على ذمة صحيفة "يديعوت احرونوت" ان أولمرت تنفس الصعداء عندما وافق ابو مازن في لقائهما الاخير على تأجيل البحث في القضايا الجوهرية الى ما بعد"المؤتمر"الدولي، وبعد اقناعه بالتخلي عن"اتفاق الاطار"الذي طالب الفلسطينيون بإنجازه قبل اجتماع الخريف، وعن مطلب وضع"وثيقة واضحة ومحددة"تتطرق الى قضايا الحل النهائي"ضمن اطار زمني محدد"في غضون ستة اشهر. ولا يعرف مدى صحة ما نشرته الصحيفة الاسرائيلية، الا ان المراقب للتصريحات الفلسطينية يلاحظ ان عملية خفض سقف التوقعات الفلسطينية من المؤتمر قد بدأت. فالحديث الرسمي الفلسطيني الآن لم يعد يتطرق الى"اتفاقية اطار"وإنما الى وثيقة مشتركة، اما موضوع الجداول الزمنية فيبدو أنه لا يزال مطروحاً بقوة في التصريحات الصادرة عن القيادات الفلسطينية. لكن من المتوقع ان يسحب من التداول بأسرع وقت. الأمر اللافت هو ان الموقف الفلسطيني بدأ يشدد على أهمية ان يكون اجتماع الخريف نقطة انطلاق للمفاوضات القادمة، بما يوحي بأن استئناف المفاوضات هو الهدف الممكن تحقيقه والذي يرضى عنه الفلسطينيون او سيقبلونه مختارين أو مكرهين. وعندما يقال لمسؤول فلسطيني ان المفاوضات استؤنفت بدليل عقد ستة لقاءات بين ابو مازن وأولمرت، وان استئناف المفاوضات من دون مرجعية ولا جداول زمنية ولا ضمانات دولية ولا مشاركة دولية فاعلة يمثل خطراً كبيراً يظهر ان المفاوضات تتحول الى هدف بحد ذاتها، وتركز على شروط المفاوضات وايجاد افق سياسي يهدف الى التوصل في اسرع وقت الى اتفاق لا يتم تطبيقه الآن وإنما في المستقبل، بحجة ان السلطة الفلسطينية ضعيفة وعاجزة عن تطبيق اي اتفاق بسبب الانقسام، يقول لك انه يجب اختيار أهون الشرين. وان لا خيار سوى استئناف المفاوضات بأي ثمن. أصبح الاتفاق على استئناف المفاوضات من دون تنازل عن مرجعياتها السابقة هو سقف الموقف الفلسطيني بعد ان انزلته تصريحات ومواقف اولمرت وليفني وباراك التي دعمتها الادارة الاميركية من الشجرة العالية التي صعد اليها عندما أخذ يتحدث عن اتفاقية اطار تفصيلية مدعومة بجداول زمنية قصيرة. وعندما يقال للقيادة ان خارطة الطريق ولدت ميتة عندما وضعت عليها حكومة شارون تحفظاتها التي تنسفها من الاساس، وبعدما وافقت ادارة بوش على أخذ هذه التحفظات بالحسبان عند التطبيق، كما حصل فعلاً، تدير رأسها غير مهتمة بهذا الحديث وتكرر تمسكها بخارطة الطريق وبقية المعزوفة. وعندما يقال لها ان اعادة طرح مبادرة السلام العربية في قمة الرياض بعد سنوات من طرح خارطة الطريق من دون ان تنفذ يفترض ان تؤدي الى تجاوز فلسطيني وعربي لخارطة الطريق لا نجد جواباً فلسطينياً شافياً. بل نجد الاصرار على التمسك بخارطة الطريق رغم انها خطة امنية وضعت للتعجيز وليس للتطبيق كما طمأن شارون اعضاء حزبه عندما وافق عليها بعد اضافة التحفظات الاسرائيلية. ان التعامل الفلسطيني مع خارطة الطريق ادى أخيراً ويمكن ان يؤدي لاحقاً الى الأخذ بالتفسيرات الاسرائيلية لها، اي تطبيق الالتزامات الفلسطينية أولاً ثم بعد ذلك ترى اسرائيل كيف ستطبق الالتزامات الاسرائيلية. فإسرائيل لا تريد حلاً دائماً لأن حكومة اولمرت عاجزة عن التوصل الى مثل هذا الحل. صحيح ان القيادة الفلسطينية لم تسلم رسميا بتغيير قواعد اللعبة والمرجعية، ولكنها تتعامل فعلياً مع عملية مفاوضات ثنائية من دون مرجعية، مما يجعل ما تقبله او ترفضه اسرائيل والولايات المتحدة هو المرجعية الوحيدة المعتمدة، والدليل على ما سبق ان القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تستند اليهما، اصبحت كلها في خبر كان، ولا يذكرها سوى الجانب الفلسطيني. واذا ارادت القيادة الفلسطينية ان تعود الى عملية سلام ذات مرجعية دولية فعليها ان تجمع عناصر القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية. اما سياسة الاسترضاء فلا تكفي بل توصلنا الى ما نحن فيه. اسرائيل تريد من اجتماع الخريف في الحد الاقصى فرض رؤيتها للحل النهائي على الفلسطينيين وهذا متعذر تماماً الآن، اما في الحد الأدنى فتريد ابقاء زمام المبادرة سياسياً في يدها من خلال مفاوضات ثنائية تقطع الطريق على المبادرات الاخرى وتسد الفراغ، وتكون من دون مرجعية ولا مشاركة دولية ولا من طرف ثالث. كما تريد اسرائيل استخدام المفاوضات كغطاء لما تقوم به على الارض من فرض حقائق تجعل الحل الاسرائيلي هو المطروح عملياً. وأخيراً تهدف اسرائيل الى توظيف اجتماع الخريف لتعميق وتكريس الانقسام الداخلي الفلسطيني وجر العرب الى التطبيع من دون ان تقدم اسرائيل شيئاً بالمقابل. والولايات المتحدة الاميركية تريد من اجتماع الخريف ان تقنع العرب بأنها مهتمة بحل قضيتهم المركزية، من دون حلها فعلاً، للحصول على دعمهم لسياساتها في المنطقة وخصوصاً في العراق، وازاء المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات مع ايران. على الفلسطينيين ان يدركوا ما هي المصالح والاهداف الاميركية الاسرائيلية من اجتماع الخريف، ولا يجعلوها تتحقق من دون ان يحققوا هم شيئاً. واذا كان متعذرا الاتفاق على تسوية نهائية فيجب على الأقل ان يحرص الفلسطينيون على وقف العدوان العسكري الاسرائيلي بكل اشكاله والاستيطان وبناء الجدار قبل اجتماع الخريف. واذا حدث ذلك وتم استئناف المفاوضات فالضرر سيكون أقل بكثير. أما مفاوضات عبثية وبلا نهاية وتستخدم للتغطية على استكمال تطبيق المشاريع الاسرائيلية على الارض الرامية لكسر ارادة الفلسطينيين وتغيير وعيهم ودفعهم لقبول ما تعرضه وتفرضه اسرائيل، فإنها تمثل ربحاً اسرائيلياً صافياً. إن المبالغة في تقدير اهمية ان 36 دولة ستشارك في المؤتمر، وان سورية ولبنان ستشاركان يخفي حقيقة القلق الفلسطيني من ان يخرج الوفد الفلسطيني من المولد"بلا حمص"، فأخذ يبحث عن الفتات او الورقة التي يمكن ان تستر العورة. فلو شارك كل العالم في مؤتمر لا يستند الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولا تقوده الاممالمتحدة ولا تتحكم بمن سيشارك به ولا بصلاحياته ولا نتائجه، فإن العالم سيكون شاهد زور على المصادقة على ما يتم الاتفاق عليه بين الفلسطينيين والاسرائيليين. اما اذا كان لا بد من عقد اجتماع الخريف، واذا كان متعذراً الاتفاق على اتفاقية اطار وجداول زمنية سريعة وآلية تطبيق ملزمة وضمانات دولية، فالافضل الذهاب من دون اتفاق لوضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته ازاء تلبية الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية وفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. يمكن استغلال ازمة السياسة الاميركية والاسرائيلية في المنطقة كما يمكن استغلال حاجة ادارة بوش لغطاء عربي لما تفعله في العراق ولما يمكن ان تفعله ضد ايران. كما يمكن الاعتماد على ان القضية الفلسطينية رغم كل التراجع في مكانتها لا تزال مفتاح الحرب والسلام في المنطقة. وهذا يجعل الموقف الفلسطيني مهمّاً وفاعلاً. كما يمكن ايضاً الاصرار على وقف العدوان والاستيطان والجدار قبل اجتماع الخريف مقابل استئناف المفاوضات ووقف المقاومة المسلحة. وهذا هدف قابل للتحقيق، وينطبق عليه مبدأ تقليل الخسائر والاضرار. * كاتب فلسطيني