أكد موسى فرج الشويلي، رئيس "الهيئة العليا للنزاهة في العراق" ان البلاد خسرت نحو 40 بليون دولار بسبب الفساد المالي والاداري وان الهيئة بدأت استراتيجية عمل جديدة تتجه من خلالها الى فتح ملفات الفساد التي تتعلق بتهريب النفط العراقي والذي وصلت نسبة الهدر فيه الى 19 بليون دولار سنوياً فضلاً عن ملفات اخرى تمس حياة المواطن العراقي في شكل مباشر. وقال الشويلي في حديث الى"الحياة"ان وزارة الدفاع تحتل قمة الهرم في الفساد الاداري والمالي تليها وزارات الداخلية والتجارة والنفط والكهرباء، وان الحلقات الوسطى في الوزارات باتت تمثل الموطن الرئيسي للفساد الاداري والمالي في مؤسسات الدولة، وان هناك 42 مسؤولاً بدرجة وكيل وزير ومدير عام في حكومتي علاوي والجعفري مطلوبون للتحقيق. وانتقد تشريع قانون أصول المحاكمات العسكرية وتطبيقه على الفئات المدنية والعسكرية في الوزارة، معتبراً انه يشكل عائقاً كبيراً امام الهيئة للكشف عن ملفات الفساد ومحاسبة المفسدين في الوزارة. وفي ما يأتي نص الحديث: هل تقتصر متابعتكم لملفات الفساد الاداري على عمل الحكومات التي تلت سقوط النظام؟ - في البداية اقتصر عملنا على متابعة ملفات الحكومات التي تلت سقوط نظام الرئيس صدام حسين، اما في الوقت الحالي فقد وضعنا استراتيجية عمل جديدة تسير باتجاهين، الأول فتح ملفات الفساد التي تتعلق بتهريب النفط العراقي من طريق الشمال والجنوب وملفات اخرى تمس حياة المواطن العراقي في شكل مباشر مثل ملفات الفساد في وزارتي التجارة والعمل والشؤون الاجتماعية، اما الاتجاه الثاني فإنه يتعلق بمتابعة ملفات الفساد للنظام السابق وتتمثل بأربعة ملفات هي: برنامج النفط مقابل الغذاء وهو اضخم ملف للفساد في عهد النظام السابق يليه ملف البواخر العراقية التي منحها النظام السابق، الى تجار ومسؤولين عرب بعقود صورية، وملف الطائرات العراقية المودعة في ايران وتونس والأردن وملف أرصدة النظام السابق في الخارج التي تستخدم في تمويل الارهاب داخل البلاد والأرصدة العراقية المجمدة التي بلغت قيمتها الاجمالية 60 مليون دولار. وماذا عن ملفات الفساد التي ظهرت اثناء استلام سلطة الائتلاف الموقتة المقاليد في العراق؟ - هناك اربعة ملفات ضخمة للفساد الاداري تتحمل سلطة الحاكم المدني بول بريمر مسؤوليتها، الاول يتعلق بضخ اموال هائلة تزيد على 18 بليون دولار الى خارج البلاد، والثاني صندوق تنمية العراق الذي تسبب سوء استخدامه بضياع 20 بليون دولار، والثالث يتعلق بكميات النفط والاموال التي استولت عليها القوات الأميركية بعد سقوط النظام والتي تم وضعها تحت ادارة بريمر في شكل مباشر، اما الملف الرابع فيتعلق بصندوق إعمار العراق في السفارة الأميركية واموال المنح، البالغة 18 بليون دولار والتي تعرضت الى هدر وصل الى 50 في المئة. هل يعني ذلك ان المبالغ المهدورة تصل الى 40 بليون دولار. وما هي اجراءاتكم حول هذه الملفات؟ - وجهنا كتاباً رسمياً الى السفارة الأميركية طالبنا فيه بوضع جميع الأموال المتبقية من المنح والتبرعات الدولية تحت تصرف وزارة المال العراقية وسنعمل على تولي التحقيق في الأموال التي تم تبديدها في هذا الجانب. وماذا عن ملفات الفساد الاداري في الوزارات العراقية وهل هناك وزراء مطلوبون للتحقيق في الوقت الحالي؟ - ليس هناك وزراء مطلوبون بالمعنى الدقيق لكن لدينا ملفات فساد في وزارة النقل السابقة وهناك قضايا مثارة ضد الوزير السابق سلام المالكي سنتحقق منها ونتخذ الاجراءات القانونية في حال ثبوت الادانة. استدعيتم الى التحقيق مسؤولين مثل وزير الاسكان في حكومة اياد علاوي؟ - لم تثبت ادانته ونحن نعتذر له. ومشعان الجبوري عضو مجلس النواب؟ - مارس الفساد قبل وبعد سقوط النظام وهو مدان ومطلوب للقضاء. وحازم الشعلان وزير الدفاع السابق؟ - حازم الشعلان مدان وسيتم الحكم عليه غيابياً مثلما تم الحكم على الامين العام السابق في الوزارة زياد القطان. ... وأيهم السامرائي وزير الكهرباء السابق؟ - نعم هو مدان لكن المحاكم المختصة اخطأت في محاكمته على التهم الصغيرة التي لم تثبت ادانته فيها فاستغل السامرائي ذلك وغادر العراق قبل محاكمته على التهم الكبيرة. وصباح الساعدي رئيس لجنة النزاهة في البرلمان؟ - الساعدي، أحلنا ملفاته الى القضاء وطالب مجلس القضاء برفع الحصانة عنه للنظر في التهم الموجهة ضده ولا نستطيع ان نقول بأنه مدان أو بريء. ولؤي العرس وزير النقل الاسبق؟ - لم تثبت ادانته ونحن نعتذر له ولجميع المسؤولين الذين لم تثبت ادانتهم في قضايا الفساد. ما هي اكثر الوزارات التي تعاني من الفساد الاداري والمالي؟ وهل لديكم قائمة لمسؤولين مطلوبين؟ - بالتأكيد وزارة الدفاع تحتل قمة الهرم في الفساد الاداري والمالي بين مؤسسات الدولة، تليها وزارات الداخلية والتجارة والنفط والكهرباء، والمشكلة هنا تكمن في ان الفساد الاداري والمالي يتفشى بين الحلقات الوسطى في الوزارات والتي تبدأ من وكلاء الوزراء ومستشاريهم والمديرين العامين في المؤسسات وليس بالضرورة ان يكون الوزير نفسه هو الذي يمارس الفساد، وهناك 42 مسؤولاً من الحلقات الوسطى بين وكيل وزير ومستشار ومدير عام طلبوا الى التحقيق في ملفات الفساد. هل لديكم وسائل حقيقية لمكافحة الفساد في هذه الوزارات ام ان ما يجري يقتصر على توجيه التهم؟ - بالنسبة الى وزارة الدفاع هناك عائق كبير في متابعة ملفات الفساد الاداري فيها بعد اقرار قانون اصول المحاكمات العسكرية لان الوزارة اخضعت موظفيها المدنيين والعسكريين لهذا القانون الامر الذي يوفر حصانة لهم ويمنع احالتهم الى بقية المحاكم، وهذا الاجراء سيحول الوزارة الى وزارة مغلقة عسكرياً بعيداً من انظار مجلس النواب والأوساط الشعبية وهذا يمثل قمة الخطر. كما ان ملفات الفساد ستكون مغلقة داخل الوزارة، أما وزارة النفط فقد انتهينا من تهيئة ملفات خاصة حول اماكن تهريب النفط واسماء المهربين والمتعاونين معهم وتم رفع هذا الملف الى رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب للاطلاع عليه ومساعدتنا في انهاء شبكات التهريب، لكننا في حاجة الى دعم عسكري واسع للقضاء على معدات التهريب والقبض على كبار المهربين. وماذا عن بقية الوزارات؟ - بدأنا حملة واسعة في وزارتي التجارة والعمل والشؤون الاجتماعية كونهما من الوزارات التي تمس حياة المواطنين في شكل مباشر واكتشفنا الكثير من ملفات الفساد في وزارة التجارة تتعلق بعقد صفقات بآلاف الاطنان من الأغذية الفاسدة اما وزارة العمل فإن ملف الفساد الرئيسي فيها يرتكز في شبكة الحماية الاجتماعية المخصصة للفقراء والمعوزين والعاطلين من العمل والتي تسلل اليها عدد كبير من التجار والموظفين وأصحاب المهن، اما بالنسبة الى بقية الوزارات فان فتح ملفاتها سيتم تباعاً. هل صحيح ان رئيس الوزراء العراقي وبعض المسؤولين في الحكومة يمارسون ضغوطاً على الهيئة عند قيامها باستدعاء بعض المسؤولين مثلما اشيع في قضية سلام المالكي؟ - أؤكد لك ان رئيس الوزراء لا يمارس اي نوع من الضغوط على الهيئة ولم يتدخل في اي قضية محالة الينا ولا حتى في قضية سلام المالكي، لكنّ هناك ضغوطاً تحصل بمعزل عن رئيس الوزراء من جانب بعض الاطراف السياسية، فمثلاً هناك توجيهات رسمية تصدرها الأمانة العامة لرئاسة الوزراء تذكر فيها عدم أحقية الهيئة بطلب ملفات وزير معين او انها تطلب منها عدم التدخل في متابعة الثروة المالية لذوي الدرجات الخاصة، في الوقت الذي نجد فيه ان ممارسة الفساد يتركز بين اصحاب الدرجات الخاصة. وجميع هذه التدخلات تمثل آراء شخصية لمسؤولين بعيداً من انظار رئيس الوزراء. هل هذا هو السبب الحقيقي الذي دفعكم للانسحاب من مجلس مكافحة الفساد التابع لرئاسة الوزراء؟ - نعم، انسحبنا من مجلس مكافحة الفساد لئلا نخضع لأي ضغوط من أطراف أخرى. وماذا عن الضغوطات التي تمارسها السفارة الاميركية؟ - نحن تحررنا من ضغوطات السفارة الاميركية بعدما تحدثنا مع الجانب الاميركي حول الموضوع والامر انتهى عند هذا الحد. هل تعانون من عدم تعاون مجلس النواب في مسألة رفع الحصانة عن النواب المتهمين بالفساد؟ - في الوقت الحالي لمسنا تفهماً عالياً من رئاسة مجلس النواب ورؤساء الكتل لآلية عملنا. ومعاناتنا من عدم التعاون كانت بسبب الانتقادات الواسعة للهيئة واتهامها بأنها تابعة الى جهة سياسية محددة تحاول التنكيل بقية الاطراف السياسية، وهذه القضية أدت الى ان تتعامل بعض الكتل في البرلمان من منطلق انصر أخاك ظالماً او مظلوماً... اما في الوقت الحالي فإن الوعي النيابي بات اكثر نضوجاً وتجاوباً معنا.