تعاني العائلات العراقية التي لجأت إلى سورية، هرباً من الفلتان الأمني في بلدها، بطء معاملات الهجرة التي تشرف عليها"المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، في حين تلقي المفوضية باللوم على الدول التي تستضيف اللاجئين. وتمنح المفوضية اللاجئ بعد التسجيل ومقابلة أولية،"وثيقة الاعتراف بصفة اللجوء"، كما تسمّيها. وهي وثيقة صالحة لمدة سنة واحدة، تعطي حاملها فرصة للاحتماء بالمفوضية من العودة القسرية إلى بلاده. يقول أبو عزيز وهو رب عائلة من أربعة أفراد:"سجّلتُ لدى ال"يو إنْ"كما يسميها العراقيون اختصاراً منذ سنتين، وأجريت مقابلتين، شرحتُ فيهما سبب تركي بيتي ومحل رزقي في بغداد، من دون أمل في احتمال الهجرة إلى بلد ثالث". ثم يضيف، كمن لا يلقى شرحه آذاناً صاغية:"أبلغوني أن ملفي نقل إلى السفارة الكندية. وأنا الآن أنتظر اتصالها". ويؤكّد أن الاستقرار في بلد ثالث بات الأمنية الوحيدة لكل افراد أسرته، أملاً بالعيش في جو من الاستقرار والطمأنينة، والحصول على دخل ثابت وإقامة دائمة، في ظل استحالة عودتهم إلى العراق. وكل يوم، يحتشد عشرات العراقيين أمام مكاتب المفوضية في دمشق، لتقديم طلبات التسجيل لديها كلاجئين، أو طلباً لمساعدات مادية أو طبية. وأشار المتحدث باسم المفوضية، رون ردموند في أيلول سبتمبر الماضي، إلى ارتفاع عدد العراقيين المتقدمين بطلبات لجوء إلى دول غربية، وفقاً لمعلومات رسمية صادرة عن حكوماتها. إجراءات وأرقام يتحدث أحد العاملين في مكتب المفوضية الرئيس في حي المالكي في دمشق عن الإجراءات والتعقيدات في العمل بقوله:"يبدأ عملنا من السابعة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر. وعملنا شاق، يتطلب تلبية الناس على اختلاف مشاكلهم وإرضاءهم". ويؤكّد أن مفوضية اللاجئين قسمت فروعها، بسبب كثرة المسجلين، ونشرت مكاتب خاصة للتسجيل وأخرى للتجديد، وعدداً للمقابلات، فضلاً عن مكاتب لتوزيع الملابس والأغذية، ومستوصفات للرعاية الصحية والاجتماعية. وتشير إحصاءات المفوضية إلى أن العراقيين، خارج بلدهم، تقدموا بنحو 19800 طلب للحصول على اللجوء، خلال الشهور الستة الأولى من السنة الحالية. وبذلك احتلوا المرتبة الأولى للجنسيات اللاجئة في العالم في 36 بلداً غربياً، بزيادةپ45 في المئة عن الشهور الستة الأخيرة من عام 2006، إذ تلقت تلك البلدان 13600 طلب لجوء. وإذا استمرت وتيرة العنف في العراق، يُتوقع صعود هذه الأرقام في نهاية هذا العام، إلى 40 ألف شخص، وهو أعلى رقم منذ عام 2002. وتوضح معلومات المفوضية أن نصف طلبات لجوء العراقيين أي 9300، قدمت إلى السويد هذا العام، لكن الولاياتالمتحدة، تبقى الوجهة الأكثر إقبالاً للاجئين عموماً، من العراقيين وسواهم من جنسيات أخرى في العالم، نحو 26800 لاجئ. وسجلت اليونان نحو 3500 طلب بينما سجلت أسبانيا وألمانيا 2320 طلباً. وتأتي فرنسا في المركز الرابع، بين الدول الأوروبية، مسجلة نحو 14 ألف طلب، تليها المملكة المتحدة 12700، ثم كندا 11400، فالنمسا 5700. حكايات وأعداد خالدة محسن، مدرّسة متقاعدة غادرت العراق مع ولديها، بعد مقتل زوجها بسبب انتمائه الحزبي، تروي:"قُبلت في الولاياتالمتحدة. وأنا الآن في انتظار الفيزا التأشيرة. قدّمت الطلب، منذ 18 شهراً، ثم حُوّل ملفي إلى لجنة أميركية وافقت على منحي الإقامة، كوني أرملة وأعيل ولدين قاصرين". ومن المحتمل أن تبقى خالدة سنة أخرى لتتسلّم التأشيرة. ويستغرق درس ملفات التوطين، لدى المفوضية وقتاً طويلاً، يشعر أثناءه اللاجئون العراقيون بوطأة العيش بين مطرقة رفض الدول الغربية طلبهم، وهم يلقون اللوم عليها أي الدول بشن الحرب على بلدهم، وسندان العودة الى بلد يموت أبناؤه كل يوم، فيرون أنفسهم في عدادهم إذا عادوا. وتؤكد ام نبيل أنها لن ترجع إلى العراق، بعد مقتل ابنها الطبيب في عيادته قبل شهور. وهي تطالب المجتمع الدولي بالتعويض عمّا فقدته من رزق وبيت وولد، لكنها تستدرك:"انا لست لاجئة فلدي بلد، لكنه محتل. أجبِرت وزوجي على تركه، ولا اعرف على من ألقي السبب". وتعيب على الدول استقبال العراقيين لديها. وستبقى في دمشق تسعى إلى تقديم طلب لجوء لدى المفوضية، حتى تأتيها موافقة المفوضية على توطينها في المانيا، حيث تقطن ابنتها. وتُعرف المفوضية اللاجئ بأنه شخص فرّ من بلده بعد تعرضه للاضطهاد، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو رأيه السياسي أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، ولا يستطيع العودة أو لا يرغب فيها. وارتفع عدد المسجلين فى مركز المفوضية في دوما وعدرا، في ضواحي دمشق خلال الشهر الماضي إلى 7500، بمعدّل 2000 شخص أسبوعيا، وقد يصل المجموع الى 683 77 هذا العام. ويبلغ العدد المتزايد شهرياً من المسجلين 120 الف عراقي، نصفهم في حاجة الى رعاية طبية، وربعهم في حاجة الى حماية قانونية، من اصل مليون ونصف المليون من الموجودين في سورية. وارسلت ملفات 7 آلاف شخص الى السفارات المعنية لدرسها. وثمة محاولة لرفع العدد الى 20 الف، العام المقبل. وفي نهاية آب أغسطس المنصرم حولت المفوضية ملفات 13696 لاجئاً عراقياً إلى بلدان إعادة التوطين لدرسها، واستصدار تأشيرات الدخول والجنسية، منها 10111 ملفاً إلى الولاياتالمتحدة و3586 إلى أستراليا، فضلاً عن كندا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا والنروج والبرازيل. في انتظار الوجهة الأخيرة استغل عراقيون كثر العطلة الصيفية للمجيء الى سورية واخذ مواعيد تسجيل في المفوضية، غالبيتها لن تحدد قبل أشهر، بسبب كثرة الطلبات. وبعد دراسة أولية، تليها مقابلة أفراد العائلة الراغبة في اللجوء، تحول المفوضية الملفات الى السفارات المعنية التي تمنح تأشيرات لجوء لأسباب إنسانية. ولا يحق لطالب اللجوء اختيار بلد معين الا إذا كان ذلك لمصلحة لم شمل الأسرة. وتشير المفوضية الى ان سبب تأخر انجاز معاملات الهجرة والتوطين يأتي نتيجة عدم استعداد الحكومات لاستقبال أعداد كبيرة، او إجراء تعديل على حصصها من تأشيرات الدخول، لتتوافق مع المساعدات الإنسانية التي ستقدمها للاجئين لديها. وقد يستجيب بعض الحكومات لجنسيات دون أخرى. وقد ترفض بلدان إعادة توطين أسر يعاني أفرادها أو بعضهم مشكلات طبية ملحة، تكون تكاليف معالجتها ورعاية المرضى مرتفعة، أو الأسر التي تتمتع بقدرة محدودة على الاندماج في البلد - الوجهة. ولا تقتصر علاقة مفوضية الأممالمتحدة بسورية مع العراقي اللاجئ على مساعدته في الهجرة الى بلد مستقر، بل تحاول توفير ابسط متطلبات العيش، لا سيما للعائلات الفقيرة التي فقدت معيلها، أو لديها أطفال معوقون، أو ترعى مسنين ومرضى، بمساندة برنامج الأغذية العالمي. وعند التسجيل، تقدم المفوضية معلومات عن كيفية الاشتراك في برامج التدريب واكتساب مهارات خاصة وتعلّم مهن حرة، كالخياطة والحلاقة والنجارة. وتعطي وثائق لمراجعة المستوصفات العاملة تحت إشرافها، لإجراء فحوص دورية وجراحات وتوزيع أدوية للأمراض المزمنة، فضلاً عن استمارات للتسجيل لدى مراكز توزيع الأغذية والمستلزمات الدراسية للطلبة العراقيين. وتقول سناء محمد إن عائلتها تسلمت مواد غذائية، عبر الهلال الأحمر السوري. ويتوقع ان تصل هذه المعونة إلى 50 ألف لاجئ عراقي، بنهاية العام. تأسست المفوضية عام 1950. وهي قدمت يد العون إلى 50 مليون شخص، في أكثر من 120 بلداً، بينهم 19.8 مليون لاجئ، بمساندة 189 دولة. وأعربت هذه المنظمة العالمية، عبر إعلان رسمي ألصِق على باب مكتبها الرئيس في دمشق، عن أن قدرتها على التوطين محدودة، ولا تزيد على ثمانية أشخاص بالألف، ومن جنسيات مختلفة. ومنذ أربع سنوات حتى اليوم، استطاع ألف عراقي فقط الانتقال للعيش في دول أخرى، وجلّهم من ضحايا التعذيب والعائلات التي ترأسها امرأة، أو أفرادها من ذوي الاحتياجات الخاصة.