التقيت الأسبوع الماضي عدداً من أعضاء البرلمان الأفغاني. إن مثل هذا النوع من اللقاءات ليس غريبا - حيث أنني التقي، بحكم منصبي كوزير بريطاني، بالعديد من الشخصيات والوفود الزائرة. لكن من السهل أن ننسى أنه منذ وقت ليس ببعيد لم يكن هناك أعضاء في البرلمان الأفغاني لألتقيهم. وبكل تأكيد لم يكن هناك أعضاء منتخبون ديموقراطيا في البرلمان يمثلون مجموعة واسعة من الخلفيات والمعتقدات. ومنذ وقت ليس ببعيد لم يكن لدى غالبية الشعب الأفغاني صوت يمثلهم في اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بأفغانستان، ولا رأي في كيفية إدارة حياتهم وتنشئة أفراد عائلاتهم، وكانوا عرضة للترهيب لكي يخضعوا لقوانين وحشية شديدة القسوة فرضتها عليهم مجموعة ممن استولوا على السلطة بالقوة. وعندما أتيحت للشعب الأفغاني الفرصة، تبنى بكل حماس فرصة تشكيل حكومته، حيث شارك 70 في المئة من الناخبين المسجلين وأدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وكان 44 في المئة من بينهم من النساء، وهذه حقيقة كان لا يمكن حتى التفكير بها إبان حكم"طالبان". وتشكل النساء حاليا 27 في المئة من إجمالي أعضاء البرلمان، وبالمقارنة تجدر الإشارة إلى أن ما يصل إلى 20 في المئة فقط من اعضاء البرلمان البريطاني هي من النساء. وبينما كانت المدارس حينذاك مغلقة وحُرم الأطفال، خصوصا الفتيات، من أبسط أسس التعليم، تضاعفت الآن معدلات تسجيل الأطفال في المدارس إلى أربعة أضعاف خلال السنوات الأربع الماضية. وهناك الآن 5 ملايين و400 ألف طفل يذهبون الى المدارس، أكثر من ثلثهم من الفتيات. وقد أعلن الرئيس حميد كرزاي ووزير التربية أتمار عن استراتيجية تعليمية مدتها خمس سنوات لتنفيذ المزيد من التحسينات في قطاع التعليم على المدى الطويل. وهذه مؤشرات واضحة على أن أفراد الشعب الأفغاني يرفضون القيم التي فرضها نظام"طالبان"، وأنهم يريدون إعادة إعمار بلدهم، وأن تتاح لهم الفرص الاقتصادية، وتتوفر لهم بيئة آمنة لكي يترعرع فيها جميع أطفالهم. وبينما ما زالت أفغانستان من أكثر دول العالم فقرا، نما اقتصادها المشروع نموا سريعا، حيث بلغ اليوم ثلاثة أضعاف ما كان عليه عام 2001 عندما حلت نهاية نظام"طالبان". إن استمرار النمو الاقتصادي، إلى جانب تحسن ظروف الأمن والحكم، هما من العوامل التي ساهمت في عودة ما يربو على 4 ملايين و600 ألف لاجئ أفغاني. إن إعادة إعمار بلد شهد 25 عاما من الصراع ليس مجرد مسعى على المدى القصير. كما أنه ليس مسعى يمكن خوضه من دون مساعدة الأصدقاء والحلفاء. لقد تعهدت المملكة المتحدة بالالتزام على المدى الطويل بإعادة إعمار أفغانستان وتنميتها، كما أننا ملتزمون - ضمن ترتيبات الشراكة التي وقعناها عام 2006 - بتقديم 330 مليون جنيه إسترليني من المساعدات التنموية طوال ثلاث سنوات، وهي تهدف الى المساعدة في استراتيجية التنمية التي وضعتها الحكومة الأفغانية. كما تعهدت دول أخرى بتوفير أعداد كبيرة من الموارد البشرية أو مبالغ كبيرة لمساعدة أفغانستان وشعبها على تحقيق طموحاته. والآن تتولى القوات الأفغانية زمام الأمور بشكل متزايد، حيث يبلغ قوام الجيش الوطني الأفغاني 40 ألف جندي مدربين ومجهزين بالعتاد، يقاتلون إلى جانب القوات الدولية المنتشرة في أفغانستان. كما يبلغ قوام قوات الشرطة الوطنية الأفغانية 76 ألفاً، وتضاف إليها 6 آلاف من قوات الشرطة الوطنية المساندة. هذه الدول المساهمة هي من جميع أنحاء العالم، ومن كافة الأديان الأساسية، بما فيها الإسلام بالطبع. وهي دول تفتخر بأن تُعَدَّ من أصدقاء أفغانستان في هذا المسعى الهائل الذي تخوضه، وترسل إلى أفغانستان قواتها علاوة على المساعدات والخبرات. والدول المجاورة لأفغانستان، بشكل خاص، أضحت مشاركة بشكل متزايد، حيث تساهم بخبراتها وبإعادة الإعمار وبالاستثمار في اقتصاد أفغانستان. لكن حَمَل هذا المسعى تكاليف ثقيلة الوطأة، حيث دفع مواطنون شجعان حياتهم ثمنا له. فقد أدى هجوم جبان جرى تنفيذه مؤخرا في باغلان في 6 تشرين الثاني نوفمبر إلى مقتل 63 مواطنا، كان من بينهم ستة أعضاء منتخبين في البرلمان، وستة أطفال. حيث احتشدوا جميعا لإعادة افتتاح معمل للسكر، وهو مصدر دخل مستقبلي هام لأهالي تلك المنطقة ويمثل رمزا لطموحات الشعب الأفغاني وممثليه في البرلمان. ولم يتضح بعد من كان وراء ذلك الهجوم، لكن من الممكن تماما أن تلك الرمزية هي التي جعلت من إعادة افتتاح هذا المعمل هدفاً للهجوم. تحاول الجهود الأفغانية والدولية وجهود الحلف الاطلسي ضمان عدم وقوع أفغانستان مرة أخرى بأيدي الإرهابيين. لن يكون هذا بالأمر اليسير، حيث يضرب القتلة ضربتهم بأسلوبهم الجبان لمنع الشعب الأفغاني من الاستمتاع بالاستقرار والأمن الذي يستحقه. وكما قال لي د. سلجوقي، رئيس وفد أعضاء البرلمان: إن بعض أبنائكم سوف يُقتلون في محاولتهم تأمين مستقبل أفغانستان، تماما كما أن بعض أبناء أفغانستان سوف يُقتلون لنفس الهدف. سوف نحزن لفقدانهم، لكن أرواحهم لن تذهب هباء. * وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية