تستعد عائلة أبو صباح المقيمة في كركوك منذ أكثر من 25 عاماً لحزم أمتعتها والعودة الى مسقط رأس رب العائلة في العمارة جنوب بعدما حصلت على 12 الف دولار تعويضاً خصصته لجنة تطبيع الأوضاع في المدينة. وتغادر هذه العائلة المكونة من خمسة أفراد، مثقلة بهموم العودة الى عالم لم تألفه، ولم تعش في كنفه يوماً. وتقول صباح البنت الكبرى للعائلة، إنها لا تعرف عن العمارة التي ستهاجر اليها شيئاً، سوى ما تسمعه من والدها، غير أنها مشهورة بنوع من الأسماك اللذيذة التي كان يحضرها عمها معه لدى زيارتهم في كركوك. ولا تشعر صباح بالحنين إلى مسقط رأس والدها كونها ولدت ونشأت وعاشت في هذه المدينة الشمالية. وعائلة ابو صباح ليست الوحيدة التي تستعد لمغادرة كركوك، فهناك حوالي عشرة آلاف عائلة مثلها، تدرس وضعها اللجنة العليا لتطبيع الأوضاع في المدينة، وستمنحها تعويضات لتسهيل رحيلها. وتشير أم صباح إلى أن استمرار العيش في المدينة بات مستحيلاً بعد الانفلات الأمني الذي عم أحياءها، وأدى إلى مقتل زوجها قبل أكثر من سنتين"بعد تهديدات تطالبنا بالرحيل عن المدينة في أسرع وقت". وتتابع أن مقتل رب العائلة الذي كان يعمل ضابطاً في الجيش العراقي السابق، و"حصل على بيت في كركوك لقاء خدمته وطنه على مدى سنوات طويلة، أرغمنا على اتخاذ القرار بالمغادرة". ويقول جمال محمد، وهو أحد أعضاء مجلس بلدية كركوك ل"الحياة"إن"هناك حوالي 70 ألف عائلة عربية، أي حوالي 230 ألف شخص انتقلوا الى المدينة مطلع ثمانينات القرن الماضي بعد طرد آلاف الأكراد والتركمان بموجب سياسة التعريب التي اتبعها نظام صدام حسين لتغيير الواقع الديموغرافي". ويشير الى أن حوالي عشرة آلاف عائلة أعربت عن استعدادها للرحيل، بموجب خطة تطبيع الأوضاع في المدينة التي تشرف عليها لجنة تضم ممثلين عن العرب والاكراد والتركمان، لتطبيق المادة 140 من الدستور. وتنص هذه المادة على"إعادة المرحلين الأكراد من المدينة، وترحيل الوافدين العرب اليها"، مقابل تعويضات مالية. ويعقب ذلك استفتاء للسكان لتخييرهم بين الانضمام الى اقليم كردستان أو البقاء محافظة مستقلة، خلال فترة أقصاها 31 كانون الأول ديسمبر العام الجاري. إلا أن بعض الأطراف يرفض تطبيق المادة المذكورة كونها"غير واقعية ولا تخدم سكان المدينة". وتطالب الكتل السياسية السنية، وفي مقدمها"جبهة التوافق"بعدم تطبيق إجراءات التطبيع أو تأجيلها إلى وقت لاحق، فيما يصر الاكراد على تنفيذ المادة الدستورية. ويشدد رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني على أن الأكراد لن يتنازلوا عن"حقهم في كركوك"، مشيراً الى أن المادة 140"خط أحمر لا يمكن تجاوزه". وتتهم العشائر العربية والتركمان الأكراد بمحاولة"تكريد المدينة من خلال جلب أكراد من خارجها وتوطينهم مستخدمين وثائق مزورة لتكون نتيجة الاستفتاء العام لمصلحتهم". وكانت لجنة تطبيع الأوضاع برئاسة هاشم الشبلي، أصدرت قراراً يقضي بإعادة العرب"الوافدين"الى كركوك بعد عام 1968، ما أثار ضجة وسط الأطراف المعارضة، ودفع الشبلي الى الاستقالة. ويخلفه حالياً في رئاسة اللجنة، وزير العلوم والتكنولوجيا رائد فهمي الذي أشار الى أن إجراءات التطبيع"بدأت فعلاً في بعض مناطق كركوك".