العراق تحت الاحتلال الأميركي وشعار بناء "الشرق الأوسط الجديد" وتعزيز الديموقراطية وتكريس الشفافية في إدارة المؤسسات منذ خمس سنوات، ما تحقق حتى الآن هو: نهب ثرواته النفطية وآثاره التاريخية الإنسانية وتدمير مؤسساته وقتل علمائه وتهجير أهله وتعميم ثقافة العنف والإرهاب والفوضى والسرقة المنظمة وتفريخ الميليشيات وفتح أبواب كل أنواع الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية وإسقاط الطابع الخاص المميز بالتنوع ودفع المسيحيين الى الهجرة بعد سلسلة من الاعتداءات عليهم واطلاق حرب بين السنة والشيعة، وسيطرة ايرانية شبه كاملة على معظم الأراضي العراقية بما فوقها وتحتها من ثروات وخيرات وبالتالي سيطرة ايرانية على مراكز القرار وتحويل العراق الى ساحة صراع كبيرة بين ايران وأميركا دفاعاً عن مصالح غير عراقية بالتأكيد. في الذكرى الخامسة للاحتلال واسقاط صدام حسين الذي وفي كل مناسبة نتناول فيها موضوع العراق نؤكد أن لا اسف عليه وعلى حكمه لأننا لم نكن يوماً مع سياسته ونهجه ولكننا لم نكن ولن نكون مع النتيجة التي وصل اليها العراق تحت ذريعة التخلص من صدام وشن حرب بنيت على أكاذيب.. اليوم، يعلن القاضي موسى فرج نائب رئيس هيئة النزاهة، أن خسارة العراق خلال السنوات التي أعقبت سقوط صدام بلغت 250بليون دولار. وكشف أنه يتم تهريب النفط في العراق بمعدل 300الى 500الف برميل يومياً، محتسباً سعر البرميل الواحد بالحد الأدنى لتبلغ خسائر العراق بالحد الأدنى 7.2بلايين دولار سنوياً. وقال: "لقد خسر العراق خلال الخمس سنوات الماضية 45بليون دولار من تهريب النفط الخام كحد أدنى 45بليون دولار أخرى من المشتقات النفطية، بالإضافة الى حرق 600مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من دون الاستفادة منها واستغلال 441بئراً نفطية من أصل 1041بئراً منتجة، وطاقة تصديرية تقدر ب 4.2ملايين برميل لم يستغل فيها أقل من النصف". وأضاف: "إن ما بقي من ال 250بليون دولار أهدرها الفساد في الوزارات والمؤسسات الأخرى..". وقال فرج: "إن الكونغرس الأميركي تحدث عن هدر 50مليار دولار سنوياً في العراق. وإذا ما عرفنا ان الميزانية هي 48فنقول لكل من يسأل ان ايرادات العراق ليست كلها في الموازنة المعلنة لأن باقي ايرادات العراق تسرق من دون رقيب". وأشار الى أن "الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحولت الى أخطر بؤرة للفساد في العراق، بعد إلغاء لجنة الشؤون الاقتصادية التي كان يرأسها نائب رئيس الوزراء وتم تحويل صلاحياتها الى الأمانة العامة ومعظم العقود تبرم من خلالها، مثل شراء طائرات ببلايين الدولارات، أو التعاقد لبناء مستشفيات كبيرة وعدم السماح للجهات الرقابية خصوصاً هيئة النزاهة بالاطلاع أو التحقيق". معتبراً "تشكيل مجلس لمكافحة الفساد سرقة لمهام هيئة النزاهة وصلاحياتها" !! هكذا تشكل هيئة النزاهة في العراق، لمراقبة إنفاق المال العام ومنع السرقة، فيتم تركيب مجلس فوقها لسرقة صلاحياتها ويغطي بالتالي كل هذه السرقات كما هو وارد في المعلومات. وفي وزارة الدفاع، قال فرج: "إن هذه الوزارة احتلت المرتبة المتقدمة في الفساد المالي والإداري، خصوصاً في عقود التسلح، بما فيها شراء طائرات عمودية قديمة غير صالحة للعمل وبنادق قديمة مصبوغة رفضتها اللجنة العراقية وفرضتها الشركة الأميركية المصنعة واستيراد آليات من دول أوروبا الشرقية، بنوعيات رديئة". وأضاف: "الأدهى من كل ذلك سعي الوزارة الى الاحتماء وفرض السرية على ملفاتها والامتناع عن تسليمها الى هيئة النزاهة، بعدما حظيت بموافقة رئيس الوزراء لمنع محققي الهيئة من الحصول على نسخ الملفات ذات العلاقة بالفساد أو تصوير وثائق تخص الوزارة، على رغم وجود أوامر قضائية بالاطلاع عليها". أما في قطاع الكهرباء، وفي الدولة الغنية أو التي تعتبر بين الأغنى في العالم، فقد أعلن القاضي فرج أنه "عشية سقوط النظام السابق كان إنتاج العراق من الكهرباء 4آلاف ميغاواط، وقدرت الحاجة الإضافية ب 2800ميغاواط أخرى". وتم إنفاق 17بليون دولار على هذا القطاع خلال السنوات الخمس الماضية، منها 10بلايين من موازنات السنوات الأربع الماضية و 4بلايين من أموال العراق المجمدة في الخارج و 3بلايين من منحة أميركية. واليوم نحن على أعتاب العام السادس ولم يرفع إنتاج الكهرباء واطاً واحداً"!! هكذا تغرق مناطق عديدة في العراق في الظلام، ولا تزداد الطاقة الكهربائية فيما تنفق البلايين من الدولارات من ثروات البلد ويجوع العراقيون. وكأنه لا يكفي ما يلحق بهم من ظلم حتى يتم إغراقهم في الظلام أيضاً.. تلك هي شفافية الشفافية الأميركية في الحكم وبناء وإدارة المؤسسات التي يريدون تعميمها في عالمنا العربي. وفي مجال تأمين لقمة عيش المواطن، فقد أعلن فرج أنه "يبلغ حجم الصفقات التي تم ضبطها قبل توزيعها على المواطنين عشرات الآلاف من الأطنان، ما كلف الدولة عشرات البلايين من الدولارات" !! والوضع الصحي في البلاد مأساوي، إذ أن 90% من الأدوية المتداولة في الصيدليات لم يتم فحصها ولا دور للوزارة في استيرادها وتوزيعها... أما الفضيحة الكبرى فهي في وزارة الداخلية، حيث يقول القاضي فرج: "تم اكتشاف 50الف راتب وهمي كلفت الحكومة 5بلايين دولار سنوياً مع ثمن الأطعمة والألبسة عدا عن الأسلحة والأعتدة. كما فقدت الوزارة 18ألف قطعة سلاح أفادت وثائق أن شركات أعادت بيعها الى أطراف بريطانية" !! وفي تصريحات أخرى قال الشيخ صباح الساعدي رئيس لجنة النزاهة في البرلمان العراقي وتعليقاً على هذه المعلومات: "إن الفساد المالي والإداري يتغذى عن طريق الفساد السياسي الذي يعتبر من أخطر أنواع الفساد وهو القائم حالياً ويتم التستر عليه من قبل جهات سياسية عدة". أما السيد عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية فيقول: "إن احتلال العراق وتخريب بناه التحتية ساعد على تفشي مشكلة الفساد بسرعة أكبر مما كان عليه الوضع في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق الذي أدى الى ظهور بواكير الفساد المالي والإداري في البلاد". وأضاف تركي: "هناك تبديد أموال بنسبة 8.8مليارات دولار خلال فترة سلطة الائتلاف التي ترأسها الحاكم المدني للعراق بول بريمر الذي عطل الدور الحقيقي للديوان بسبب ما فرضه من إجراءات". أما الدكتور مهدي الحافظ، وزير التخطيط السابق وعضو مجلس النواب العراقي فقد أعلن: "وزارة المال العراقية استلمت 99بليون دولار من أواسط 2003تشمل مبيعات النفط اوالرصيد المتبقي من برنامج النفط مقابل الغذاء والأموال العراقية المجمدة في الخارج. وليس من السهل الاطمئنان الى سلامة إدارة هذه الأموال ومعرفة مجالات استخدامها ما لم تقم وزارة المال باصدار تقارير موثقة عن ذلك... وهي لم تقدم الى المجلس منذ عام 2003في الموازنات....". وأضاف الحافظ: "ظاهرة البطالة بمعدلاتها العالية وتدهور الخدمات الأساسية لا يزالان ماثلين في الحياة الاقتصادية للبلاد. 43% من السكان يعيشون اليوم على أقل من دولار في اليوم. والفساد هو المعضلة الكبرى... ومنظمة الشفافية العالمية تضع العراق في مرتبة ما قبل الأخيرة في سلم ما يسمى بالدول الفاشلة الدول المبتلية بكارثة الفساد". وعوض الالحاح على تشديد الرقابة على أداء الدولة وأجهزتها المختلفة فإن بعض المسؤولين الكبار يروج لإلغاء هيئة النزاهة والتنديد بدورها!! يقول الحافظ. ويشير الحافظ الى ان حوالي 9بلايين دولار من قيمة إعادة الإعمار الأميركية لا تزال موضع مساءلة وأن شكوكاً كبيرة قد أثيرت في شأنها. وأن 40سنتاً من كل دولار كانت تصرف على الحمايات والسيارات المصفحة والمعدات اللازمة لها" !! هذه هي نتيجة الاحتلال. هذا هو النموذج. فأين الأموال؟؟ من أخذها؟؟ أين تصرف؟ وهل حصل ما حصل للانتقام من صدام وحزبه وفريقه وسياساته فكانت الترجمة بناء دولة الفساد والإفساد والسرقة والنهب مع الأميركيين؟ بمعنى آخر، تدمير دولة المؤسسات الحاضنة للعراقيين وتدمير آمال إقامة نظام لا يمارس ما ارتكبه صدام. فهل الجرائم هي فقط بالقتل؟؟ وهل جرائم القتل بالرصاص هي أكثر خطورة من جرائم القتل بوسائل أخرى كما يحصل اليوم في العراق؟؟ واللافت، أن أحداً لم يعلق على معلومات هيئة النزاهة والمسؤولين النزيهين الآخرين ولم يسأل أحد الأميركيين ماذا حل بالعراق على هذا المستوى؟؟ هل يجوز أن تكون الدولة وثرواتها مصدراً لتمويل أحزاب وقوى وشخصيات متناحرة فيما بينها وأن يكون جزء من هذه الثروات تحت سيطرة إيران وغيرها وأن تكون الساحة العراقية ساحة بيع وشراء وتصفية حسابات ومسرح إغراءات مالية وسياسية لهذه الجهة أو تلك يعبر عنها بسفك الدماء والسيارات المفخخة؟؟ فمن يمول من؟؟ أإرهاب يمول قطاعات في الدولة ومؤسسات وشخصيات أم شخصيات وقوى تمول مؤسسات وإرهاباً؟؟ فأين النزاهة والحكم الرشيد والشفافية وأين الشعارات والصدقية بين القوى المتناحرة؟؟