لا تكاد تخلو محطة فضائية من برنامج سينمائي، بما فيها القنوات الاخبارية. وتتنوع أسماء هذه البرامج من"سينمانيا"، الى سينماتيك"، الى"سينه ماغازين"، الى"الفن السابع"... وغيرها من الأسماء ذات الدلالة الطموحة، إلا أن مضامينها تتقارب في معظم الشاشات، إذ كلها"تنويعات بسيطة"على وتر واحد. فإذا استثنينا البرامج التي تخصص فيلماً سينمائياً للعرض بعد قليل من التنظير، نجد أن البرامج، المشار اليها آنفاً، تختزل عالم الفن السابع بكل تاريخه ورموزه وإنجازاته... الى مجرد أخبار سريعة من دون أن تكلف نفسها عناء الخوض في قضايا السينما الحقيقية. غالباً ما تستعرض هذه البرامج قائمة بالأفلام التي حققت أرباحاً طائلة في شباك التذاكر، وتحصي تصنيفاً لهذه الأفلام وفق المقياس التجاري البحت، اعتماداً على إحصاءات واستطلاعات أجريت في الغرب. وتبث لقطات سريعة من هذا الفيلم أو ذاك. وحين تسعى برامج من هذا النوع الى تحقيق نوع من التميز فإنها تقوم ببث تقارير لمراسليها عن مهرجانات سينمائية عالمية، وهؤلاء ينصب اهتمامهم على انتزاع تصريح مقتضب جداً من أحد نجوم السينما، وعلى الأجواء الكرنفالية التي تصاحب عادة مثل هذه المهرجانات الدولية، وعلى مواقف طريفة حدثت هنا وهناك، ليذهب"الفن السينمائي الحقيقي"ضحية هذا التهافت وراء مادة إعلامية لا تعبر عن"السينما"بصفتها فناً يمثل الإنسان بكل تطلعاته وهمومه وأحلامه. الاستنتاج الذي يخرج به المرء، لدى متابعته هذه البرامج، هو أن هوليوود هي دائماً مبتدأ الخبر ومنتهاه، وتأتي أوروبا في الدرجة الثانية، وفي الوقت الذي لا يمكن فيه التقليل من قوة الصناعة السينمائية في الولاياتالمتحدة، وأوروبا، إلا أن ثمة في المقابل بلداناً أخرى تستحق الحديث عن سينماها مثل دول آسيا الوسطى وإيران والشرق الآسيوي وأفريقيا، وكذلك العالم العربي... هذه الجغرافيات التي تنتج أفلاماً قليلة، ومتميزة تغيب عن فقرات هذه البرامج السينمائية، فتدخل تجاربها السينمائية طي النسيان. أما الاستنتاج الآخر فيتمثل في أن التغطية غالباً ما تأخذ طابعاً احتفالياً، إذ يلهث صنّاع هذه البرامج وراء النجوم والأضواء في الوقت الذي يستريح في بهو فنادق المهرجانات الدولية مخرجون ومنتجون وكتّاب سيناريو كبار لا يفكر أحد في توجيه كاميرا البرنامج نحوهم وإجراء حوار معهم. إن الاهتمام بالمظاهر السطحية، السياحية والعابرة يفرِّغ هذه البرامج من أي محتوى جاد وعميق، فيفقد المشاهد فرصة متابعة نقاشات جادة حول صناعة السينما في العالم، والأزمات التي يعانيها هذا الفن، والتيارات السينمائية التي تظهر بين الحين والآخر في ميدان الفن السابع... وسواها من القضايا التي يمكن استثمار بعض وقت البرامج للحديث عنها. لكن يبدو أن معدي هذه البرامج ومقدميها لا علاقة لهم بالسينما، ولا يدركون قيمة هذا الفن، كما أن أصحاب القنوات يطمحون الى الإعلانات التجارية، وبالتالي فإن ابتسامة أنجلينا جولي الآسرة، وقوام نيكول كيدمان الفارع، ووسامة ريتشارد غير أهم بكثير، وفق معاييرهم، من كل التاريخ السينمائي لمايكل مور أو مارتن سكورسيزي أو المودوفار أو كلود شابرول أو إيليا كازان أو مجيد مجيدي أو برغمان أو تورناتوري أو كوبولا أو يلماز غوني أو يوسف شاهين... وسواهم الكثير.