لا يستطيع المرء أن يفهم منطق بعض السياسيين الأميركيين. أمثال هؤلاء يكررون أن العراق"الجديد"دولة موحدة ذات سيادة، وله حكومة منتخبة ودستور تم التصويت عليهما وحظيا بثقة الشعب العراقي، هكذا يقولون. إذا كان الأمر كذلك كيف يحق لأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي اقتراح مشاريع"ملزمة أو غير ملزمة"لتعديلات في النظام السياسي في العراق؟ لو كان مجلس الشيوخ العراقي لفهمنا لكنه مجلس الشيوخ الأميركي. نشرت"الحياة"في صفحة"الرأي"يوم الجمعة الماضي مقالاً لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جوزف بايدن جونيور تحت عنوان"تقسيم العراق شيء والنظام الاتحادي شيء آخر"، أشار فيه إلى أصداء الاقتراح الذي قدمه مع احد زملائه، والنقاش الذي يجرى حوله، موضحاً أن هذا النقاش شمله قدر كبير من المعلومات المغلوطة والمضللة، وطالب بقراءة نص التعديل الذي اقترحه مجلس الشيوخ الأميركي ثم أورد توضيحات. ويطيب لبعض الساسة الأميركيين ومن يعمل معهم من العراقيين لتسويق مشروع التقسيم أن يأتوا بالمثال الإتحادي الناجح المطبق في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي هذا تضليل ما بعده تضليل. النظام الاتحادي في دولة الإمارات العربية هو نظام وحدوي، لأنه النظام الذي جمع إمارات صغيرة كانت مستقلة عن بعضها البعض، فهو لم يأت ليقسم دولة موحدة، أما العراق فهو دولة موحدة أصلاً لا يحتاج لمن يوحده لكن هناك رغبة عارمة في تقسيمه ولا بد من تسويغها وتسويقها. من هنا النظام الاتحادي في العراق"المقترح أميركياً ومن ساسة عراقيين سلّمهم المحتل سدة الحكم"هو مشروع تقسيم وتجزئة، وهو الخطوة الثانية لتحقيق طموحات الأحزاب التي جاءت بالمحتل للعراق، ثم انه من المضحك أن تتم الآن الإشارة إلى الدستور العراقي والاستفتاء الذي تم عليه، من دون إشارة إلى أنه تم تحت سلطة قوات الاحتلال وقوى عراقية ليس لها هدف سوى تجزئة العراق إما طمعاً بالنفط وتكوين دويلة طائفية في حالة المجلس الأعلى للثورة، أو طموحاً إلى الاستقلال بالنسبة الى الأكراد كخطوة للوصول إلى دولة كردستان الكبرى. التضليل هو ما يحاول رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي تسويقه في مقاله، أما مطالبته بقراءة نص التعديل فلا معنى لها. غزت أميركا العراق بدعوى نزع أسلحة الدمار الشامل وثبت كذب زعمها، وسوّقت للأمر بحقوق الإنسان الذي يعيش الخراب الآن، والديموقراطية التي ثبت أنها الفوضى الدموية، حتى قال بعضهم إنها كابوس لا نهاية له. لم تغز أميركا وبريطانيا العراق لتحافظا على وحدته، بل احتل لأجل السيطرة على النفط، وهي تقدم المواقع الجغرافية لمنابع النفط بالتقسيم لبعض الأحزاب العراقية لتكون السيطرة عليه أقوى. [email protected]