(التجارة) تُصدر نشرة قطاع الأعمال للربع الرابع 2024.. وتنامي السجلات التجارية المُصدرة 67%    أمطار غزيرة على محافظة جدة    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    عمر عاصم الأزميري.. أول ناظر للمباركية ومصمم أول علم كويتي    ديربي الغضب ..سوبر وذهب    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسان بوفاة الشيخ فهد بن إبراهيم الحمري البلوي    الرائد يخشى الجبلين.. والشباب في اختبار الفيحاء    المملكة ودعم الشعب السوري    2,000 سلة غذائية وحقيبة صحية للمحتاجين في جنديرس السورية    وزير الشؤون الاجتماعية في الإدارة السورية الجديدة يلتقي فريق مركز الملك سلمان للإغاثة    مركز التحكيم الرياضي السعودي ووزارة العدل يعتمدان المسار الإجرائي    .. و«إغاثي الملك سلمان» يفتح التسجيل في برنامج «أمل» التطوعي للأشقاء في سورية    أمير الشرقية يستقبل السفير السوداني.. ومدير الجوازات    محافظ الطائف يلتقي مدير الهلال الأحمر ويكرم المتميزين    "محمد آل خريص" فقيد التربية والتعليم في وادي الدواسر    الجوال يتصدّر مسببات حوادث الجوف    أمانة الطائف تدعو المستثمرين لإنشاء (برج مغامرات)    جازان تستضيف النسخة الأولى من معرض الكتاب 2025    قطاع ومستشفى بلّحمر يُفعّل "شتاء صحي" و"التغطية الصحية الشاملة"    ميزة من «واتساب» للتحكم بالملصقات المتحركة    الطقس يخفض جودة التمور ويرفع أسعارها    السفر في الشتاء.. تجربة هادئة بعيدًا عن الزحام    مستويات تاريخية.. السعوديون يتجاوزون 3.99 مليون موظف    رالي داكار السعودية 2025 : "الراجحي" يبدأ مشوار الصدارة في فئة السيارات .. و"دانية عقيل" تخطف المركز الرابع    الأهلي متورط !    في ختام الجولة ال15 من دوري" يلو".. أبها في ضيافة النجمة.. ونيوم يخشى الفيصلي الجريح    المنتخب بين المسؤولية والتبعات    القيادة تهنئ أمير الكويت وملك البحرين    أمير القصيم يوجه بسرعة إنجاز المشاريع    أمير الشرقية يستقبل سفير السودان ومدير الجوازات    التواصل الداخلي.. ركيزة الولاء المؤسسي    وزير الطاقة.. تحفيز مبتكر !    من ياسمين دمشق إلى غاز روسيا !    اختتام معرض «وطن بلا مخالف»    بيع سمكة تونة ب266 ألف دولار    آفاقٍ اقتصاديةٍ فضائية    فقط.. لا أريد شيئاً!    مناسبات أفراح جازان ملتقيات شبابية    دعوة مفتوحة لاكتشاف جمال الربع الخالي    شتاء جازان يحتضن مواهب المستقبل مع أكاديمية روائع الموسيقية    من نجد إلى الشام    فنون شعبية    «سحر بحراوي: الجولة الثانية !»    غارات الاحتلال تودي بحياة عشرات الفلسطينيين في غزة    مفتاح الشفاء للقلب المتضرر    تقنية تفك تشفير الكلام    اليقطين يخفض مستوى الكوليسترول    المستشفيات بين التنظيم والوساطات    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة الشيخ فهد الحمري    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    الملك وولي العهد يعزيان العاهل الأردني في وفاة ماجدة رعد    «دوريات المجاهدين» تقبض على شخص لترويجه مادة «الميثامفيتامين»    «عون الحرم».. 46 ألف مستفيد من ذوي الإعاقة    الكذب على النفس    الداخلية أكدت العقوبات المشددة.. ضبط 19541 مخالفًا لأنظمة الإقامة وأمن الحدود    انطلاق ملتقى دعاة «الشؤون الإسلامية» في نيجيريا    تأخر المرأة في الزواج.. هل هو مشكلة !    المرأة السعودية من التعليم إلى التمكين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أرض معزولة بالنوم" ديوان نثري . ناظم السيد يجعل الغرفة زمناً والبحر مكاناً
نشر في الحياة يوم 03 - 10 - 2007

يجمع الشاعر اللبناني الشاب ناظم السيد مفاهيم متناقضة في قطعة شعرية واحدة. وليس في هذا الجمع تخريفاً على اي وجه من الوجوه. فالسيد لا يكف في ديوانه "أرض معزولة بالنوم" دار الكوكب، رياض الريس، 2007 عن تثبيت الأشياء والكائنات في أماكنها كي يتسنى له ان يطمئن لأدوارها ومواقعها كأعمى. او لنقل انه ليس أعمى بالضبط، فهو يرى البحر، ويحاول ادارك ما يرمي إليه، ويرى السماء ويحاول ان يعقلها. كما لو انه بهذا التمرين يبقي عينه قيد الاستعمال، لئلا تفقد طعمها ورائحتها دفعة واحدة. لكنه وهو يجتهد مستعملاً عينه سرعان ما يظهر لنا كما لو ان العين لا ترى إلا ما يبدو نافلاً وغير ذي موضوع: السماء البعيدة، والبحر الذي لا يكف عن تكرار مياهه، والحقول التي لا تحدد شيئاً، والفيل بعينيه الذليلتين،"والحيتان التي اقتربت من الشاطئ"، تلك التي اقتربت كثيراً حتى ظنت انها تريد الانتحار". وفي مثل هذه الظروف لا تساعد العينان على الاختيار، لهذا يختلف الموت عن اسمه. تلك المشاهد، وكثير غيرها تتمدد على امتداد الكتاب: كنغارو استرالي، قطارات تشق العتمة، انفاق تلفظ السيارات إلى الضوء، وسفينة تغرق ببطء وطمأنينة كأنها تقول:"اريد ان اصبح سمكة حقيقية"، لا لتعني ما يقوله الشاعر بل لتثبت ان العين ما زالت قيد الاستعمال. وعلى رغم أن الشاعر سرعان ما يعطي لحركة هذه الكائنات معنى مغايراً وخصوصياً، يريد ان يتملكه وحده.
تمرين العين على النظر يشبه كثيراً الاستلقاء على كنبة ومشاهدة برامج قناة"ديسكوفري"حيث لكل كائن أو جماد قصته ولغته الخاصتان، وحيث يمكن الصور ان تتكلم وتقتل وتساعد في ترتيب الكرة الأرضية برمتها. ولا يمل الشاعر من تكرار هذا الترتيب، حتى وهو يوحي في نصه بجمع ما لا يجمع في مكان واحد ضيق في حجم غرفة المعيشة. هنا تمر السيارات والقطارات والبواخر والحيوانات البرية تباعاً أمام العين الناظرة في مجال أضيق من شاشة التلفزيون. هذه الحشود كلها ليست اكثر من محاولة توكيد وظيفة العين المبصرة لا اكثر ولا اقل. لكن الرجل الذي يتحدث عنه ناظم السيد هو الرجل الذي سبق عينيه إلى كل مكان،"ومتأخراً بما فيه الكفاية اكتشف انه كان يتذكر بدل ان ينظر". لأن هذا الرجل يعرف ان الفيل لا يزور المدن إلا على الشاشات. وان الغرف التي تتسع لكل هذه الكائنات، إنما تتسع لها باعتبارها تحدث ما تحدثه في الطبيعة والفضاء البعيدين جداً. لكنها أيضاً تحدث ما تحدثه من خراب او تكاثر، لأن ثمة عيناً تريد ان تؤكد تمام صحتها ودوام عافيتها. هكذا لا يقع ما تراه العين في المكان بل يقع على الأرجح في الزمن. وفي هذه المعادلة التي يبنيها السيد وهو يتحسس محيطه، يتحول البحر مكاناً والسماء أيضاً، لكن الغرفة، غرفة العيش في المدن، لا تمت الى المكان بصلات وثيقة بل تتصل بالزمن اتصالاً عميقاً، حتى لتكاد تقع فيه حجماً وشكلاً. لأن من مواصفات الغرفة وربما من قدراتها السحرية انها تستطيع جمع حادثة غرق التاتيانيك مع اغتيال يوليوس قيصر في ساعة تلفزيونية واحدة او بين دفتي كتاب.
لهذا لا يبدو التصريح بأن الرجل الذي سبق عينيه دائماً ما كان يرى بل يتذكر تصريحاً غريباً او مستهجناً. فالرجل الذي يرى عند ناظم السيد هو الرجل الذي يراقب من شاشة او نافذة كما لو انه متلصص عظيم، والتلصص يصح على البحر مثلما يصح على الجارة العارية، بالرغبة نفسها وبالتجرد نفسه من الأغراض. ولا ينجح تلصص من دون رفع قيمة المتلصص عليه. فالجارة تصبح مثيرة وجميلة حين نصرف وقتاً لنتلصص عليها، والبحر أيضاً يصبح اكثر من ماء متكرر حين نتلصص عليه. لكن العيش، العيش الذي يعني الكائن ويخاطب اعمق احساساته وأكثرها سطحية يشترط في المدن الحديثة تعطيل النظر وتشغيل التذكر.
فأنت لا تستطيع في عيشك اليومي ان تدفع العين إلى تشغيل ملكة الأحكام إلا في لحظة التلصص او لحظة الكارثة، لأن النظر في العيش اليومي لا يشبه تأمل اللوحات الفنية، فمتأمل اللوحات الفنية ينظر ليحكم، لكن المار في شارع مضاء وانيق ينظر ليتذكر انه كان هنا البارحة.
ناظم السيد في"ارض معزولة بالنوم"يعيش في الزمن لا في المكان، وهو إذ يعلن عن عيشه هذا، فإنه يجعل من حيواتنا المعاصرة مضاعفة إلى الحد الذي لا يطاق، فالألم الذي نستشعره إزاء القتلى والموتى والحيوانات النافقة لا يمكن ان تتسع له حياة واحدة، لكنه أيضاً لا يتصل بمكان بعينه او يمكن ان يحدث فيه حصراً في حياة بشرية واحدة. انها محاولة لحشر الزمن في غرفة النوم لنستعيض به عن غياب المكان، لهذا كله تبدو المدن المتسعة والمكتظة في نص السيد كما لو أنها مادة للتلصص فقط، ولتقرير ان السعال هو علامة على ان ثمة حياة ما زالت تنبض في الطابق الرابع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.