عندما زارت الرحالة الإنكليزية وجامعة الفراشات مارغريت فونتان دمشق للمرة الأولى في العام 1901، أدى شاب سوري اسمه خليل نعيمي دور دليلها ومترجمها. وعثر خليل على بقع جيدة لاصطياد الفراشات لمارغريت التي كانت متحمسة للقبض على أجناس سورية من فراشات لم تر لها من قبل مثيلاً. وبعد ذلك وظفت مارغريت الشاب مقابل أجر أسبوعي لمرافقتها إلى بعلبك للبحث عن الفراشات. وفي ذلك الوقت كانت مارغريت عذراء في التاسعة والثلاثين وخليل كان في الرابعة والعشرين. لكن على رغم الفارق سرعان ما بات خليل بسحره ونياته الغرامية يلقي بثقله على مارغريت. في أثناء زيارتهما لآثار بعلبك طلب يدها للزواج ووافقت على أن تغدو السيدة نعيمي. كان خليل من طائفة الروم الأرثوذكس فهو على الأقل كان مسيحياً على غرار مارغريت، لكنها سرعان ما أدركت أن له وجهات نظر تقليدية حول الزواج. ومع رفضها أن تصبح إحدى الرعايا الأتراك اتفقا على العيش في أميركا بعد الزواج. ومن ثم وظفته لرحلة على الأحصنة إلى القدس. وفي خلال تجوالهما في فلسطين الذي دام سبعة أسابيع مرا عبر الناصرة وعبرا سهل جنين إلى نابلس والقدس ومن ثم سافرا إلى الشاطئ وذهبا إلى بيروت على متن سفينة بخارية. هذه كانت بدايات قصة حب ظلت شعلتها متقدة طوال 27 من السنوات المضطربة حتى موت خليل في العام 1928. أخذتهما الرحلات من أجل جمع الفراشات إلى أماكن عدة من بينها الجزائر وأميركا الوسطى والشرق الأدنى وتركيا والهند والولايات المتحدة. وهما أمضيا كذلك فترة كارثية من ثلاث سنوات حاولا فيها في أستراليا إنشاء مزرعة في الغابة المطرية في كويزلاند. وفي بعض الأحيان سافرا بصفتهما"أخاً وأخته"لمشاطرة غرفة وفي أحيان أخرى بصفتهما"أولاد عم". وقد عرف هو بكارل لكنها في مذكراتها اللاحقة كانت تدعوه دائماً شارلز. وعلى رغم عرض الزواج الذي تقدم به في وقت سابق من صداقتهما فإنهما لم يتزوجا قط. فمارغريت تلقت صفعة قوية بعد رحلتهما الأولى معاً عندما اكتشفت أنه كان متزوجاً أصلاً بامرأة في دمشق. طوال أعوام كان خليل يؤكد لمارغريت أنه يسعى الى الطلاق والزواج بها لكن الأعوام مرت بلا تغيير إلى أن بلغ العام 1920 منتصفه فكتب لها من دمشق رسالة مفادها أن عمه المطران نعيمي حل زواجه وهو يعتقد بأن السيدات الإنكليزيات زوجات صالحات. غير أن مارغريت لم تدرك إلا بعد وفاة خليل مدى تخييبه لآمالها وعيشه حياة مزدوجة طوال علاقتهما. وعلى رغم أن خليل خيب أمل مارغريت في شأن حياته في دمشق إلا أنه واضح في كتاب"برية لا تخشى المخاطر"أنه كان خير مساعد لمارغريت في أسفارها حول العالم وفي عملها مع الفراشات. وعندما أصيبا بالملاريا في الجزائر وأصبحت عليلة للغاية قالت إن رعايته المتفانية أنقذت حياتها. وأصبح خليل مقبولاً في المجمع العالمي لعلم دراسة الحشرات بصفته مرافقها في رحلاتها وكانت دائماً ما تشير إليه باسم"برسا"في المقالات التي كتبتها للصحف المعنية بعلم دراسة الحشرات. وتروي قصة الحب التي عاشتها مارغريت مع خليل الكاتبة البريطانية المتخصصة في شؤون السفر ناتاشا سكوت ستوكس في سيرة"برية لا تخشى المخاطر: حياة مارغريت فونتان"وايلد أند فيرلس: ذي لايف أوف مارغريت فونتان التي أصدرها في لندن أخيراً الناشر بيتر أوين. يعد الكتاب أول سيرة حياة عن امرأة شجاعة موهوبة تعشق المغامرة سافرت حول العالم لتجمع الفراشات وتزاوجها ولتقوم باكتشافات علمية مهمة حولها ولتعيش في الوقت نفسه حياة عاطفية معقدة. وعلى رغم أن مارغريت كتبت سجلاً مفصلاً عن حياتها في مذكراتها فإنها نصت في رسالة كتبتها في العام 1939 بعدم فتح الصندوق الذي يحتوي دفاتر مذكراتها وهي 12 دفتراً المغلفة بالجلد والمحفوظة في متحف نورويش كاسل قبل العام 1978. فبحلول ذلك العام احتفلت مذكراتها بعيدها المئة بعد أن بدأت بكتابتها عندما كانت في الخامسة عشرة. وبعد فتح صندوق المذكرات في العام 1978 نشرت دار نشر دبليو أف كاتر مجلدين:"الحب بين الفراشات"في العام 1980 لوف أمونغ بترفلايز و"الفراشات والحب المتأخر"في العام 1986 بترفلايز أند لايت لوفز. وتعتبر سكوت ستوكس شأنها شأن فونتان امرأة رحالة وحيدة وهي متحمسة لموضوع سيرة الحياة التي كتبتها ومتعاطفة معه. فسكوت ستوكس كانت أول امرأة تسافر وحيدة من منبع نهر الأمازون من أعالي جبال الأنديز في البيرو إلى المحيط الأطلسي. وقد كتبت عن هذه الرحلة في أول كتاب سفر لها"أمازون وحمار"في العام 1991 أن أمازون أند أ دانكي. وتروي سكوت ستوكس قصة مارغريت باندفاع وحيوية. وهي تقول إنها عندما بدأت بقراءة مذكرات مارغريت"لقد أسرتني كلياً تجاربها ومدى التشابه بين تجربتينا على رغم فارق المئة عام". ومن أحد أوجه الشبه هي المشاكل التي تواجهها المرأة الرحالة الوحيدة مع الرجال. وتعد عائلة فونتان التي أبصرت مارغريت النور في كنفها في العام 1862 من أقدم العائلات في مقاطعة نورفولك في شرق انكلترا. وكانت مارغريت امرأة متعددة المواهب إذ كان بمقدورها أن تصبح فنانة أو مغنية. فصور المراحل المختلفة من حياة الفراشة في دفتر رسم مارغريت التي تم إدراجها في سيرة الحياة الذي كتبته سكوت ستوكس تظهر مواهبها كفنانة. واتسمت عشرينات مارغريت بسيطرة حب لا أمل فيه كانت تكنه لمغن في كورس في كاتدرائية نورويش اسمه سبتيموس هيوسن"خلف في قلبها وروحها - وفقاً لسكوت ستوكس - جرحاً لم يندمل قط فعلياً". وعندما كانت مارغريت في السابعة والعشرين ورثت وأختها مبلغاً طائلاً من المال من عمها. ففي وصيته قال العم إن المال سيحفظ في صندوق ائتمان كي تنال كل فتاة دخلاً مدى الحياة. وهكذا أصبح بمقدور مارغريت مغادرة نورويش والسفر. وكما تصور سكوت ستوكس فإن المال زودها بفرصة فريدة من نوعها للهرب من الحدود التي وضعها المجتمع. وبالفعل، ذهبت إلى أيرلندا للبحث عن سبتيموس هيوسن الذي كان قد هرب إلى هناك من نورويش بعد أن تكدست عليه الديون. وظنت أنها أصبحت مرتبطة به لكن النهاية لم تكن سعيدة. وحظيت مارغريت في خلال أسفارها بمعجبين عديدين كما تصف في مذكراتها. ولكن على رغم أنها كانت تتمتع بالغزل والعبث فإنها لم تخضع قط كلياً لانتباه الرجال. ونقلتها أسفارها بداية إلى بلدان أوروبا الغربية وفي سويسرا أعادت اكتشاف بهجة جمع الفراشات. وكتبت أنه في ذلك الوقت"ضرب حب التاريخ الطبيعي جذوره في نفسي". وبعد أن أمضت ثلاثة أيام في زيارة جامع الفراشات الكبير هنري جون الويس في العام 1895 قررت تشكيل مجموعة جدية من الفراشات. وكانت صقلية وجهة أولى رحلاتها الكبرى لجمع الفراشات. وتكتب سكوت ستوكس أنه مع بلوغها الخامسة والثلاثين في العام 1897 دخلت مارغريت مجتمع علم دراسة الحشرات"بكامل تكوينها وبأفضل حالاتها كأنها إحدى فراشاتها". وتم نشر مقالتها الأولى حول الفراشات في صقلية في صحيفة عالم الحشرات ذي انتمولوجست وضم متحف التاريخ الطبيعي في لندن 44 من نماذج فراشاتها إلى مجموعته. ماتت الملكة فيكتوريا في العام 1901 بعد حكم دام 64 عاماً وهذا شكل نهاية عهد أيضاً لمارغريت. وعنه تكتب:"من الآن وصاعداً ستعيش مارغريت معظم حياتها بعيداً من انكلترا لتقضي فترات طويلة في أفريقيا وأستراليا وآسيا والأميركيتين. كانت فترة ستشهد نجاحاً شخصياً ومهنياً كبيراً وعلى رغم أن طريق مارغريت لم يكن قط مستقيماً فحتى هي كانت لتدهش لو سمعت ما كان القدر يخبئ لها في جعبته". كانت مارغريت تواقة للغاية إلى زيارة الشرق وفي وجه خاص الأراضي المقدسة فسافرت بحراً إلى مرسيليا والإسكندرية ومنها إلى بيروت حيث أمضت عشرة أيام في الفندق الألماني هوتل ألماند. كما زارت الجبال حيث أحزنتها حال النساء. أما في دمشق فقد حجز لها في فندق الشرق أورينت هوتل الذي كان ملكاً للأخوين جورج خوام اللذين أتيا لأخذها على متن عربة تجرها أحصنة ومع دليلها ومترجمها خليل نعيمي الذي كان قد تعلم على إرساليين أميركيين وعاش أربعة أعوام في وسكنسون. وعلى رغم أن مارغريت اكتشفت بعد رحلتها إلى فلسطين معه أن خليل كان متزوجاً فإنها طلبت إليه أن يكون دليلها في أول زيارة لها في آسيا الصغرى تركيا. وقد كتب إليها ليخبرها بحقيقة زواجه من وجهة نظره وهو حتى عرض عليها أن يخدمها طوال حياته من دون أي مقابل مادي بل لمجرد البقاء بقربها. وفي خلال رحلتها تلك إلى آسيا الصغرى وفي عمر الواحد والأربعين فقدت مارغريت عذريتها لخليل الذي شرح زواجه بالقول إن أباه أصر على عودته من أميركا ليتزوج بفتاة في الخامسة عشرة اتضح لاحقاً أنها ابنة بائعة هوى. وادعى أن زوجته تحولت إلى بيع الهوى وتركت طفلتهما التي ماتت لاحقاً. كما أخبر مارغريت أنه عندما طلب يدها في آثار بعلبك كان واثقاً من حصوله على الطلاق ولهذا السبب لم يذكر زواجه، غير أن مطران طائفة الروم الأرثوذكس في دمشق رفض بعد ذلك منحه طلاقاً. وتلاحظ سكوت ستوكس أن خليل أصبح زوج مارغريت في كل الأمور ما عدا الاسم. ففي المؤتمر الدولي الثاني لعلم دراسة الحشرات الذي عقد في أكسفورد في العام 1912 اصطحبت مارغريت خليل معها فهو كان شريكها في عملها وأرادت أن يعترف بجهوده. وكم كانت فرحتها غامرة عندما رحب به الجميع، لكن أخت أحد أعز أصدقائها العلماء أخبرتها أن الجميع كان يتكلم عنهما وأنهم يريدون معرفة إذا ما كانت متزوجة"ببرسا"أم لا. لم تكن مارغريت لتعرف كل التفاصيل عن ظروف زواج خليل وظروف عائلته في دمشق لكنها تلقت صفعة قوية بعد موته عندما تلقت رسائل من أمه وأخته وصديق لم يسبق لمارغريت أن سمعت عنه. وادعت الأخت أن زوجة خليل كانت جد قاسية فهي تركته معتلاً على فراش المرض وأخذت معها أولادهما الخمسة. وكانت مارغريت قد صدّقته عندما أخبرها أنه حصل أخيراً على الطلاق ولم تكن تعلم بوجود هؤلاء الأولاد الخمسة الذي كان أكبرهم في الثانية والعشرين كما قيل لها. وأخبرت الأخت بولين مارغريت أن خليل وعدها بأن مارغريت ستستمر بإعالتها وأمها. ومن ثم بدأت مارغريت تتلقى رسائل من زوجته تطلب فيها المال. غير أن مارغريت تجاهلت هذه الطلبات كلها. بعد موت خليل ظلت مارغريت وفية لذكراه واعترفت بمساهمته في عملها. فمجموعتها الهائلة المؤلفة من 22 ألف فراشة والموجودة في متحف نورويش كاسل تحمل اسم مجموعة فونتان - نعيمي. وبعد موت خليل سافرت مارغريت إلى الأمازون وعثرت على فراشتين جديدتين. وسمحت لنورمان ريلاي من متحف التاريخ الطبيعي في لندن بتسمية الفراشتين تيمناً بخليل وكتبت في رسالة لريلاي:"مسكين السيد نعيمي، كم كان ليفرح بذلك".