قد تكون إسرائيل تتجاهل الخيار الأفضل لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي. ومن المحتمل أنها تساعد في قطع الطريق على مثل هذا الاحتمال. فمفاوضات مباشرة يجريها الأميركيون ليست مطروحة. وإسرائيل شريكة في هذا التقصير. صحيح أن الرئيس الإيراني مصاب بكراهية عمياء للدولة اليهودية ، ولكن علينا ألا نقع في الارتباك، وألا نضع هذه المشاعر محل خريطة المخاطر والمصالح الحقيقية التي تقلق إيران مثل العراق، والخليج الفارسي إلى باكستان وأفغانستان ووسط آسيا التي تحتل مكاناً أكثر أهمية من إسرائيل. والأكثر ضرراً هو الكلام الأميركي على تغيير النظام في إيران. ان السطحية في التعامل مع إيران هي سبب السياسة الخاطئة. وقد يكون محمود احمدي نجاد هو كل ما نقوله عنه، ولكنه ليس الوحيد الذي يحدد المصلحة الوطنية لإيران. ففي طهران شبكة معقدة من مراكز القوى المتعارضة. ومهدوية أحمدي نجاد الخلاصية ليس معناها سياسة لا عقلانية. ففي إيران عدم رضا كبير عن سياسته الداخلية. وليس هناك ما يضمن تجديد انتخابه بعد عام ونصف. وتهديدات الولاياتالمتحدة وإسرائيل بالحرب تزيد شعبيته. وأحد أسباب الفشل المتوقع لوجهة النظر السياسية الحالية هو عدم الإجماع على هدف: فهل الهدف هو تغيير النظام أم منع انتشار السلاح النووي؟ هذان الهدفان لا يستقيمان معاً. فمن جهة يراد من إيران التخلي عن المشروع النووي، وفي الوقت عينه يراد تغيير النظام. والخلاصة التي انتهت إليها إيران من حوادث الأعوام الأخيرة هي ان الانتماء الى"محور الشر"مع سلاح نووي مثل كوريا الشمالية شأنه التمهيد الى مفاوضات على نحو افضل من كونها دولة من دون سلاح نووي مثل العراق. والعقوبات محور السياسة الهادفة الى منع تطوير السلاح النووي. بيد أن تأثير هذه العقوبات قد يتلاشى في ضوء الجدول الزمني للتقدم النووي. وقد تشكل العقوبات غير المجدية مدخلاً الى الهجوم العسكري. فواشنطن عظّمت تهديداتها الى طهران في المدة الأخيرة. ولكن ثمة ضباطاً كباراً في الجيش الأميركي يعارضون بشدة العملية العسكرية. ولا مجال لحدوث عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران من دون موافقة أميركية. وفي الأحوال كلها، فعملية عسكرية من هذا النوع غير مضمونة النجاح. وقد تكون نتائجها - اي رد إيران والعالم الإسلامي عليها - مدمرة، خصوصاً على إسرائيل. فلذا، على رغم صعوبة استيعاب مثل هذه الحقيقة، فإن استراتيجية ردع إيران نووية وكبحها أفضل من الخيار العسكري. ويصح هذا في حال إسرائيل كذلك. فالبديل قد يكون"الديبلوماسية المزدوجة"، أي ان تقترح الولاياتالمتحدة على إيران مسارين للتفاوض: الأول يدور على الموضوعات الأمنية الأساسية التي تقلق الطرفين مثل السلاح والنووي والعراق والأمن والنظام والعقوبات. ويعالج المسار الثاني الموضوعات الإقليمية التي تهم الطرفين. فتشدد واشنطن على عودة إيران عن مشروع إنتاج السلاح النووي. ولا يبدو المسار الثاني مشجعاً في الظروف الحالية. ولكن معالجة الموضوعات كلها قد تكون الطريقة الوحيدة التي تتيح لإيران ان تنجز خطوات عزيزة عليها. والمفاوضات بين الولاياتالمتحدة وبين إيران يستحسن أن تكون مباشرة، ومن دون شروط مسبقة. وقد يتيح اقتراح أميركي صادق للأطراف البراغماتية في النظام الإيراني التخلص من الضغط الذي يُمارس عليهم. والحق ان كثرة الخبراء يتبنون الخيار الديبلوماسي، الى لجان الأبحاث وبعض السياسيين في الولاياتالمتحدة. ولكن شكوكاً تساور واشنطن. فالضوء الأخضر الإسرائيلي شأنه ان يرجح الكفة داخل الإدارة الأميركية. وعلى كل زعيم إسرائيلي يريد كبح إيران فعلاً، ان يرمي في سلة المهملات المقارنة مع 1938، وأن يهمس بمقترحات مفيدة في أذن العم سام. عن دانيال ليفي مستشار سابق في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية وأحد صياغ"وثيقة جنيف"،"هآرتس"الإسرائيلية، 22/10/2007