مع رونزا عالماً ملوناً وصورة سحرية للبنان جميل ملؤه الشمس والهواء وحرية الحياة... رحل رياض شرارة وبقيت رونزا، ومن مفاجآت الوقت ان تبقى رونزا هي نفسها بالصوت نفسه والحضور نفسه... لتطلق في لحظة ال"فراغ"الدستوري في لبنان وفراغه من صورته ايضاً، لمعة مباغتة في الذاكرة، في حفلة جمعتها وشقيقتيها، فادية وأمال طنب، نظمها"مجلس العمل اللبناني"بالتعاون مع"هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث"في المجمع الثقافي في أبو ظبي، لمناسبة عيد الاستقلال، وبرعاية وحضور السفير اللبناني في الإمارات فوزي فواز. "الأخوات طنب"أو"تري ? أوريان"، فرقة الاخوات الثلاث، عايدة التي هي"رونزا"، وفادية التي كانت تشكل مع رونزا ذلك الثنائي ايضاً الذي ينتمي إلى الزمن نفسه، زمن الرحابنة، وهي نفسها التي عرفت في السنوات الاخيرة كعضو في لجنة التحكيم في"سوبر ستار"، وأمال الشقيقة الثالثة التي رافقت ايضاً الاخوين الرحباني. الاخوات الثلاث اللواتي درسن الموسيقى وغنين معاً أو كل واحدة على حدة وهن اليوم في فرقة واحدة يقدمن الاغاني التراثية اللبنانية والشرقية، مع إعادة توزيع بعض منها، كما اصدرن شريطاً مشتركاً حمل اسم"ميلاديات". الأخوات طنب، شيء ما يحيل إلى عالم ملائكي، خصوصاً ان إعادة التوزيع للكثير من الاغاني حملت الكثير من المناخات الموسيقية الكنائسية، وبأصوات تبدو متطابقة، لكنها تكشف فجأة عن تنوع مفاجئ، حيث تناوبت الاخوات الثلاث في هذه الحفلة، على التنويع بينهن في الاغنية نفسها، ولكن كان على"رونزا"غالباً ان تتولى الخلفية"الأوبرالية"الخفيفة التي عرفت بها اصلاً وتكاد تكون علامتها الخاصة. كانت الحفلة افتتحت بالنشيد الوطني الإماراتي وساد الصمت والذهول فجأة، كيف لا يقدم النشيد الوطني في ليلة"لبنانية"إلى هذه الدرجة... إلى أن خرجت الاخوات الثلاث وقدمن النشيد اللبناني، فصفق الجمهور طويلاً، في إشارة الى بداية عاطفية جداً لليلة جل حاضريها من اللبنانيين. ثم بدأن مجتمعات في أغنية"أومن"لفيروز ثم"بعدنا"،"لما بدا يتثنى"... غنين مجتمعات ولكن كانت لكل منهن أغنية"سولو"خاصة بها حيث غنت فادية"الشرق الغافي"ألحان سمير طنب، وغنت رونزا"كنا سوا"إعادة توزيع لموسيقى الرحابنة وأمال"لا نهاية"تلحين سمير طنب، مع فرقة موسيقية من 11 موسيقياً بقيادة خليل رحمة، وإدارة فنية من سمير طنب أيضاً. "وجك حبيبي"،"نحنا والقمر جيران"، وأيضاً"الحلوة دي"،"تك تك يا ام سليمان"... ولكن كل ذلك مع إعادة توزيع اتاحت للأخوات طنب فرصة للتنويع من دون أن يفسدن وقع الاغنيات، وأيضاً جعلت لكل الاغاني المختلفة بين الفلكلوري والموشح وغيره مناخاً واحداً... فحتى مع الموشح، يمكن أن تشعر بشيء ما كنائسي. كانت ليلة ميلادية ولبنانية تركت من خرجوا من القاعة وغالبيتهم ممن كبروا مع الأخوات طنب، ولدقائق معدودة في حالة"فقدان وعي"بالحاضر. لكن الحفلة انتهت وعاد من عاد إلى حقيقة تلك الليلة، ليلة الاستحقاق التي مرت على خير... وإلى زمن ما عاد هانئاً، كما أصوات الأخوات الثلاث.