تشهد الأروقة الحقوقية الرسمية والأهلية في مصر حالياً، مجادلات مشوبة بكثير من الحذر وقليل من الجرأة، بعدما طرحت عقوبة الإعدام للمناقشة"الحذرة". فبعد شهور من الصولات والجولات في أروقة المنظمات الحقوقية المصرية عن الإعدام وماهيته، وتاريخه، ونصوص القانون المصري، وفحوى العقوبات المنصوص عليها، انتقلت الفعاليات"الأهلية"إلى الحيز"شبه الرسمي"ممثلاً في المجلس القومي لحقوق الإنسان. فعلى مدى الشهور الماضية، دأبت منظمات حقوقية عدة على طرح قضية عقوبة الإعدام للمناقشة في جلسات وفعاليات اعتبرت"مُنظمة"، تمهيدا لطرح المسألة على الرأي العام. وهو ما تكلل في الصيف الماضي بإعلان"تأسيس التحالف المصري لمناهضة عقوبة الإعدام"، والذي ضم عددا من الجمعيات الحقوقية. وانتهى الأمر عند هذا الحد، لكنه تجدد هذه الأيام بتنظيم المجلس القومي لحقوق الإنسان طاولة مستديرة حول القضية ذاتها. ورغم اعتبار مثل هذه الطاولة خطوة انفتاحية وجريئة في ظل الحساسيات الدينية والثقافية والاجتماعية، إلا أنها انعقدت على استحياء. إذ لوحظ إنخفاض شديد في عدد الصحافيين والإعلاميين الذين حضروا الفعالية، وهو ما فسر في الوسط الصحافي على أن المجلس مال إلى فرض نوع من التعتيم الإعلامي غير المباشر على الاجتماع بغرض عدم تسليط الأضواء الإعلامية عليه. وقال أحد الحقوقيين الذين شاركوا في الطاولة:"ذهبنا لجس نبض المجلس تجاه القضية، وليس لعرض وجهة نظرنا المطالبة بإلغاء العقوبة. واللافت أن غالبية الحاضرين، سواء من المجلس أو من أساتذة القانون المشاركين كانوا يتحدثون بحذر بالغ عن العقوبة، والذي أفسره بأنه خوف جم من متزعمي التيارات الدينية المسيسة والسياسية المرتدية عباءة الدين". والمثير هو أن الحضور اتفق على نقطة واحدة واضحة، وهي تكريس الجهود وتوحيدها في الفترة المقبلة للحديث عن"تقنين عقوبة الإعدام"وليس إلغاؤها، وهو ما اعتبره الحقوقيون أنفسهم نقطة لا بأس بها، وذلك لوجود قناعة عامة بأن المجتمع بوضعه وظروفه الحالية غير مهيأ بعد للحديث عن الإلغاء. وكل ما عدا جريمتي القتل مع سبق الإصرار والترصد وخطف الأنثى واغتصابها سيخضع لأحاديث"التقنين"أو"المراجعة"المستقبلية. لكن الاتجاه الرسمي، عموما، حريص على تكرار التأكيد أن"عقوبة الإعدام باقية"لأنها"ضرورة". واعتبر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان رئيس محكمة النقض السابق المستشار عادل قورة الفعالية"فتحاً للحوار والمناقشة العامة حول عقوبة الإعدام التي هي محل خلاف الفقهاء منذ سنوات طويلة". لكنه أكد أنه يعتبر العقوبة"ضرورة لبيان مدى الجرم المرتكب في الاعتداء المتعمد على حق الحياة". ورغم اعتبار ان مجرد طرح المجلس القومي لحقوق الإنسان عقوبة الإعدام للمناقشة أمر إيجابي ودلالة واضحة على الانفتاح الحقوقي الرسمي في مصر، اثار البيان الذي أصدره نائب رئيس المجلس الدكتور أحمد كمال أبو المجد الكثير من علامات التعجب والاستفهام، وذلك بإشارته إلى أنه"لم يكن متصوراً بأي حال من الأحوال أن ينساق المجلس وراء تيار مندفع وقادم من خارج مصر"، وأن المجلس يعمل على تعزيز حقوق الإنسان في مصر... ولا يمكن أن يزايد عليه أحد، ولا يجوز أن تمارس عليه ضغوط غير جائزة ولا نفع فيها لأحد". وكانت منظمة العفو الدولية دعت حكومات العالم إلى التصويت على قرار الأممالمتحدة بفرض حظر عالمي لعقوبات الإعدام، مشيرة إلى أن 25 دولة نفذت عقوبة إعدام العام 2006، 91 في المئة منها في ست دول هي: الصين والعراق وإيران وباكستان والسودان والولايات المتحدة.