رسم وفد "مجموعة الحكماء الدوليين" صورة قاتمة للأوضاع في دارفور، وأكد تفشي العنف والانقسامات في الاقليم، كما حذر من تنامي الاغتصاب. وحض المجتمع الدولي على الإسراع بنشر قوات حفظ السلام المشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وطالب الخرطوم بتسليم المحكمة الجنائية الدولية وزير الدولة للشؤون الإنسانية احمد هارون والقيادي في ميليشيا"الدفاع الشعبي"علي كوشيب المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور لمحاكمتهما. وتزامن هذا الموقف مع عودة جثامين الجنود النيجيريين السبعة الذين قتلوا في هجوم على معسكر للقوة الأفريقية في منطقة حسكنيتة في جنوب دارفور إلى بلادهم أمس، تمهيداً لتشييعهم في جنازة رسمية اليوم. وقال الناطق باسم بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان نور الدين المازني إن وفداً عسكرياً نيجيرياً أقام مراسم خاصة في مقر البعثة في الفاشر، قبل أن تقلع طائرة نيجيرية تقل جثامين الجنود. وسيشارك الرئيس النيجيري عمارو يار ادوا في الجنازة، إضافة إلى وزراء وضباط كبار وعائلات القتلى. وأنهى أمس وفد"مجموعة الحكماء"الذي ضم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، والأسقف الجنوب أفريقي الحاصل على جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو، والناشطة الحقوقية غراسا ميشال زوجة الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، والديبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، ورجل الأعمال البريطاني السير ريتشارد برانسون، زيارة إلى السودان استمرت ثلاثة أيام تفقد خلالها جنوب البلاد ودارفور. وقالت ميشال:"قالت لنا كل امرأة: نحن نغتصب ونضرب ونتعرض للتحرش. والوفد قلق للغاية لأن الموقف لم يتحسن، وعلى العكس، فإنه يتفاقم. وعلمنا أن طفلة عمرها عشر سنوات اغتصبت"الأربعاء الماضي. وطالبت الحكومة السودانية بالاعتراف أولاً بمشكلة الاغتصاب قبل أن تساعد في وضع خطة لمكافحتها، لكنها أقرت بأن إثارة مشكلة الاغتصاب مع المسؤولين في الخرطوم"غير مشجعة". وقالت:"عليّ أن أعترف بأنها كانت من أسوأ لحظات المناقشات... لا تفهم الحكومة معنى أن تقول النساء مراراً لكثيرين لقد اغتصبنا لقد ضربنا ونعامل بوحشية ونشعر بالخوف". واعتبر كارتر أن غالبية جماعات التمرد لا تمثل شعب دارفور وليست لها قاعدة شعبية سوى عناصرها، لكنّهم حتى الآن الوحيدون المؤهلون للمشاركة. وقال للصحافيين إنه"يجب أن يكون لأعضاء المجتمع المدني صوت في المحادثات"التي ستبدأ في 27 تشرين الأول أكتوبر الجاري في ليبيا. وأضاف:"نأمل في أن يتحلى المشاركون بالصبر لأن هذه المسألة المعقدة لا يمكن حلها في بضعة أيام أو بضعة أسابيع". ولفت إلى"وجهات النظر المتباينة"بين الشماليين والجنوبيين في شأن تطبيق اتفاق السلام، خصوصاً في قضايا ترسيم الحدود وتنظيم الانتخابات المقررة في العام 2009. ورأى انه لن يتحقق السلام في البلاد إلا إذا سُويت هذه القضايا وحُلت أزمة دارفور بالتفاوض. ورأى أن استخدام واشنطن تعبير الإبادة الجماعية لوصف الموقف في دارفور لا يفيد. وقال:"هناك تعريف قانوني للإبادة الجماعية، وما يحدث في دارفور لا يتفق مع هذه المعايير القانونية. الأعمال الوحشية مروعة، لكنني لا أعتقد أنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية ... إذا قرأت كتب القانون سترى بوضوح أنه ليس إبادة جماعية، وأن وصفه كذبا بذلك لمجرد المبالغة في موقف مروع، لن يساعد على ما أعتقد". وطالب الخرطوم بتسليم هارون وكوشيب. أما توتو، فقال إن الوفد استمع إلى"قصة بلدين"من وجهتي نظر مختلفتين تماماً، مبرزاً صعوبة وتعقيد الصراعات في السودان. وفي سياق موازٍ، تعهدت إثيوبيا أمس بإرسال 5000 جندي للمشاركة في قوات حفظ السلام المشتركة في دارفور. وقال رئيس الوزراء ملس زيناوي في مؤتمر صحافي في أديس أبابا مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي تزور البلاد:"اثيوبيا مستعدة والقوات مجهزة، وننتظر طلباً من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لإرسال القوات إلى دارفور". وأجرى المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان أندرو ناتسيوس أمس محادثات مع المسؤولين في الخرطوم ركزت على تطورات الأوضاع في دارفور والتحضيرات للمحادثات التي تستضيفها طرابلس نهاية الشهر الجاري بين الحكومة السودانية ومتمردي الإقليم، إضافة إلى تطبيق اتفاق السلام في جنوب البلاد، وتسوية القضايا التي تحول دون استكمال تطبيع العلاقات بين البلدين. من جهة أخرى، تحفظت الإدارة الأميركية عن مشروع قانون أقره الكونغزس يرغم المستثمرين الأميركيين على الانسحاب من شركات أجنبية تعمل في السودان. وحذرت مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية جينداي فريزر من أن أي عقوبات جديدة يفرضها الكونغرس على السودان في شأن دارفور ستضر بالتحالف الأوروبي - الأميركي. وأضافت:"نحن قلقون من أن بعض المبادرات لزيادة الضغوط الاقتصادية على السودان ستلحق الضرر بعلاقاتنا مع الأوروبيين بدل الضغط على الخرطوم ... وصلنا إلى نقطة حاسمة في جهودنا مع السودان. ومن المهم تفادي أي تحرك يمكن أن يؤثر على التقدم المحرز حالياً". على صعيد آخر، بدأ أمس اجتماع استثنائي للمكتب السياسي ل"الحركة الشعبية لتحرير السودان"في جوبا عاصمة إقليم الجنوب، ركز على مناقشة مستقبل الشراكة بين الحركة وحزب"المؤتمر الوطني" بزعامة الرئيس عمر البشير، إضافة إلى القضايا العالقة التي تعرقل تطبيق اتفاق السلام في الإقليم. وأصدر رئيس حكومة الجنوب زعيم"الحركة الشعبية"سلفاكير ميارديت قراراً بتعيين ثلاثة نواب له في الحركة، وهم نائبه في الحكومة رياك مشار، وحاكم ولاية النيل الازرق مالك عقار، ورئيس برلمان الإقليم جيمس واني ايقا.