الديبلوماسية العسكرية الأميركية في مقاربة مسائل الشرق الأوسط، من العراق الى لبنان، مروراً بفلسطين، وفشلها في تحقيق أي من أهدافها، نظراً الى انحيازها غير المشروط الى اسرائيل، تجعل سورية تزعم الانتصار، أو الصمود في اقل تقدير، من دون أي جهد يذكر، سوى المراهنة على هذا الفشل، وعلى الأميركي الذي يزداد بشاعة. وربما كانت محاولة إبعاد سورية عن مؤتمر أنابوليس أحدث مثال على ذلك. حاولت واشنطن، منذ إطلاق فكرة المؤتمر، في تموز يوليو الماضي، إبعاد دمشق عن فعالياته كي تزيد عزلتها عربياً ودولياً. وضعت شروطاً لحضوره. كانت تعرف تماماً أن النظام السوري لن يلبيها. منها أن المدعوين يجب أن يكونوا معترفين بحق اسرائيل في الوجود ومنخرطين في عملية السلام، بعيدين عن دعم"الإرهاب والإرهابيين"، خصوصاً"حماس"و"حزب الله". لكنها اصطدمت بحقيقة أن الدول العربية كلها، عدا مصر والأردن، لا تعترف بالدولة العبرية، وما زالت متمسكة بمبادرة أطلقتها في قمة بيروت وتعتبرها اطاراً للتسوية العادلة والشاملة. والواقع أن مؤتمر أنابوليس، كما تصورته إدارة بوش في البداية، فشل قبل أن يعقد، فقد كان مخططاً له أن يزيد عزلة سورية، ويعمق الشرخ بين الدول المعتدلة والمتطرفة، ويحاصر ايران بتحالف جديد تشارك فيه اسرائيل، مقابل اعطاء العرب أملاً، مجرد أمل، في حل القضية الفلسطينية. وبعد فشل فرض هذا التصور الذي حاولت رايس ترويجه خلال زياراتها المكوكية للمنطقة، تراجعت الديبلوماسية الاميركية. خفضت سقف التوقعات من المؤتمر. حددت اطاره في شعارين:"خريطة الطريق وأكثر"وفتح"أفق سياسي أمام دولة فلسطينية". "خريطة الطريق وأكثر"مزيج من المرحلة الأولى للخريطة المعروفة والمرحلة النهائية. وهي، على ما يقول ديفيد ماكوفسكي من"معهد واشنطن" استراتيجية تضع الفلسطينيين واسرائيل تحت ضغوط دولية لتنفيذ المطلوب منهما. وعلى الدول العربية تحصين كل تقدم يحصل في المفاوضات بين الطرفين، بخطوات ملموسة لتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية. وعليها أيضاً تقديم دعم اقتصادي أكبر للفلسطينيين كي يستطيع عباس التصدي لأي اجراء مضاد ل"حماس". وتستطيع الدول العربية، بعد أنابوليس أن تلعب دوراً مهماً في منع الطرفين من العودة الى القتال، إذ لا يجوز أن تتحمل اسرائيل وحدها مسؤولية تنفيذ الخريطة. هذه هي الزيادة على"خريطة الطريق"، كما شرحها ماكوفسكي. أما الشعار الثاني"أفق سياسي لدولة فلسطينية"فتعبير مثالي عن هدف مؤتمر انابوليس، نجد توضيحاً له في الدعوة التي وجهها بوش الى عباس. جاء في الدعوة أن المؤتمر"سيكون تعبيراً عن الدعم الدولي لجهودكم الشجاعة. ونقطة انطلاق لمفاوضات ستقود الى إقامة دولة فلسطينية وتحقيق السلام الفلسطيني - الاسرائيلي وفقاً لخريطة الطريق". المؤتمر إذن مجرد نقطة انطلاق لمفاوضات قد تؤدي الى إقامة دولة فلسطينية. ولدى بوش الذي أطلق هذا الشعار تصور ايضاً للدور العربي، يوضحه مسؤول آخر في"معهد واشنطن"، هو روبرت ساتلوف الذي كتب أن على القاهرة التخلي عن إصرارها على إغلاق معبر رفح. وأن تفتح معابر أخرى بين غزة والعالم الخارجي، كي تريح اسرائيل من تحمل هذا العبء الثقيل. وعلى الأردن، ايجاد أساليب جديدة لتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الضفة الغربية. هذا التصور لدى الإدارة الأميركية يعيد إحياء"الخيار المصري"و"الخيار الأردني"لتسوية المسألة الفلسطينية. بل يضع أسساً عملية لهذين الخيارين اللذين سيصطدمان برفض فلسطيني، قد يقال عنه غير واقعي، ورفض عربي ايضاً، وهو مخطط للفشل الذريع لتوصيات انابوليس قبل البدء بتطبيقها. ووصفة جيدة لانتصار سوري جديد.